لا يعقل أن يؤخذ مسلمو بلجيكا بجريرة الإرهاب الأعمى

 لقد كشف تحرك التيار العنصري لحليقي الرؤوس  في بلجيكا عن مدى الحقد الذي يكنه هؤلاء  للرعايا المسلمين الموجودين فوق الأراضي البلجيكية .  ومعلوم أن التيار العنصري لا يقتصر وجوده على بلد أوروبي دون آخر ، كما أن التحركات العنصرية  تظهر بين الحين والآخر في هذا القطر الأوروبي أو ذاك .وكلما ضرب الإرهاب الأعمى قطرا أوروبيا إلا واستغل العنصريون الفرصة للنيل من المسلمين سبا وشتما وتجريحا وتهديدا مع أنه لا علاقة بين الإرهاب  والإسلام إلا أن التوجه العنصري يأبى إلا ربط الإرهاب بالإسلام ، وذلك من مخلفات الماضي المقيت الذي ساد خلال فترة  ما يسمى بالحروب الصليبية . ولا زال كثير من الأوروبيين الذين يحملون فكرا عنصريا  يتوارثون  جيلا عن جيل فكرة إضمار العداء للمسلمين وللإسلام . ولا يكفي أن يدعي الإرهابيون الانتساب للإسلام ليكون هذا الدين مسؤولا عما يقترفه هؤلاء من فظائع ضد الأبرياء . وإن  ما آلم  الرعايا البلجيكيين آلم بنفس الدرجة أو أكثر الرعايا المسلمين الموجودين في بلجيكا ، علما بأن من هؤلاء الرعايا من يحمل الجنسية البلجيكية ، وهم رعايا مشهود لهم بالاستقامة وحسن السيرة وخدمة الوطن البلجيكي ربما أكثر من بعض الرعايا البلجيكيين من السكان الأصليين .  ومن المعلوم أن الرعايا المسلمين الذين هاجروا إلى بلجيكا وغيرها من الدول الأوروبية إنما هاجروا طلبا للعيش الكريم خصوصا الذين ضاقت بهم سبل العيش في أوطانهم الأصلية، ولم يجدوا بدا من الهجرة مضطرين لا أبطالا ، ولم يكن في نيتهم أبدا الإساءة بشكل أو بآخر لرعايا البلدان التي تحتضنهم . ومعلوم أيضا أن للرعايا المسلمين المهاجرين إلى البلاد الأوروبية قصصا  مؤلمة ، ومثيرة للشفقة  حيث تجرعوا مرارة الغربة ، وذل الخدمة أو السخرة  في بلاد الغير ، وعانوا كثيرا من التمييز ، ولا زال معظم الأوروبيين  إلا القليل  منهم ينظرون إليهم بازدراء واستعلاء لا يقل عما كان عليه  الحال حين كانت الدول الأوروبية تحتل البلاد الإسلامية حيث ولدت فترات الاحتلال لدى الأوروبيين عقدة الشعور بالاستعلاء ، وهي عقدة تصدر عن ثقافة عنصرية . وبالرغم من أن البلاد الأوروبية ترفع شعارات الديمقراطية والمساواة  والعدالة...  فإنها تبقى مجرد شعارات وفاء أمام الممارسات ذات الطابع العنصري . ومن مظاهر العنصرية أن يوصف وينعت الرعايا المسلمون بنعوت تحط من قدرهم ومن كرامتهم مثل نعتهم بالعرق الخسيس  أو الجنس الوسخ ...أو ما شابه ذلك من النعوت المشينة ، وهذا ما يجعل  الحضارة الأوروبية  حضارة  تتسم بزيف مبادئها على أرض الواقع ، وهي مبادىء لا تعدو أن تكون مجرد شعارات فارغة من كل دلالة . ولقد ضيقت الثقافة الأوروبية على  ثقافة الرعايا المسلمين الموجودين في بلادها حيث تفرض هذه الثقافة الغربية فرضا على هؤلاء الرعايا ،ومن ذلك فرض تنشئة  أوتربية أوروبية على أبناء الرعايا المسلمين ، والتدخل في طرق تربيتهم ، فالعديد من أبناء وبنات المسلمين يقتادون آباءهم إلى مراكز الشرطة وقاعات المحاكم بسبب رفض هؤلاء الآباء سلوكات أبنائهم وبناتهم المنافية لقيمهم الإسلامية ولأخلاقهم ولثقافتهم ، فتقف الأنظمة الأوروبية إلى جانب هؤلاء الأبناء والبنات  ضد آبائهم وأولياء أمورهم . وعندما تلتبس على هؤلاء الأبناء والبنات التربية الغربية بتربيتهم الإسلامية ،ويشكل عليهم الأمر، ويجدون أنفسهم موزعين بين ثقافتين متباينتين ، وتكون النتيجة تربية هجينة تفرز التطرف والعنف تنحي الدول الأوروبية على الآباء المسلمين باللائمة مع أنها هي المسؤولة عن خروج أبنائهم  وبناتهم عن ضوابط تربيتهم الأصيلة . ويواجه أبناء وبنات الجالية المسلمة في أوروبا الكثير من المضايقات حتى أن الحضارة الأوروبية تدخلت في طبيعة ما يلبسون  من لباس ، وفرضت على بنات المسلمين التخلي عن زيهن من خلال ممارسة التهديد بحرمانهن من حقهن في التعلم وفي الشغل . ولا تبالي الدول الغربية بما تمارسه من ضغوط على الرعايا المسلمين، وما تسببه لهم من عنت وهم يمارسون حرية التدين التي تزعم الدول الأوروبية أنها تحترمها . فعلى سبيل المثال لا الحصر يمنع الرعايا المسلمون من ممارسة شعائرهم الدينية من قبيل رفع الأذان في المساجد ، أو ذبح الأضاحي ... وتتجاهل الدول الأوروبية مواقفها  السلبية من قضايا إسلامية كالاعتداء على المقدسات من قبيل  النيل من شخص رسول الإسلام عليه السلام بواسطة الرسوم والأفلام المسيئة ، وهو نيل من مشاعر الرعايا المسلمين ، كما أن الدول الأوروبية  تساند وتدعم الكيان الصهيوني بلا حدود فيتابع الرعايا المسلمون جرائم الإبادة التي يمارسها  هذا الكيان العنصري ضد إخوانهم في الأراضي الفلسطينية المحتلة ، ويتجرعون مرارة ذلك . وتتجاهل الدول الأوروبية زعزعتها للاستقرار في البلاد الإسلامية كما كان الحال بالنسبة للعراق الذي تم غزوه ، وهو غزو خلق فوضى عارمة في منطقة الشرق الأوسط . وتتجاهل الدول الأوروبية دورها في مساندة الأنظمة العربية الشمولية كالنظام المصري والنظام السوري حيث  ساندت الانقلاب العسكري  في مصر على الشرعية، وقوضت الديمقراطية الناشئة فيها ، كما أنها شجعت النظام السوري على ارتكاب الفظائع ضد شعبه ، وتعرف أوروبا اليوم نزوح ملايين السوريين الفارين من جحيم الحرب  نحو دول أوربية  تغلق حدودها في وجوههم ، وهم يعانون على حدودها الويلات في ظروف قاسية بلا كرامة . وعوض تدخل الدول الأوروبية لوضع نهابة لمعاناة هؤلاء البؤساء عن طريق استئصال النظام الدموي في سوريا وإعادة الفارين من بطشه إلى وطنهم ، نجدها تدعمه وتحافظ على وجوده واستمراره لأن في وجوده  واستمراره مصلحة الكيان الصهيوني الذي يحتل الجولان السوري وقد تخلى عن استرجاعه النظام الدموي مقابل البقاء في السلطة. كل هذه التصرفات  وغيرها والتي لا تلقي لها الدول الأوروبية بالا ساهمت في ظهور التطرف والإرهاب الذي فرخ في المناطق التي خلق فيها الأوروبيون التوتر، وانتشر بعد ذلك حتى وصل إلى العواصم الأوروبية ،وبات يهدد أمنها واستقرارها ، ويحصد أرواح الأبرياء من رعاياها . ولا يمكن أن تستثنى الدول الأوروبية من تحمل قسط كبير من المسؤولية عن ظهور التطرف والإرهاب . ولا يعقل أن تلصق تهم التطرف والإرهاب بالإسلام وبالرعايا المسلمين الذين يعيشون في الدول الأوروبية لعقود ، ولم يسجل عليهم  من قبل ما يدينهم  بالتشدد والتطرف والإرهاب . ولا يعقل أن يستغل العنصريون من حليقي الرؤوس والنازيين والفاشيين ما وقع في بلجيكا وفرنسا لتصفية الحساب مع الرعايا المسلمين الموجودين في هاذين البلدين بدوافع عنصرية بحتة .وإن الحركات العنصرية في الدول الأوروبية تعتبر دعما مباشرا للتطرف والإرهاب لأنها تعطيه الذرائع لممارسة المزيد من ظائعه ضد الأبرياء باسم الإسلام لتشويهه وتحميله المسؤولية عن جرائم هو براء منها . وأخيرا إن استئصال التطرف والإرهاب لا يكون بالتضييق على الرعايا المسلمين في أوروبا وهم أول من أدان العدوان على بلجيكا وفرنسا والسماح للحركات العنصرية بالإساءة إليهم بل يكون بمراجعة مواقف الدول الأوروبية السلبية من الإسلام وهو دين إنساني يصون كرامة الإنسان كما أنه دين عدالة ، وكذا المواقف السلبية من المسلمين خصوصا الرعايا الذين يعيشون في أوروبا ويساهمون في بناء حضارتها على حساب الكثير من حقوقهم وعلى رأسها حق ممارسة الشعائر الدينية حيث يمارس عليهم التضييق في حين يحظى الرعايا الأوروبيون بكامل الحرية في ممارسة تدينهم أو ممارسة لائكيتهم في البلدان الإسلامية ، ويلبسون ما شاءوا  بل يتجردون من لباسهم  ويتعرون كما شاءوا دون أن يوجد ما يضيق على حرياتهم . وعلى الدولة البلجيكية أن تقدم اعتذارا  رسميا للجالية المسلمة الموجودة فيها على ما صدر عن العنصريين من حليقي الرؤوس  من إساءة مناقضة للشعارات التي ترفعها هي  وجاراتها الأوروبيات .

وسوم: العدد 661