لا نستغرب تدني مرتبة المغرب في مجال حرية الصحافة ما دامت المنابر الإعلامية نفسها تصادر حرية التعبير

تناولت مؤخرا  جل المنابر الإعلامية  غير الرسمية  وتحديدا الرقمية عندنا  موضوع رتبة  المغرب في مجال حرية الصحافة التي تدنت كثيرا حسب هذه المنابر نقلا عن مصدر ما . وبالرغم من أن هذا الخبر لا يمكن فصله عن دائرة الصراع السياسي القائم بين الأحزاب قبيل الاستحقاقات الانتخابية المقبلة ، حيث تبخس الأحزاب المعارضة ما تنجزه أحزاب الحكومة ، ولا تتدخر جهدا في التماس العيوب لها، فإن تدني رتبة حرية الصحافة وبعيدا عن جو الصراع الحزبي كانت ولا زالت متدنية وإن زادت نسبة الحرية عما كانت في العهد السابق المعروف بزمن الرصاص . ولا نستغرب التضييق على حرية الصحافة في بلادنا وقد ألفنا ذلك وتعودنا عليه ،وصار جزءا من ثقافتنا بل ألفنا أن حرية التعبير تصير خطا أحمر كما يقال عندما يتعلق الأمر بالنقد ، وقد تنسب التهم الخطيرة  لمن يمارس حرية التعبير وفق الأعراف الدولية  . والذي نستغربه هو مصادرة  المنابر الإعلامية عندنا حرية التعبير مع أنها تشكو من مصادرة الدولة حريتها . وقد يسأل سائل كيف تصادر المنابر الإعلامية حرية التعبير وهي المنابر التي ترفع شعار الدفاع عن هذه الحرية ؟ وبيان ذلك كالتالي :

انطلاقا من تجربة الكتابة التي أمارسها منذ أكثر من عقد من السنين ،ولا أزعم أنني كاتب أو صحفي كما يفعل غيري ممن لا يبلغ حجم كتاباته ما كتبت  خلال هذه المدة ،مررت بتجارب مصادرة حريتي في التعبير من طرف منابر إعلامية وطنية ومحلية . أما تجربتي مع منبر يوصف بأنه وطني فقد بدأت بدعوة من صاحبه لي لنشر مقالاتي التي كان يتابعها على مواقع أخرى ، وبالفعل بدأت أوافيه بمقالين أسبوعيا ينشرها في عمود من أعمدة موقعه  . وظل ينشر مقالا تي حتى حدث أن دخلت في سجال مع أحد العلمانيين المحسوبين على فن التمثيل ،ففوجئت بصاحب الموقع يتصل بي  على عنواني الإلكتروني كما فعل أول مرة حين خطب ودي لبلغني أنه سيتوقف عن نشر مقالاتي ، ففهمت للتو أن مقالاتي لا توافق هواه، ولا تساير توجهه الفكري  ، وكان قراره بالتوقف عن نشر مقالاتي مصادرة صارخة لحرية التعبير من طرف منبر يرفع شعار حرية التعبير ، ويدعي الدفاع عنها بل يجعله صاحبه على رأس المنابر الإعلامية المدافعة عن هذه الحرية . أما تجربتي مع المنابر المحلية، فأغرب من تجربتي مع المنبر الوطني حيث تهافتت ثلاثة منابر على نشر ما كنت أكتب بل وقع بين اثنين منها صراع وتنافس مع أنني كنت أوافيها كلها بما أكتب في نفس اللحظة دون تمييز . وبلغ التنافس بين الموقعين على استقطابي حد تمكين أحدهما لي من كلمة سر ألج بها الموقع مباشرة  متى شئت ، وكان هذا الموقع سباقا لنشر ما أكتب قبل غيره  بسبب ذلك . وظل الأمر كذلك حتى جاء اليوم الذي انتقدت في  أحد موظف وزارة التربية الوطنية اتهم بالعبث بالمال العام وتحديدا بمال المبادرة الملكية مليون محفظة ، وهو موظف تربطه علاقة قرابة مع صاحب الموقع الذي كان سباقا لنشر مقالاتي، فداس على حرية التعبير، وشطب لأول مرة عبارات من مقالي بذريعة أنها تمس بالموظف المعنى، فاندلع بيني وبينه خلاف بسبب ذلك  أفضى في النهاية إلى قطيعة بيننا  ، واغتنم صاحب الموقع الفرصة للنيل مني  لكوني عبت عليه تغليبه القرابة على المهنية  ففتح موقعه لفئة من موظفي وزارة التربية الوطنية كنت قد انتقدت طريقتهم في العمل دفاعا عن المصلحة العامة . ولقد وجدتني مضطرا لنشر ردودي على المقالات التي كانت تنال مني على الموقعين الآخرين ، أما أحدهما فقد شطب مقالي في صاحب الموقع مباشرة بعد نشره تأييدا له وفق عقيدة:

وأعرضت بدوري عن هذا الموقع الذي لم يتردد لاحقا من نشر مقال مسيء إلي مع شطب عبارات من ردي عليه مع اعتذار عن عدم استعداده لنشر مقالاتي  مع أنه  كان  من قبل يلهث وراءها . وأما الموقع الثاني فقد ظل ينشر مقالاتي، ويمتدح قلمي، ويصفه بالذهبي حتى حدث أن رفع أحدهم دعوة أمام القضاء ضدي بسبب مقال تناولت فيه قضية التعسف ضد أحد رجال التعليم ، وضد صاحب الموقع الذي خانته شجاعته الصحفية، فأخذ بعد ذلك يتذرع بعدم قدرته على نشر بعض ما أكتب مخافة أن يقاضى مرة أخرى . والأغرب من ذلك أنه أبلغني بأن أصحاب مواقع أخرى ينتقدونه بسبب نشر مقالاتي، بل صرح بأن أحدهم هدده بالاعتداء عليه إن هو نشر ردودي على ما كان ينشر على موقعه . وكان آخر ما حدث بيني وبين صاحب الموقع الذي ظل ينشر مقالاتي على مضض أني انتقدت فئة من رجال التعليم يستغلون مناصبهم للارتزاق في مؤسسات التعليم الخصوصي، فامتنع عن نشر مقالي بذيعة أن هذه الفئة ستقاضيه ،والحقيقة أنه كان ينتظر الفرصة السانحة للتخلص من مقالاتي التي ضاق بها ذرعا خوفا من أصحاب مواقع أخرى يحاولون فرض وصايتهم على الحقل الإعلامي ،علما بأن تعاطيهم للعمل الإعلامي إنما هو غطاء للتغطية على الارتزاق عن طريق نشر الإعلانات الإشهارية  والتهافت عليها ، كما أنه وسيلة للتودد لأصحاب السلطة خوفا منهم  أو طمعا في امتيازات . فهذا الذي حدث بيني وبين هذه المنابر الإعلامية المحلية صورة واقعية لمصادرة هذه المنابر لحرية التعبير التي ينتقد المغرب بسبب تقهقر رتبته فيها دوليا . فحين تتعلم المنابر المحسوبة على الإعلام احترام حرية التعبير، فإن الجهة التي تحرمها حرية التعبير ستراجع نفسها   وحينئذ ستتقدم رتبة المغرب في مجال حرية الصحافة.   

وسوم: العدد 665