الفلسطينيون في ذكرى نكبتهم: من تحرير فلسطين إلى إدارة الانقسام

نكبة فلسطين تحمل في طياتها مآسي شعب يُناضل خلال 68 عاماً من تحرير فلسطين إلى إدارة ملف الانقسام الداخلي وما تحملها من أوضاع صعبة حلّت بالشعب الفلسطيني أينما كان ومازالت أثارها قائمة.

نكبة فلسطين تسرد حكاية شعب هُجر قسراً من أرضه عام 1948 تحت وقع المجازر والإرهاب الإسرائيلي المتواصل وبدعم وإسناد دول الاستعمار القديم الممثل ببريطانيا وفرنسا، وأمام مشهد وأكذوبة دولية تُدعى المجتمع الدولي وحلّ محله كيان آخر ودولة تُدعى (إسرائيل) تتباهى "بديمقراطيتها" في زمن ثورات ما يُسمى "بالربيع العربي" فيما تنسب حضارة وثقافة الفلسطينيين أصحاب الأرض إليها ويبقى العالم متفرجاً لتسويق تلك المسرحية الهزلية التي شاخت واقترب عمرها من السبعة عقود.

نكبة فلسطين بقي من عناوينها مخيمات اللجوء والتشرد في قطاع غزة والضفة الفلسطينية وما تبقى من دول الجوار الشاهد الحي، ومؤسسة (الأونروا) رغم محاولات القضاء عليها تارة بالأزمة المالية الخانقة وتارة أخرى بإتباع أساليب منها استمرار التقليص التدريجي لخدماتها على طريق إنهاء عملها إلى الأبد باعتبارها الشاهد الثاني على النكبة رغم محاولة البعض تحويل اللاجئ من صاحب حق وقضية إلى متسول يلهث وراء مساعدات إنسانية هنا وهناك إضافة إلى الشاهد الثالث وهو القرار الأممي 194، رغم المحاولات الفلسطينية والعربية والدولية لعرقلة تطبيق هذا القرار الذي يضمن عودة اللاجئين إلى ديارهم واستبداله باتفاقات ومبادرات جديدة منها الاعتراف بيهودية الدولة وتبادل الأراضي ومحاولة التهرب من تطبيق قرارات الشرعية الدولية إضافة إلى استمرار فريق السلطة الفلسطينية الرهان على العودة للمفاوضات بشروطها السابقة والانتقاص من حقوق اللاجئين بالعودة إلى الديار.

فالحلول البديلة لحق العودة للاجئين الفلسطينيين وإنهاء حُقبة من الصراع الفلسطيني ـــــ الإسرائيلي الأطول والأعنف في التنكر لحقوق شعبنا وسلب خيراته، كما وضعتها بعض الأطراف المعنية في محطات مختلفة ومتباينة خلال العملية السياسية بتجاهلها لقضية اللاجئين والتعامل معها كأنها قضية قد حُلت بمنح اللاجئين الجنسية الفلسطينية وحق المواطنة في الدولة الفلسطينية، كما وتتجاهل مصير ما يُقارب النصف مليون لاجئ داخل دولة (إسرائيل) مازالوا مشردين خارج ديارهم وممتلكاتهم ومازالوا يُناضلون للعودة إليها والتي تعتبرها (إسرائيل) مسألة إسرائيلية داخلية فيما يعتبرها أصحابها بأنها جزءً من قضية اللاجئين في الشتات ينطبق عليهم القرار 194. حيث أن (إسرائيل) لم تكتفِ في ذلك بفرضها قوانين عنصرية بحق المواطنين العرب في فلسطين المحتلة عام 1948 بدءً من قانون النكبة ومنع إحياء ذكراها إلى تعديل شروط المواطنة بإعلان الولاء لدولة (إسرائيل) وعبرنة المناهج .. الخ.

وفي إطار الحلول البديلة التي وضعتها أمريكا و(إسرائيل) والدول العربية والأوروبية، فلا بد للاجئين الفلسطينيين بكافة أماكن تواجدهم لتسليط الضوء على الخطر المُحدق بقضيتهم ورفع الصوت عالياً للتمسك بحق العودة إلى الديار والممتلكات والتمسك بقرارات الشرعية الدولية ذات الصلة بقضيتهم وفي مقدمتها القرار 194 وما فسّرته اللجنة القانونية بهيئة الأمم المتحدة، والتحذير من أية محاولة للالتفاف على هذا الحق أو تفريغه من مضمونه باعتباره حق مقدس لا يمكن التنازل أو المساومة أو التفريط به.

المطلوب اليوم قبل الغد الشروع بمراجعة فلسطينية شاملة لـ68 عاماً من عمر النكبة إلى يومنا هذا، وما طرأ من تغيير في السياسة الفلسطينية خلال سبعة عقود من النضال الوطني الفلسطيني ضد الاحتلال الإسرائيلي ومشاريعه التوسعية الاستعمارية وسياسة التمييز العنصري و(الابارتهايد) وسواها من الجرائم والإرهاب المنظم، والتأكيد على ضرورة طي صفحة اتفاق أوسلو الأسود وملحقاته وآلياته بما فيها الشروع الفوري والقيام بخطوات عملية لتنفيذ قرارات المجلس المركزي بوقف التنسيق الأمني وتفعيل مقاطعة اقتصاد (إسرائيل) ووقف العمل ببرتوكول باريس الاقتصادي، وكذلك إعادة الاعتبار للبرنامج الوطني الموحد لتبني استراتيجية وطنية كفاحية وموحدة بديلة لسياسات المفاوضات الثنائية العقيمة على مدار 23 عاماً بدون مرجعية قرارات الشرعية الدولية.

المطلوب اليوم أيضاً تشكيل القيادة الوطنية الموحدة للانتفاضة ودعمها وتطويرها نحو الانتفاضة الشعبية الشاملة مع مواصلة التحرك الدبلوماسي الدولي بالاستناد إلى قرارات الشرعية الدولية وقرارات هيئة الأمم المتحدة ذات الصلة والأخص بالقرار 194 الخاص باللاجئين الفلسطينيين.

وكذلك المطلوب إجراء إصلاحات ديمقراطية في مؤسسات وهيئات م.ت.ف. ووضع حد لسياسة التفرد وتجاوز المؤسسات وانتهاك قراراتها وإصلاح أوضاع الصندوق القومي في المنظمة وصندوق الاستثمار في السلطة الفلسطينية.

وأمام هذه السنوات الطوال فلا بد من إنهاء وكسة الانقسام وما ترتب عليها باعتبارها ضرورة وطنية وجادة لخلاص شعبنا من الأزمات الداخلية الحادة التي حلّت به وأنهكته. فلا عودة للاجئين دون إسقاط الانقسام والاتفاق على استراتيجية وطنية موحدة وجامعة للكل الفلسطيني.

فمن وكسة الانقسام إلى نكبة الاحتلال التي مازالت مستمرة وآلامها متواصلة وبأشكال عدة، ولكن الحياة والأمل مازلنا نصبو إليهما، لنؤكد على أن الصغار يورثون وبطلان مقولة "الكبار يموتون والصغار ينسون".

هذا هو واقعنا وهذه حياتنا سنعيشها رغم أنف (إسرائيل) والمصفقين من خلفها، فنحن شعب يريد السلام المتوازن القائم على عودة الحقوق إلى أصحابها بما فيها حق العودة وفق القرار 194، نحن شعب حتماً سنعود إلى القدس والمجدل ويافا وعكا وحيفا وصفد والمثلث والجليل وأم الفحم واللد والرملة وأسدود وعسقلان والجورة وأم الرشراش وكل فلسطين التي يزداد الاشتياق والحنين لها كل يوم.

وسوم: العدد 668