الإسلام في أفريقيا الحلقة (12)
الخلافات تدب بين الخوارج
وعند تقدم حنظلة باتجاه المغرب كان قد دبَّ الخلاف بين الخوارج (الصفرية) فانقسموا إلى فريقين الأول مع عكاشة بن أيوب الفزاري والفريق الثاني مع عبد الواحد بن يزيد الهواري، وطمع كل واحد منهما في الاستيلاء على القيروان.
واستغل حنظلة هذا الخلاف استغلالاً جيداً، وعبأ أهل القيروان لمساعدته على قتال الخوارج، فانضموا إلى جيشه، وكان اللقاء في موضع يسمى (الأصنام) على بعد (400) كيلو متر غربي القيروان حيث دحر حنظلة عبد الواحد بن يزيد الهواري بعد قتال عنيف، ثم سار بعد ذلك حنظلة نحو عكاشة بن أيوب الفزاري والتقى به في غربي القيروان أيضا في موضع يسمى (القرن) وهزمه هزيمة نكراء في أواخر سنة (124هـ/741م) وأوائل سنة (125هـ/742م). وقد أنقذت هاتان المعركتان مصير السنة والجماعة في إفريقية والمغرب.
وهكذا تمكن حنظلة بن صفوان من إخماد الثورة البربرية، ولكن تبع ذلك صراع عربي - عربي، بين العرب المحليين سكان إفريقية، والعرب الشاميين القادمين مع حنظلة، إضافة إلى الخوارج من الإباضية والصفرية.
بينما كان حنظلة يرتب أمور ولايته بعد انتصاره الكبير على الخوارج ثار عليه عبد الرحمن بن حبيب سنة (127هـ/744م)، فسار حنظلة لقتاله. يقول ابن عذاري في كتابه (البيان المغرب): (ثم كره قتال المسلمين - يقصد حنظلة - وكان ذا ورع ودين فوجه إليه - أي إلى عبد الرحمن بن حبيب - جماعة من وجوه إفريقية فدعوه إلى مراجعة الطاعة فغدر بهم عبد الرحمن بن حبيب وسار إلى القيروان.
فلما رأى حنظلة ذلك دعا القاضي والعدول وفتح بيت المال فأخذ منه ألف دينار وترك الباقي وقال: لم أتلبس منه إلا بقدر ما يكفيني ويبلغني. ثم مضى من إفريقية سنة (129هـ/746م) في جمادى الأولى، ثم أقبل عبد الرحمن حتى دخل القيروان..).
واستبد بالأمر عبد الرحمن بن حبيب، فقد استولى على حكم المغرب والانفراد به لعشر سنوات (127-137هـ/744-754م)، وقد استطاع القضاء على منافسيه من الزعماء العرب بسهولة، ولكنه لقي عناءً شديداً من خوارج البربر. فقد أخفق في صراعه مع إباضية طرابلس إخفاقاً كبيراً ولم ينقذه إلا اختلاف قائديهم عبد الجبار بن قيس المرادي والحارث بن تليد الحضرمي، فتحاربا حتى أهلك بعضهم بعضا، مما جعل عبد الرحمن يتمكن من اقتحام طرابلس وانتزاعها من الإباضية.
بعد تمكن عبد الرحمن من القضاء على الإباضية أخذ يشتد على الناس في جمع الضرائب مما نفّر الناس من حوله، فانصرف عنه أهل القيروان وتونس وصفاقس وسوسة، وكرهه معظم أهل إفريقية وطرابلس، وكذلك ساءت العلاقات بينه وبين أهل بيته.
وسوم: العدد 659