سقطة اليوبيل الماسي للصحفيين
"سقطة" كبيرة لنقابة الصحفيين المصريين حينما "تفرد" مجلسها بدعوة رئيس السلطة التنفيذىة عبد الفتاح السيسي لرعاية اليوبيل الماسي لها بمناسبة مرور 75 عاماً على إنشائها ،في سابقة تاريخية لم تشهدها النقابة من قبل حتى في أعتى عصور "الزعيم العسكري" في الستينيات.
وهى دعوة عجيبة وغير مفهومة وتأتى خارج السياق لأسباب كثيرة ،أهمها أن من دعته النقابة لرعاية اليوبيل الماسي لها "تفرد" عصره عن أقرانه من الحكام العسكريين في مصر بأكبر عدد من الصحفيين المقتولين، الذين قتل بعضهم بطريقة يمكن "تلبيسها" لغير عناصر الشرطة، ومنهم من قتل بشكل واضح برصاص الشرطة وبتغطية الكاميرات، وذلك دون أن تقدم السلطة قاتلاً واحداً حقيقياً للمحاكمة.
كما شهد عصره أكبر عدد من الصحفيين المعتقلين والذين استكثروا عليهم صفة "الاعتقال" فَلُفْقَتْ لهم "القضايا الجنائية " ليصبحو مساجين "جنائيين" مع تجار الكيف وبغاة الدعارة.
وأيضا "تفرد" عهده بأكبر عدد من الصحفيين الفارين لخارج البلاد من جحيم التربص والمداهمات والمطاردات، وأكبر عدد من الصحفيين المفصولين، وأكبر عدد من الصحفيين الذين منعوا من الكتابة ، وأكبر عدد من الصحفيين الذين غُلقت في وجوههم أبواب العمل بأمر من "اللهو الخفي" المتحكم في كل ما ينشر أو يكتب داخل هذا البلد.
يأتى ذلك رغم أن النقابات هى مؤسسات غير خاضعة لسلطة الحكومة، وأن عمل الصحفيين يأتى على طرفي النقيض من السلطة التنفيذية التى يترأسها من دعته لرعاية احتفالها، وبالتالي فهذه الدعوة سياسية بحتة.
ورغم ذلك فأنا لست مقتنعاً بتاتاً بأن قريحة بعض أعضاء مجلس النقابة تفتقت عن هذا الاقتراح العبقري من تلقاء نفسها، واعذرونى إن كنت أشك، بل أجزم، أنه قد طلب منهم طرح تلك الدعوى،خاصة لأنهم يعلمون جميعا حجم الاستهجان والمعارضة التى سيلاقيها هذا الطرح، ليس من مجموعة الصحفيين النشطاء نقابيا فحسب، ولكن أيضا من قطاع عريض من الصحفيين الذين يخشون الجهر بالاعتراض.
التحول إلى العنصرية
السقطة تلك سببها أن النقابة ومَن أوعزَ لها بالسقوط ،حاولت التواطؤ على دماء وآلام أعضائها ، وأن تقدم بشكل بائس شهادة زور ، تزين وجه الحقيقة القبيح للعالم عن واقع هو يراه ويلم بتفاصيله أكثر منها ، وحَزم وجَزم بأن "المحروسة" ثانى أكبر دولة في العالم تنتهك حقوق الصحفيين ، وأنها على شفا أن نكون "كوريا شمالية" أخرى في العالم.
وما يحز في نفوس كثير من الصحفيين المنتهكة حقوقهم ، أنهم رأوا نقابتهم التى كانوا يعتبرونها بيتا من بيوتهم ، تتنكر لهم وتتعامل معهم بسياسة الفصل العنصري التى انقرضت حتى في أوطانها، في لحظات هم يعانون فيها الويلات في السجون الانفرادية من المرض والجوع والنوم على الأرض فضلا عن شتات أسرهم وفقدانهم عائلهم ، فتقلص حلمهم إزاء كل هذا الغبن في مجرد زنزانة بها تهوية وبها "حصيرة" ينامون عليها، خاصة أنها هى ذاتها نقابتهم تلك التى كانت تنتفض في الأيام الخوالى ليلا ونهارا وفي الأبكار والأسحار لو "عثرت" قدم صحفي "مختوم" أمنيا في الطريق، وعلى أساس أن مرسي لم يُعَبْدها له.
دليل التواطؤ
وكشف مجلس نقابة الصحفيين عن عظيم تواطئه وانحيازاته السياسية، حينما قام بإعداد فيلم وثائقي عن النقابة ،دارت به شاشات العرض في كل الأدوار إحياء لليوبيل الماسي ، قاموا من خلاله بممارسة الدعاية السياسية الخرقاء لنظم الحكم العسكرية ، وبدلا من أن يتم استعراض أوضاع النقابة في كل العهود ، راحوا ينهون الفيلم فقط حتى العام اليتيم للدكتور "محمد مرسي" الذى استعرضوه بشكل تحريضى فيه قدر من السخرية والإساءة للرجل ، ناهيك عن وصف عام حكمه بحكم "الإخوان"، ومع ظهور صورة "مرسي" ظهرت الدماء على الأرض تسيل بغزارة ، وعناوين "المقاومة" في الصحف لهذا النظام "الفاشي" وصور الشهيد الحسينى أبو ضيف تم استدعاؤها بكثافة مع التلميح بأن "الإخوان"هم من قتلوه ، ولا نعرف كيف أثبتوا ما لم تثبته حتى تحقيقات النيابة أو القضاء.
وبدلا من أن يكملوا العرض إلى عام 2016 تجنبوا الخوض في ينابيع الدم التى تفجرت في ربوع مصر بعد ذلك.
الغريب أنه رغم وجود 15 صحفيا استشهدوا منذ يوليو 2013 ، إلا أن "الزهايمر" أصاب ذاكرة معدى الفيلم ولم يتذكروا منهم إلا ثلاثة فقط ،لقطة عابرة عن الشهيد محمد محمود في أحداث ثورة يناير، والحسينى أبو ضيف صاحب نصيب الأسد من التغطية كما هو الحال على الجدران الخارجية والداخلية للنقابة، وميادة أشرف التى استشهدت في عهد السيسي لكن التقرير راح يزج بها وكأنها استشهدت في عام حكم مرسى، أو كأنها كانت ضحية له .
العمل بالسياسة
ورغم دعوة السيسي لرعاية اليوبيل الماسي ، ورغم أن الفيلم تباهى بخروج 11 مسيرة من النقابة مناوئة لحكم"الإخوان"، إلا أن النقابة راحت تتهم الصحفيين الرافضين لدعوة السيسي لرعاية اليوبيل الماسي بأنهم من ذوى المواقف السياسية ، وهو قول هزل في موضع الجد ، لأن من دعا رئيس السلطة التنفيذية ورئيس البلاد هو مَن يمارس السياسة ، ومن أنتج فيلما بمثل كل هذا القبح هو من يمارس السياسة على حساب دماء زملائه.
والأهم القول إنه من حق الصحفي أن يعبر عن رأيه السياسي، فهو محلل وكاتب وناقد ومواطن، وليس حمارا يحمل أاسفارا، لكن ما لا يحق أبدا هو أن تعبر نقابة الصحفيين عن السياسة، فهى كيان اعتباري يضم كل الناس من شتى التيارات، ومواقفها السياسية يجب أن تكون بالإجماع وليس حتى بالأغلبية.
مجدى حسين
فى الحقيقة يظهر غبن مجلس نقابة الصحفيين جليا في تعاملها مع الكاتب الصحفي مجدى أحمد حسين أحد أعضاء مجلسها السابقين ، فالرجل صدرت ضده أحكام مغلظة بالحبس ثماني سنوات في قضايا نشر وتعبير ، ولكن لم تكلف النقابة نفسها حتى بإصدار بيان لدعمه كذلك الذى أصدرته لـ"اسلام بحيري" أو"فاطمة ناعوت" وهما ليسا أعضاء بها.
بل أن الغبن لم يلحق بالرجل المعتقل فقط في حاضره ومستقبله، بل امتد ليلحق بماضيه وماضى الزملاء "محمد عبد القدوس" و"صلاح عبد المقصود"، فلم يظهر أحدهم في أى لقطة من لقطات الفيلم المؤامرة ، رغم أن بعضهم أمضى نصف عمره عضوا بمجلس النقابة أو وكيلا لها، كل هذا فقط لأنهم رفضوا الدخول في بيت الطاعة الذى ضم المجالس الحالية.
وسوم: العدد 663