الثورة السورية وحسابات السوق
تقسيم سورية، أو فيدراليتها، حسب السيناريو الجديد المراد له ان ينفذ في سورية ، بات اليوم قاب قوسين أو أدنى من الوضع على طاولة المفاوضات، في جنيف أوفي خارجها.
ومهما قيل عن هذه الفيدرالية ، فهي (المشروع النموذج) الذي يراد له أن يعم المنطقة (الشرق أوسطية) طوعاً أو كرها و بالوسائل المتاحة، و في إطار مدة زمنية محسوبة.
وهذه الفكرة و هي (جديدة و قديمة) من صنع القوى الخارجية التي تتآمر على الشعب السوري، و تحاول إجهاض ثورته، و القضاء على وحدته الوطنية و إدخاله في دوامة من الفوضى التي قد لا تنتهي بعشرات السنين.
والمعروف أن المشروع الطائفي (العرقي و الديني) ، أول من تحدث به رسمياً قادة إسرائيل ( هرتزل و بن غوريون و بيريز) وذلك من منطق المصلحة الصهيونية و قد كانت سورية إحدى دول المواجهة، التي كان يحسب حسابها، و تشكل خطرا على الدولة اليهودية منذ نشأتها في فلسطين سنة 1948م.
و قد أصبح ما يجري في سورية من اقتتال دام بين النظام و الفصائل السورية، مدخلا لتحقيق الأهداف الصهيونية من خلال فرض سياسة الأمر الواقع، التي تضطلع بها الدول الكبرى، و منها تحديداً روسيا و الولايات المتحدة الأمريكية. بصرف النظر عن رغبة الشعب السوري، أو عن رأيه وإرادته، وبصرف النظر عن الفصائل العاملة على الأرض السورية، و عن حجمها و قدراتها، و طاقتها القتالية. وبصرف النظر عن ماهية النظام السوري، و عن حقيقة ما هو عليه من دموية أو إرهاب.
و (المضحك و المبكي) في هذه المسألة و (المؤسف جداً) أن الأبعاد الحقيقية للقضية السورية تقرأ دائماً من قبل أصدقاء سورية، و من قبل شركائها في المصير بطريقة معكوسة، أو بنظارة غير مطابقة فتكون القراءة غير مجدية و لا تفي بالغرض، و في بعض الأحيان قد تضرُّ، و هذا ما لحظ و يلحظ من تصرفاتهم.
إذ أن الحسابات الميدانية الدقيقة، و منها: معرفة الأعداء و الأصدقاء، و ما هم عليه من قوة، هي التي يمكن أن تفيد في مثل هذه الظروف الصعبة.
فالمعركة على الأرض السورية ستطول و لن تتوقف و إذا كانت قد بدأت أولا مع النظام ثم تحولت بقدرة قادر لتصبح بين الإرهابيين و غير الإرهابيين فلا نعجب بعد ذلك إذا أصبحت بين الشعب السوري و بين التحالف الصهيو إيراني . و لا نعجب بعدها أن تكون الورطة الكبرى فتصبح إقليمية، و تلك هي براعة المخرج الأول صاحب( السيناريو الجديد) الذي يركب مركب الفيدرالية و يسعى جاهدا من أجل فرضها على الشعب السوري كنموذج قامت عليه دول كبرى كالولايات المتحدة الأمريكية والهند واليابان وغيرها من الدول و كواقع مفروض ، بعد الحريق الهائل الذي يعتام سورية كلها. وذلك من باب الخداع والمخاتلة .
و هذا العرض الموضوعي جدا، يوقف الأعداء و الأصدقاء عند ضرورة معرفة توقعاتهم للمستقبل، و ما يمكن أن تؤول إليه الأمور بعد فدرلة سورية او كنتنتها و بعد تحويلها إلى بؤر مشتعلة بشكل دائم. و هذه البؤر لن تكون مقصورة على الساحة السورية حسب، كما لن تكون محصورة فيها و بالتالي فهي النار التي ستحرق الأيدي التي أشعلتها أولاً و ستلحق الأذى و الضرر بكل المصالح التي كانت ذريعة غير مبررة للتدخل في سورية، و لإخراج ذلك السيناريو غير المحترم.
أما السوريون – و نحن منهم- فتلك فرصتهم . و كما يقول المثل الصيني طريق الألف ميل تبدأ بخطوة واحدة. فقد مشيناها خطاً كتبت علينا و من كتبت عليه خطا مشاها . و تلك هي فلسفة الثورة، و ما عليه الثوريون من إرادة و تصميم. فالثورة العظيمة تحتاج إلى الثوار العظماء و الثوار العظماء لا يخضعون في قياساتهم للمقاييس الوصولية أو الانتهازية، بل يخضعون للمقاييس الثورية الحقيقية و هي مقاييس معروفة، و لسنا في حاجة إلى التفصيل فيها، أو الحديث عنها أكثر من ذلك.
و إذا كان اليسار الدولي قد ضرب أكثر من مثل في كوبا و فيتنام ولاوس و كمبوديا، فإن الإسلاميين ضربوا المثل الأكثر روعة في أفغانستان، و قد جعلوا الروس يخرجون صاغرين و هم لا يكادون يلتفتون وراءهم لهول ما لاقوه في مواجهة المجاهدين الأفغان. و هذا يعني أن الدرس سيكون قاسيا و سيهزم الجمع ويولّون الدبر، مهما كانت المواجهة صعبة ، و أمد المعركة طويلا ، ومهما أجلب الأعداء من قوات.
أ.د.عبد العزيز الحاج مصطفى
رئيس وحدة الدراسات السورية
مركز أمية للبحوث والدراسات الاستراتيجية
وسوم: العدد 660