عندما قالت «ملدوغة»: أنا لا أتعامل مع «الجزيرة» !

كأن عقربا يتيماً لدغها، فقد «رقعت بالصوت» وهي تقول: «أنا لا أتعامل مع الجزيرة»، حتى ظننت لهذه الصرخة المدوية أن جلساءها اهتموا بالبحث تحت أقدامهم عن هذا العقرب اليتيم الذي فعل فعلته فأنتج هذه الصرخة المدوية، فالأمر لا يستدعي كل هذا، فقد كان بإمكانها أن ترفض أو تعتذر بهدوء، الأمر الذي عزز لدى من سمعوا صرختها المدوية الشعور بأنها وهي تتلقى المكالمة الهاتفية زرع فيها العقرب يتيم الأبوين سنه الحاد فسمم جسدها!

لم تكن «الجزيرة» ترابط لها على عتبة بيتها بميكروفونها وأن حامل الميكروفون يسألها كلما رآها «أين ترعرعت سيدتي»؟ فهي ليست من ضيوف «الجزيرة» في يوم من الأيام، وكان الموضوع الأهم لأن تدعى له فلم تهتم به «الجزيرة» عندما اصطحبت وفداً صحافياً، لكي تتجاوز قرار حظر التطبيع مع إسرائيل، وهو القرار الذي أصدرته الجمعية العمومية لنقابة الصحافيين المصريين، وأثبتت الأيام أن هذا الاختراق كان ضمن مخطط بدأ بزيارة مفتي العسكر «علي جمعة» للأرض المحتلة، ثم تبعه البابا تواضروس، الذي قال إنه سافر للعزاء، وأن قرار المجمع المقدس في أيام البابا شنودة بمنع الحج للمسيحيين لا يزال سارياً، ثم نقرأ في الصحف أن مسيحيين ذهبوا للحج هذه الأيام، دون إدانة من الكنيسة، كتلك التي صدرت في إحدى السنوات في زمن البابا شنودة، والذي اتخذ ضد المسافرين قراراً كنسيا صارماً.

لا أظن أن من صرخت كأنها «ملدوغة» معروفة، حد أن تصبح مطاردة من «الجزيرة»، أو حتى قناة الأطفال، وإزاء هذه المطاردة وعندما وجدت زميلا من «الجزيرة مباشر» يطلب منها معلومة عن الصحافيين المعتقلين في يوم 25 أبريل/نيسان، صاحت في البرية، وهي تقول لا أتعامل مع «الجزيرة»!

دعك من «الملدوغة» فهي شخصية استعراضية، وقد أرادت أن تضرب عصفورين بحجر؛ فتوحي لمن حولها أن قناة بحجم «الجزيرة» تطلب منها مشاركة تلفزيونية، وأنها لأمر مرتبط بوطنيتها المتأججة تحت ضلوعها رفضت ذلك، وهي وطنية لم تمنع «نساء السيسي»، اللواتي استعانت بهن قوات الأمن في هذا اليوم، من أن يتحرشن بها ويتطاولن عليها، لأنهن وجدوها في شارع «عبد الخالق ثروت»، في يوم أغلقت فيه قوات الأمن القاهرة الكبرى، ولم تسمح إلا لأتباع السيسي ليقدموا عرضاً راقصاً مبتذلاً، على نحو احترنا في فهم دوافعه، فقد جرى العرف على أن من يخرج ليؤيد زعيما سياسياً، فإنه يهتف باسمه، أو بمطالبه، كمطلب «لا تتنحى» وهو هتاف المظاهرات التي خرجت تطلب من «جمال عبد الناصر» أن يتراجع عن قراره بالاستقالة التي أعلنها في خطاب مؤثر بعد هزيمة 1967، أو هتاف «يا جمال يا حبيب الملايين» وهي تودعه لمثواه الأخير!

فرقة رضا

فلا أول مرة نشاهد مسؤولاً يكون تأييده بالرقص، من الرجال والنساء، وكأنه مؤسس «فرقة رضا للفنون الاستعراضية»، وفي حضور رفع علم دولة أخرى، هي السعودية، ومثل هذا الحضور البائس فضيحة تغنى بها الركبان، ومع ذلك فقد تم الاحتفاء به في برامج «التوك شو»، للتأكيد على شعبية السيسي الجارفة، التي عبر عنها عدد لا يتجاوز المئة شخص، تم توزيعهم على أكثر من مكان، مع أن قنوات الثورة نقلت هذه المشاهد بغرض الإساءة والتشهير بالانقلاب العسكري، الذي فقد مؤيديه فلم يعد له إلا هؤلاء البؤساء من الشبيحة، وقد اعتدوا على من عداهم بفحش القول، وكذلك فعلوا مع من هتفت قبل قليل: «أنا لا أتعامل مع الجزيرة»، يبدو أنها كانت تنتظر وساماً من السيسي بعد هذا الموقف الوطني الجسور!

اللافت أن البعض لا يزال إلى الآن يرى أن وطنيته لا تكتمل، إلا إذا أذاع في البرية ولو بالتأليف أن «الجزيرة» طلبته للظهور وأنه رفض، وهو أمر وإن كان طبيعياً في بداية الانقلاب العسكري، وبداية الحب العذري لقائده، فلا مبرر له الآن بعد أن ثبت أن الوطنية تدفع للوقوف في مواجهة هذا الرجل، الذي فرط في السيادة الوطنية بالتنازل عن جزيرتين لصالح السعودية، وصار في عهده رفع العلم المصري دليل إدانة، ينبغي لحامله أن يخفيه إذا وجد أمامه «كمين شرطة»، وأصبح الأمان في عهده في رفع علم المملكة. 

ولم يتوقف التفريط عند التنازل عن تراب الوطن، وإنما رأينا كيف أنه منح الشرعية لبناء سد النهضة بدون أي ضمانات، وتنازل عن حصة مصر التاريخية من مياه نهر النيل، على نحو لم يقدم عليه أي حاكم في تاريخ مصر، بما في ذلك عهد الاستعمار الأجنبي، وقد حافظ حكام غير مصريين على هذه الحصة وقادوا الجيوش لتأديب كل من فكر في العدوان على هذا الحق.

في البداية، وعندما كان السيسي قاهر التتار، ومعذب الإخوان، وحامي الدولة، ومرعب إسرائيل، والمسيح، والنبي المرسل، وأيزنهاور، كان هناك مبرر لمقاطعة «الجزيرة»، لأن شاشتها وإن نقلت الآراء المؤيدة للسيسي، فقد نقلت أيضاً الآراء الكاشفة عن الحقيقة المرة التي لم يتوصل إليها من هم نساؤهم حبلى بنجمه!

زهران المؤيد للأبد

في لقاء تلفزيوني في إحدى الفضائيات المصرية الخاصة، شارك فيه زميلنا «سليمان الحكيم»، المؤيد السابق للسيسي، و«جمال زهران» المؤيد للأبد، وعقب عودة الأول من الدوحة بعد أن شارك في مواجهة خصوم «الزعيم الأوحد»، انتهى الحوار إلى ما يشبه «الاتجاه المعاكس»، فزهران، وهو بالمناسبة أستاذ للعلوم السياسية، يرى أن الظهور على شبكة الجزيرة خيانة وطنية، وإن كانت للدفاع عن نظام السيسي، وذكر رواية غير صحيحة عن أنه دعي للمشاركة بسبعة آلاف دولار في الساعة، ولكن وطنيته تحركت في أحشائه، فرفض أن يبيع مصر، وكأنه استدعي لشغل وظيفة جاسوس في الموساد! وقد انتظر ثمن وطنيته من نظام السيسي، فلم يتم ترشيحه للانتخابات البرلمانية على قائمة «في حب مصر»، التي رعاها نجل عبد الفتاح السيسي بنفسه، في وقت راعت دولة السيسي نجاح من ينتمون لدولة مبارك، وما حدث معه حدث مع واحدة طالما هتفت بسقوط حكم العسكر، لكنها لم تر في السيسي أنه ينتمي لهذه الدولة، ربما ظنت أنه «مفكر» و«باحث» في علوم ما وراء البحار، فعلقت صورته كتميمة، وأعلنت أن «الجزيرة» دعتها للسفر وقالت لها «هيت لك»، فردت بإباء وشمم: «معاذ الله»!

هناك من هم مدينون لـ «الجزيرة» بنجوميتهم في عهد مبارك، فقد صنعت لهم وجوداً في مصر وحضوراً سياسياً وإعلاميا، لم يكونوا بالغيه، لولا أنهم وجدوا من يجعلهم ضيوفا مكررين، وفاء لعلاقات قديمة، وفي وقت كانت مصر تبدو فيه عشرة أشخاص فقط، لكن هؤلاء الأشخاص تنكروا لكل هذا، ورفضوا الظهور على شاشتها بعد الانقلاب العسكري، مع أنهم يظهرون على شاشة «الحرة» الأمريكية، التي تم إطلاقها لتبيض الوجه الأمريكي في المنطقة بعد احتلال العراق!

لقد كانوا يبالغون بهذه المقاطعة، في إظهار الولاء للنظام الجديد، بحثاً عن موقع فيه ليتوجوا مرحلة نجوميتهم بالعمل في البلاط، وكانت القنوات المصرية تكفي لسد رغباتهم المتوحشة في الظهور الإعلامي؛ إذ كانوا ينتقلون من قناة إلى أخرى طوال الليل، لدرجة أن المرء يعجب كيف يمكن لهم الذهاب لأعمالهم في الصباح، وهم بعد ساعات نوم قليلة يكونون مدعوين للبرامج الصباحية، سواء في التلفزيون المصري أو القنوات الخاصة، وما تيسر من القنوات الخارجية ومن «فرانس 24»، إلى «الحرة»، إلى «العربية». وكيف يجد مدرس للعلوم السياسية يعمل ضيفاً ومقدم برامج وقتاً لتحضير موضوع محاضرته التي سيلقيها على طلابه؟!

الآن اختلف الوضع، فالأجهزة الأمنية المسيطرة على هذه البرامج كانت تريد من لهم علاقة بثورة يناير «لمسافة السكة» فلما قضت منهم وطراً، لم تجد غضاضة الآن في إعلان انحيازها لدولة مبارك، وانتهى دور هؤلاء، ويجري تغييبهم عن الشاشة وتحولت البرامج إلى ثكنات عسكرية أو أقسام شرطة؛ فالضيوف من اللواءات كمحللين أمنيين واستراتيجيين، وقد يتم استضافة أحدهم على مضض، ليجد نفسه في مقابلة ضابط بوليس، يعامله على أنه متهم جرى اقتياده للمخفر!

«المقلب»

لقد خرج هؤلاء من «مولد» السيسي بلا حمص، وجاءت سياسياته لتؤكد للجميع، بمن فيهم الذين كانوا غطاء مدنيا لانقلابه العسكري، أنهم ارتكبوا جريمة في حق مصر، وكان موضوع الجزر كاشفاً، للمقلب الذي شربوه، فالتنازل عن الجزر ليس أقل جرما من توقيعه بدون قيد أو شرط على بناء سد النهضة!

ولا يغيب عنا أن البعض لا يريد أن يدخل معركة بلا عودة بإعلان موقفه المعارض عبر «الجزيرة»، فهناك من يريدون ترك الباب موارباً مع الانقلاب، فاتهم أن العسكر لا يأمنون لمن عارضهم ولو بشطر كلمة. قُضى الأمر.

صحافي من مصر

وسوم: العدد 666