فرصة... تصفية نهائية!
شبّه بعض المراقبين حالة مصر الآن تحت حكم أسوأ جيل من أجيال العسكرية المصرية بحالة دولة الخلافة الإسلامية في أوائل القرن العشرين، كانت الدولة العثمانية في أواخر أيامها تحتضر، إنها الرجل المريض، والعالم كله يعلم أنه مرض الموت، والعالم كله يتعارك من أجل اقتسام تركة هذا الرجل جهارا نهارا، بلا أدنى خجل.
كان أمرا مهينا لدولة الخلافة أن يحدث ذلك، فإنجلترا وفرنسا وإيطاليا وقوى الاستعمار تعقد الصفقات سرا وعلنا (سايكس بيكو) وغيرها، وتقسم المناطق الخاضعة لنفوذ الدولة بلا خوف من عواقب.
بل بلغت درجة المهانة بأن منحت بعض الأراضي الخاضعة للدولة العثمانية كهبة لفئة أو طائفة، كما حدث في وعد بلفور، فمنحت إنجلترا فلسطين لليهود قبل أن تحتلها أصلا.
***
حالة مصر الآن أسوأ من ذلك بكثير، وهي في وضع أشد مهانة وإهانة من الوضع الذي مرت به الدولة العثمانية في أواخر أيامها.
مصر اليوم تحت حكم أراذل العساكر تشبه متجرا في حالة (تصفية نهائية)، تاجر في حالة إفلاس، وهو يحاول تصفية أعماله كلها، وأن يسيل بضاعة المحل كلها، فيبيع بأبخس الأسعار، تراه يبيع البضاعة ويبيع حتى ديكور المحل، بل هو على استعداد لبيع المحل نفسه.
المشتري يعلم جيدا أن بإمكانه أن يأخذ البضاعة بعشر ثمنها أو أقل، وأن يشتري قطعة ويحصل على قطعة أو قطعتين مجانا، أو أن يشترط على البائع سائر الشروط المجحفة التي تخطر على البال، فالبائع غير أمين أيضا.
***
رئيس الدولة اليوم أحمق من نوع خاص، فهو عميل لا يخفي عمالته، عميل صفيق، وصفاقته أنه يبيع كل شيء بطريقة (تصفية نهائية) في الصباح، ثم تراه في المساء يتهم سائر من يقاومونه بالعمالة والخيانة!
إنه خائن لم ير التاريخ له مثيلا في العالم كله، فلا يوجد في التاريخ من وصل لأعلى منصب في الدولة في أي مكان، ثم مارس الخيانة بتلك الصفاقة وبهذا الوجه المكشوف.
مصر لديها كنوز، والعالم كله يعلم أن رأس الدولة على استعداد للتفريط في أي شيء وكل شيء لكي يظهر في لقطة تثبت أن المشتري يعترف به حاكما شرعيا، ومن هذا المنطلق تكالبت علينا سائر الأمم، وانقض علينا القريب والغريب، فكل من له مطمع من أي نوع بإمكانه أن يأخذه اليوم، فلدينا رئيس يعلم أن ساعته قد اقتربت، وأن رحيله حتمي، وأرصدته تحتاج المزيد والمزيد لكي يضمن تقاعدا مريحا في جزيرة ما!
***
ما المشكلة في أن يفلس التاجر؟
لا مشكلة... ولكن في الحالة المصرية هناك مشكلة، وهي أن هذا البائع يبيع ما لا يملك!
إن الشعب المصري بكافة تكويناته قد اتخذ قرار خلع "سيسي" ومن معه، ولكن تفرق الصف الثوري الآن يهدد قدرة هذا الشعب على تنفيذ ذلك.
الصواب... أن يخلع "سيسي" ومجلسه العسكري، مع تطهير كامل لمؤسسات الأمن كلها.
ولكن هل يملك الحراك على الأرض القدرة على تحقيق ذلك؟
سنرى!
إن عدم تحقق الاصطفاف الذي نادى به عقلاء هذا الوطن منذ سنوات، وسخر منه وعطله كثير من المتسرعين، وبعض المندسين في الصف الثوري، سيحجم قدرة هذا الحراك على الإنجاز.
ماذا استفدنا من تعطيل الاصطفاف؟
لو أننا نملك مجموعة يمكن أن تقود هذا الحراك في الداخل والخارج؟
لو أننا نملك أي رؤية لما بعد إسقاط هذا العلج؟
يبدو أننا سنكون رد فعل كالعادة!
***
في هذه الأجواء... نرى صفحة على موقع فيس بوك تُدعى "جبهة ضباط مصر"، تطالب المصريين بالنزول إلى الميادين لكي يفوضوا جيشهم العظيم خير أجناد الأرض بإدارة شؤون البلاد!!!
والله العظيم قالوها... هل تصدق؟
لقد فهم الشعب "الفولة"، فالقوات المسلحة انتزعت التفويض بقوة السلاح، وها هي تدير شؤون البلاد منذ أكثر من ستة عقود حتى بيعت مصر قطعة قطعة في (تصفية نهائية) بأبخس الأسعار لألد الأعداء!
***
في هذه الأجواء... يخرج علينا الفريق أول صدقي صبحي وزير الدفاع والإنتاج الحربى القائد العام للقوات المسلحة في نظام الانقلاب في كلمته خلال الندوة التثقيفية الثانية والعشرين التي نظمتها القوات المسلحة بمناسبة الذكرى الـ34 لتحرير سيناء، ليقول لنا وبراءة الأطفال في عينيه: (إننى أدعو المصريين جميعاً للإلتقاء على كلمة سواء تعلى مصالح الوطن فوق المصالح الذاتية وفوق كل إعتبار لكى نمضى معاً بجهد مخلص وصادق نعلى مكانة مصر ونصون عزتها ونحفظ كرامتها ونضحى من أجلها بكل غال ونفيس نباهى بها وطناً أمناً عريقاً مستقراً يسعى شعبة إلى بناء المستقبل الأفضل للأبناء والأحفاد بإرادة حرة لاتعرف الإملاءات أو المغريات وتفرق بين الحق والباطل والغث والثمين وتؤكد أن الشعب هو السيد والقائد والمعلم).
أولا: تعمدت أن أترك الأخطاء الإملائية كما كتبتها جريدة الأهرام!
ثانيا: اللي اختشوا ماتوا!
ثالثا: لن نتسول انقلابا عسكريا جديدا، ولن نغض الطرف عن دماء الأمس كي ننعم بالأمن اليوم، لأن تلك أسهل وصفة لمزيد من الدماء غدا!
رابعا: سيلتقي المصريون على كلمة سواء، وسيعلون مصالح الوطن، وسيأخذون على يد الظالم، وستطير رقاب كثيرة (بالقصاص العادل لا الانتقام الأهوج)، لكي يستعيد المصريون ثقتهم في دولتهم!
خامسا: إن المصريين حين ينزلون إلى الشوارع والميادين في يوم الإثنين القادم 25 إبريل 2016 لن يكون ذلك من أجل موضوع جزيرتي "تيران" و"صنافير"، بل الأمر أكبر من ذلك، فبيع هاتين الجزيرتين عَرَضٌ لمَرَضٍ، إنها صفقة ضمن (تصفية نهائية) بيعت فيها جميع ثروات ومقدرات الأمة المصرية لمائة عام قادمة، إنها أصغر الصفقات مقارنة بما تم في ملف مياه النيل مثلا، والمصريون سيقولون إننا لم نوكل أحدا في بيع أي شيء، وليس في بيع الجزيرتين فقط، وسوف نحاسب هؤلاء الخونة الذين ارتكبوا تلك الجريمة، ولن نتحدث في أي موضوع من المواضيع التي تفرقنا إلا بعد أن ننجز ذلك.
***
خلاصة القول... مصر وثرواتها وإرادتها معروضة في سوق النخاسة، يبيعها مجموعة من الخونة مع رفع لافتة كتب عليها (تصفية نهائية)!
فهل سيتحرك أبناؤها الشرفاء؟
لقد شاءت الأقدار أن يتحرك المصريون في عام 2011 لكي يخلصوا الدولة والأمة المصرية والأمة العربية من الظلم في عيد الشرطة.
ويبدو أن الله قد كتب لهذه الأمة أن تتحرك لتنقذ نفسها مرة أخرى في عيد تحرير سيناء... فهل تتكرر المعجزة؟!
عاشت مصر للمصريين وبالمصريين...
وسوم: العدد 665