نكبة فلسطين تتجدد في ذكراها الثامنة والستين

تطل علينا في هذه الأيام ذكرى أليمة على نفوسنا، وهي ذكرى نكبة فلسطين، تلك النكبة التي وزعت أهوالها ومآسيها على الجميع، وساوت بين الجميع، وسوّتهم بالأرض، فلم يعرف الشعب العربي الفلسطيني بعد وقوعها إلا الحزن الذي لعب دور البطولة، منذ بدايتها وحتى يومنا هذا, والذي نشاهده ونحياه، من ظروف بائسة، وأحاسيس موجعة، وهواجس مقلقة، نصارع أهوال الدنيا، ونتصدى لقسوتها، ونقاتل بعناد وصبر ظروفها القاسية. كلها أحداث تهز القيم والتقاليد هزاً عنيفاً، وتشكل في حد ذاتها فصلاً من فصول البؤس، وما زال النص الدرامي الحزين يتدفق كالنهر، لا أحد يعلم متى سينقطع دابر هذه الحكاية، ويخمد أوارها.

ودخلت فلسطين دوَّامة الصراعات، ولم تعد بإمكانها أن تتراجع، ودخلت عالم الانقسام، وأصبح الانقسام صنو التحيات والأمنيات الطيبة لمن كان يحلم بعالم آخر في وقت خيلت لنا فيه الأوهام أننا نمتلك عبقرية فذة، ألا وهي الفشل! لقد فشلنا في أن تتعلم من التاريخ الزاخر بالمواعظ والعبر عن الزمن الضائع بالخبث والمؤامرات الدولية حين وقعنا في حبائل الاستعمار البريطاني الاحلالي، ومن بعده في شباك الاحتلال الإسرائيلي؛ وكأن أحداً لم يتعلم الدرس!

ورأينا الحقيقة المرة التي لا تمارى تقول بإيجاز: ما دام الفلسطينيون تفرقهم أهواء عديدة، وينقسمون شيعاً، لكل شيعة خطتها وأهدافها التي يختصمون عليها، فلا بأس من أن تضرب سلطات الاحتلال بعضهم ببعض، لتملك وتستبد ما شاء لها الاستبداد، وشعبنا يتجرع كؤوس المرارة، والقضية تراوح مكانها، وتنتظر مَن يزيح الغبار عنها، حتى تاهت في أروقة الأمم المتحدة والجامعة العربية ومنظمات حقوق الإنسان، وأصبحت صفحات مبعثرة هنا وهناك، وراحت تعيش بين هذه الصفحات المنسية التي نعاها الزمان وبكاها بدموع حارة. حتى صارت قضيتنا كسفينة، ضلت سبيلها، لا تعرف مكانها، ولا تعرف خريطتها التي محيت من قاموس السياسة العالمية، ولا أحد استطاع أن يحجب الرياح الشديدة عنها، وأخيراً تاهت وسط الأمواج المتلاطمة إلى أن اصطدمت بصخرة عاتية؛ فغرقنا في بحر من العرق والدم والدموع، وفي خضم ذلك، كنا نعتقد أننا نرى شيئاً يلوح في الأفق؛ فرأينا أننا لم نكن نرى شيئاً على الإطلاق، وأصبحنا كالأيتام على موائد اللئام، وهذا قدرنا وقدر شعبنا أن يبقى صاحب قضية لا صاحب وطن، ومَن كان يدري أننا سنصبح ذات يوم مجرد قضية دولية ملفاتها مهملة على رفوف مكتبات الأمم المنسية، عفواً، لا بدَّ من توضيح بسيط، فالقضية الفلسطينية التي كانت قضية العرب الأولى ومعهم أحرار العالم لم تعد سوى قضية ثانوية في العالم، قضية منسية، مهملة، لن يتذكرها أحد إلا حين يفتحون الصفحات المنسية، أو الكتب المرمية على الرفوف!.

ورغم ذلك ها نحن نكتب بلا تردد، لنسجل تكرار مأساة شعب فلسطين، وما خلفوه وراءهم عند اقتلاعهم من مدنهم وقراهم، والأمل يراودهم بالعودة، لا يعرفون اليأس ولا القنوط مهما تكررت العثرات، وتوالت العقبات، وذلك لإيمانهم بالممكن بكل معانيه وأبعاده، والتصدي للأكذوبة القائلة (أرض بلا شعب)، ولنؤكد على عدالة قضية شعبنا وهويته العربية، وتراثه المادي أو المعنوي، وكلنا ثقة بأن الشعب الفلسطيني الذي صمد طوال ألوف السنين، برغم جميع المآسي والكوارث والحروب والاحتلالات، لن يُقضى عليه؛ بل سيعود إلى أرضه مهما تلبد الأفق بالغيوم، وطال الدرب، وتأخر زمن القطاف، كما عاد بعد كل محنة مرت به!!.

وسوم: العدد 668