أربعة أقلام رصاص غير مبرية
أقلام محورها الثقافة والفكر، تحتاج إلى التبصر ولفت الانتباه كونها مهمة في تكوين الرأي العام والوعي الشعبي... قال الامام علي بن أبي طالب كرم الله وجهه: "حين سكت أهل الحق عن الباطل، توهم أهل الباطل أنهم على حق".
القلم الأول : الواقع جنين الحلم
يرتهن المستقبل الثقافي العربي بمعطيات كثيرة سياسية، اجتماعية، واقتصادية خاصة في ظل مولد تيارات جديدة مبشرة بالمستقبل. من يمعن النظر في حالة الثقافة اليوم يستطيع القول أن هناك رصيد من الثقافة الكلاسيكية المغيب، خاصة لدى الجيل الجديد من الكتاب والمثقفين الذين تشربوا الفكر الغربي والثقافة الغربية.. كما يوجد بذور فكر سياسي جيد لكن يقابله جدار الفكر السياسي المسيطر.
من الواجب أن نحلم من منطلق قول الشعراء بأن الواقع جنين الحلم والحلم بانتظار النور، علينا أن نؤمن بإن الإرادة الطليقة هي التي تنتج الآثار والنتائج كما تنشىء الأسباب والمقدمات ، لا تنقصنا بذور التنوير الثقافي وإنما نحن بحاجة الى إصلاح فكري يبرز التميز ويؤسس لعالم جديد.
القلم الثاني: حالة فجور وعهر فكري
هذا ما يمثله عدد من الصحفيين والمثقفين الذين يعملون في خدمة الأنظمة السياسية... وأوضح ما تراهم حين تسقط تلك الأنظمة التي كانت ترعاهم أو تتغير، هؤلاء مباشرة ً ينضوون تحت جناح الطرف المعارض معيدين تشكيل سلطاتهم أمام الناس بعد أن يلبسوا قناعهم الجديد.
وغالباً ما يتحول كثير من هؤلاء الى أداة في يد الاستبداد وفي اضطهاد الناس.... في حين يتحول البعض الآخر الى كلب حراسة مأجور لدى السلطة فيمارس ألوان ثقافته على أمثاله من المثقفين لا لشىء إلا لأن الضمائر فيهم قد توارت خلف حجب من الرذيلة، وفي هذا كارثة كبيرة ، كون المثقف حارس للقيم والفكر النبيل.
لا ننسى أنه من الهام أن يحافظ المثقف والمفكر على استقلاليته، ليكون قادراً على اتخاذ موقف نقدي بناء، حيث تبرز مهمة الفكر في النقد وتعرية المشاكل لأجل مصلحة الوطن... وعلى الشباب العربي وحده تقع مسؤولية الخلاص والنهوض بالوعي الاعلامي بحيث لا تبهره الأسماء والألقاب وأن لا تفقده الألوان الصارخة والأصوات الزائفة سيطرته على نفسه، على أن يكون البحث عن مُثله ومبادئه من داخله لا أن تطل عليه من خارج، بحيث نستطيع أن نوقف الطوفان الذى يدمر أشياءنا الجميلة و الرائعة.
القلم الثالث : يأكلون على كل الموائــــد
مستغلون انتهازيون متسلقون أشبه ما يكونون بالقمل أو الفيروس، يستغلون وعي العامة لحشد الرأي وتجييش الحشود بغية تحقيق مصالح معينة. يكثرون داخل مؤسسات الدولة كما في الأحزاب والحركات الوطنية، يأكلون على كل الموائد، يراهنون على الشباب المجهد المتعب الذي لا يجد وسيلة للتعبير عن غضبه فيستثمرون ضعفه ويوجهونه لخدمة مآربهم.
وإذا أمعنا النظر في حقيقة الأمور نجد أن بعض القوى الوطنية في العالم العربي واقعة في قبضة سلطات دكتاتورية غاشمة لا تقر بالديمقراطية ولا بحرية فكرية إلا وفق شروطها الخاصة مما يتيح المجال أمام المتسلقين والانتهازيين لاستباحة العامة والتلاعب بهم. وهذا لاشك مطب إنساني يحتاج وقفة من الجميع .
أعتقد أن " المكاشفة " على أساس مبدأ الموضوعية والجرأة والصدق، قد تكون أحد الأجوبة التي يمكن أن يستعان بها لتسليط الضوء على هكذا مشكلة، ولاننسى أهمية وجود مجتمع مدني ناشط وخاصة ً من النساء الماجدات حرائر الأمة ، وآلة إعلامية وطنية قادرة على فضح هؤلاء القوم بحيث تكون المصلحة الوطنية لعامة الشعب هي الإطار الصحيح لقيام دولة الديمقراطية والحرية الفكرية..بعد أن تتم نقاوة الكأس من الداخل من الشوائب التي تشوبه وتطفىء بريقه وبهاءه .
أعتقد لزاما ًعلينا أن نعطي شيئاً من الثقة بالنفس والاهتمام بالوطنية والانتماء لتكوين شخصية الفرد العربي ومبعث اعتزازه بكرامته وماضيه وذاته ، لهو أمر لازم.
القلم الرابع : البلطجة الفكرية
أن تتحول بعض المؤسسات الفكرية ، العلمية أو الوسائل الإعلامية إلى أداة يحاول من خلالها البعض طمس الحقائق أو تشويهها أو صرف الاهتمام عنها، مما يعني بلا شك أننا نبتعد عن جوهر القضايا الى سفاسف الأمور أو حتى تمييع الفكرة المطروحة الى حد الإسفاف بها.
من اللافت للانتباه وجود البلطجة الفكرية وممارستها في العديد من المجالات وعلى مختلف المستويات وفي كل الحالات الخاسر الأكبر هو المجتمع والفرد.
كثير من السياسيين والاعلاميين يمارسون البلطجة الفكرية على كل من يخالفهم الرأي أو الانتماء أو العقيدة.. ومما يؤلمنا أكثر هو استهداف الإعلاميين وأصحاب الرأي الحر والضمير الحي في بعض البلدان ، فقط لأنهم تبنوا رأياً ووقفوا يدافعون عنه.
ومن سوء الحظ أيضا أننا نعيش في عصر تحكمه الجهالة أكثر من قبل ، حيث أن أصحاب المصالح ومن شابههم ممن يلبسون زي العلم والسياسة أصبحوا يستثمرون جهل الناس تكريساً لمكتسباتهم وحفاظاً على تفوقهم الاجتماعي والسياسي. وعلى الطرف الآخر يقف مناصروا العلم والحقيقة والمنطق والموضوعية ينذرون أنفسهم وحياتهم في خدمة ما يؤمنون به ويدافعون عنه.
وختامه ..إن العين تدمع.. والقلبُ يحزن.. والعقلُ يكرهه زمن الفاسدين و ينشد ويتتطلع إلى زمن الطيبيين الشجعان الشرفاء......
إني كرهتك يازمان الفاسدين وكرهت في زمن الفساد تنطـع المتنطعين
وكرهت كذِبَ الكاذبيـن وكرهت من باع الضمير لكي يموت بغير دين
وكرهت من يتسلقون وخسة المتسلقين وكرهت بعض الاغبياء يمجدون التافهين
فمتى سترجع يازمــان الطيبيــــــن ؟
وسوم: العدد 663