هل نعيش تغييرا؟
التغيير هو أفقُ الحركات المجتمعية. وهو مسلسل قد يطول بالرغم من الاستعجال الذي يسيطر على الراغبين فيه. إن الدوافع التي يفرزها الواقع، والاحتقان الذي قد يصيب المجتمعات لسبب أو لآخر كل ذلك غير كافي لوحده لتسريع وتيرة التغيير المنشود. إذا أضفنا إلى هذا ما يكون قد اعترى أفراد المجتمع من تطبيع مع طبيعة الحياة الاجتماعية والسياسية، كما تم إرساؤها، بشكل قسري في الغالب، فإننا سنكون أمام حالة من التعقيد تحتاج إلى وقت لتفكيكها والانتقال إلى مرحلة جديدة.
لذلك، ثمة إشكال في تفكيرنا في ما يخص تحديد الهدف. هل التغيير هو الهدف النهائي أم أنه مجرد مرحلة انتقالية أو طريق إلى هدف أكبر هو نمط حياة جديد شامل عناصره متكاملة؟ إن التغيير هو وليد صراعٍ عنيف أحيانا، خاصة في مجتمعات لم تستقر بعد وتعيش انتقالا متواصلا، ولا يمكن والحالة هذه أن يتم الارتكان فقط إلى تغيير أو تطوير الإطار المنظم لسير الحياة، مثل الدساتير والقوانين وما يرتبط بها.
إنه إذا نظرنا إلى مآل الربيع العربي، وما حمله من تغيير على مستوى هرم السلطة في بعض الدول، وعلى مستوى الدساتير والقوانين وعلى مستوى هوامش الحرية المتاحة في دول أخرى، فإننا سنجد للتحفظ الذي بات يتحدث به الكثيرون بشأن ما إذا كان الأمر يتعلق بربيع أو بشيء آخر ما يبرره. لقد أنتج الربيع العربي أزمة اجتماعية وسياسية واقتصادية مضاعفة، أتت على الأمل في تغيير حقيقي لواقع الشعوب في المنطقة. ودون التقليل من شأن الارتجاج الذي حدثَ منذ أواخر 2010، فإنه عدا بعض المكاسب في دول معينة يبقى ما صارت إليه الأمور في أخرى كارثيا بل يهدد المنطقة بكاملها.
بقليل من التعسف، يبدو التغيير الذي حدث شبيها بتغيير بذلة قديمة أو سيارة متهالكة، لأنه لم يكن مرفوقا بتغيير في العقلية التي تدبر الأمور، سواء على مستوى النخبة السياسية أم الاقتصادية أم الثقافية. إن الأمر لا يتعلق بأشخاص بقدر ما يتعلق بعقلية غير قادرة على مواكبة المياه الجارية في العالم. لقد فتحت شبكات التواصل الاجتماعي الأعين التي لم تكن تبصر أبعد من خط مرسوم، كاشفة عن تناقض بين الخطاب والواقع على الأرض، بين ما كان يبدو حقيقة مطلقة وما هو واقع حقيقة عند شعوب أخرى، لكن ذلك لم ينعكس إلا في حدود دنيا على النخب المذكورة.
على هذا النحو، لا تزال الطبقة السياسية حبيسة نوع من الخطاب ليس بإمكانه الإجابة في المجمل على أسئلة الحاضر الراغب بإلحاح في تغيير حقيقي يجسد الآمال التي حملها الربيع العربي قبل أن تتعرض للإجهاض. أما النخبة الثقافية فقد تاهتْ في الخضم كله بعد أن بدا في لحظات معينة أن الحراك قد تجاوزها، هي الأخرى، خاصة أن جزءا من مكوناتها تعامل معه بالكثير من الحذر و"ضبط النفس". في المقابل تسعى الطبقة الاقتصادية من جانبها إلى ترميم ذاتها التي تصدعت غاية التصدع بفعل الأزمة التي صدرتها إلى المنطقة الهزات التي شهدتها اقتصادات العالم المتقدم، وإن جرى التستر أحيانا عن تداعياتها.
إن تغييرا لا يصاحبُه تحول في الخطاب والممارسة السياسيين، وفي طريقة تجديد وإنتاج النخب في مجالات السياسة والاقتصاد والعمل المدني، وفي تحديد دور المثقف في قيادة المجتمع نحو المستقبل، سيظل بالرغم مما يمكن أن يحيط به من مظاهر أو ما يمكن أن يترتب عليه من أحلام وآمال، تغييرا في الإطار المحيط باللوحة بينما اللوحة مجرد طبيعة ميتة !
وسوم: العدد 664