الطريق من هنا
الإيمان اولا :
يعد النموذج التربوي الذي انتهجه الرسول صلى الله عليه في صناعة الجيل الأول من الصحابة الكرام أسلوبا فريدا ، تميز بخاصية مميزة تكاد تجمع الدراسات إنها تربية منفردة ، انطلقت من القوة الموجبة و المؤثرة ، القوة التي تعزز بواعث النفس ، فتمدها بالمثبتات ، كما أنها تمدها بالقوى الدافعة و المحركة لجوامع الخير المطلق . فعمل الرسول صلى الله عليه و سلم إلى ملأ النفوس بالإيمان المولد للطاقة الفعالة المؤثرة ، هذه التربية التي أفرزت جيلا فريدا ، حق له أن يملك الريادة و السيادة و الأستاذية ، التي لا يختلف عليها اثنان إنه جيل الصحابة عليهم الرضوان .
و السنة الصحيحة توكد هذا المعنى . أخرج البيهقي، وسعيد بن منصور، وغيرهما عنْ أَبِي السَّفَرِ قَالَ: قَالَ حُذَيْفَةُ : " إِنَّا قَوْمٌ أُوتِينَا الْإِيمَانَ قَبْلَ أَنْ نُؤْتَى الْقُرْآنَ، وَإِنَّكُمْ قَوْمٌ أُوتِيتُمُ الْقُرْآنَ قَبْلَ أَنْ تُؤْتَوَا الْإِيمَانَ. " فنتاج التربية الحقيقي هو إنزال المبادئ و المعارف إلى الحقائق الملوسة في واقع الناس ، من خلال تفاعل النصوص و الأحكام و التوجيهات عن طريق التكوين ثم التدريب و التنفيذ ، و هو ما تجلى فعلا في حياة الرسول صلى الله عليه و سلم القدوة ، فكانت حياته كلها قرآنا يتحرك بين الناس ، فكان كما وصفته السيدة الطاهرة بنت الصديق رضي الله عنهما قالت عائشة لما سئلت رضي الله عنها عن خلق النبي عليه الصلاة والسلام ، قالت : " كان خلقه القرآن" صحيح مسلم.
لا حياة بلا إيمان :
إن أثار الإيمان تظهر جلية في ينبوع الأخلاق ، فهو كالشجرة الوافرة الأوراق ، فكل غصن فيها يعطي ثماره أخلاقا فاضلة ، فهي ثمار تجنى بالرعاية و من خلال وسائل التربية المتنوعة ، تؤتي أكلها أخلاقا في شتى الشعب و شعب الإيمان لها صور كثيرة في الحياة ، فالتواضع من ثمار شعب الإيمان في الحياة ، موالاة الحق و أهله شعبة من شعب الإيمان ، إماطة الأذى شعبة منه ، و رعاية اليتيم شعبة منه و كف الأذى شعبة منه ، والمر بالمعروف و النهي عن المنكر شعبة منه ، فهي شعب كثيرة لا حصر لها ، و المؤمن يحس طعها يشعر بها كما شعر بها صاحب يسين ، حين خالج الإيمان قلبه فتحرك الوجدان و اللسان ، فكانت الحركة الموجبة في الطريق الصحيح يعلنها بين قومه في ثقة و ثبات ، على رغم ايجاز القصة لكن ضمنت معاني حياة الإيمان . ﴿ إِنِّي آمَنْتُ بِرَبِّكُمْ فَاسْمَعُونِ * قِيلَ ادْخُلِ الْجَنَّةَ قَالَ يَا لَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ ﴾ من سورة يس آية: 25- 26
و من ثمار الإيمان الرضا و القناعة ، التي لا تنافي طلب الكمال في تحصيل الرزق و الأخذ بالأسباب . فالإيمان الصادق الذي يتشرب المؤمن طعمه يرفض الطبقية الموحشة التي انتجها الفلسفات الغربية أو الشرقية المنافية للفطرة السليمة ﴿ وَلَا تَتَمَنَّوْا مَا فَضَّلَ اللَّهُ بِهِ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ لِلرِّجَالِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبُوا وَلِلنِّسَاءِ نَصِيبٌ مِمَّا اكْتَسَبْنَ وَاسْأَلُوا اللَّهَ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيماً ﴾ و من ثمار الإيمان صفاء السريرة وسئل الامام أحمد:رضي الله عنه حين سئل ، بم ارتفع القوم؟ قال: " بالصدق. إنها القلوب التقية النقية التي خرجت من عالم الدنيا وشهواتها إلى عالم الآخرة وما فيها من الأهوال والنعيم والعذاب الأليم. ألم يقل الله تعالى: " يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ " الطارق:9 . - انتهى كلام الإمام - و من ثمار الإيمان الصدق في الأمور كلها و اعلاها الصدق بوعد الله تعالى للمؤمنين قال تعالى: ﴿وَاذْكُرُواْ إِذْ أَنتُمْ قَلِيلٌ مُّسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَن يَتَخَطَّفَكُمُ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُم بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُم مِّنَ الطَّيِّبَاتِ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ﴾ [الأنفال: 26]. فلا حياة بلا إيمان ، و لا إيمان بلا خلق .
الرسول يحدد معالم الطريق :
لقد ربى الرسول صلى الله عليه و سلم صحابته تربية مصاحبة ، زرع في نفوسهم الإيمان العملي ، الذي يتفاعل مع الحياة من خلال حياة يصوعها الفهم الواعي لمقتضيات الإيمان . و لقد تلمست مثالا عمليا للتدريب كان المربي الرسول صلى الله عليه و سلم ، و كان المتربي الصحابي الجليل حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنه صاحب المناقب المتفردة . يروي جوانب من التربية الإيمانية التي خصها الرسول لصحابته ففي الحديث النبوي الشريف، عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : " كُنْتُ خَلْفَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمًا فَقَالَ: " يَا غُلَامُ إِنِّي أُعَلِّمُكَ كَلِمَاتٍ احْفَظْ اللَّهَ يَحْفَظْكَ احْفَظْ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلْ اللَّهَ وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ وَاعْلَمْ أَنَّ الْأُمَّةَ لَوْ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ وَلَوْ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ رُفِعَتْ الْأَقْلَامُ وَجَفَّتْ الصُّحُفُ" رواه الترمذي وقال: حديث حسن صحيح]
هيا بنا نصلح الخلل :
إن الأمة في أمس الحاجة لطبيب يعيد للجسم العليل نضارته ، و يعيد له قوته ، فاليوم نرى الضعف نخر في كل مناحي الحياة و ان هذه المشكلات التي تعيشها الأمة مردها إلى الحقيقة المغيبة ، التي أخفتها لألفة الغافلة و الظلمة التي حالت دونها رؤية العاصمة و المخرج الآمن ، هو الاحتماء بالمول عز وجل و لا يصلح حال الأمة إلا بما صلح به أوله و صلاح الأمة الأول معروف و طريقها معلومة لا أحسب صاحب بصيرة تخفى عنه " وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ " فمهما حاولنا الاستنجاد بغير صاحب العون يعد من الأخطاء في التماس طريق النجاة " وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَىٰ لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْنًا ۚ يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئًا ۚ وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَٰلِكَ فَأُولَٰئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ (55) وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ (56) لَا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مُعْجِزِينَ فِي الْأَرْضِ ۚ وَمَأْوَاهُمُ النَّارُ ۖ وَلَبِئْسَ الْمَصِيرُ (57) " من سورة النور
وسوم: العدد 664