نظام التعليم في الإسلام دنا
إن النظام التربوي في الإسلام يتجنب توقيع العقوبة على الناس ما وسعه ذلك ، ويعتمد في بث مبادئه ، وفي تكوين الفرد وتنظيم المجتمع وفق هذه المبادئ على التربية والتوجيه وتمكين الإيمان من القلب ، والأخلاق الفاضلة في النفوس ، كما أن الإسلام يدرأ الحدود بالشبهات ، ويكره لأتباعه التحري عن حياة الناس والتنقيب عن خفاياهم ، ليترك للمذنب طريق العودة وسبيل الرجوع إلى الصواب والاستقامة ، ولا يلجأ الإسلام إلى العقوبة إلا إذا فشلت جميع الطرق والأساليب التربوية والتعليمية والتحذيرية .. ألخ وعندئذ فلا مناص لتقويم الفرد وحماية المجتمع من القصاص لحفظ النوع وصون الحياة ، كما ورد ذلك في قول الله تعالى : " ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب " هذا هو منهج الإسلام بالنسبة للكبار ، أما الصغار فقد أخذهم الإسلام بالأناة والرفق ، وعاملهم بالعطف واللطف ، وهذا ما تعلمه المسلمون من رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان أعظم الناس رفقاً بالصغار وحدباً عليهم ورعاية لهم .
ويجتمع المربون المسلمون على عدم اللجوء إلى العقوبة إلا عند الضرورة ، ويرى كثيرون منهم أن تسبق التوجيهات والنصائح توقيع العقوبة ، فإن لم يجد ذلك نفعاً ، فلا مفر من توقيع العقوبة ، على أن يكون البدء باللجوء إلى العقوبة المعنوية أولاً ، كالعبوس واللوم والتوبيخ على انفراد ، ثم أمام الرفقاء ، فإذا لم يجد ذلك نفعاً لجأ المؤدب إلى العقوبة الجسدية غير المؤذية كالوخز والضرب غير المبرح ، ويستدل المربون على ذلك بالحديث الشريف : " مروا أبنائكم بالصلاة لسبع سنين ، واضربوهم عليها لعشر " .
وعالج المربون المسلمون موضوع العقاب ، وصدروا عن ذلك بدراسات هامة وأبحاث رائدة ، وأشهر هؤلاء ، القابسي وابن سينا والغزالي وابن خلدون وابن سحنون ، يقول القابسي : من حسن رعاية المعلم للأطفال أن يكون بهم رفيقاً ، فقد جاء عن عائشة رضي الله عنها قول الرسول عليه السلام : من ولى من أمتي شيئاً فرفق بهم فارفق به ، وقوله عليه الصلاة والسلام في حديث آخر : إن الله يحب الرفق بالأمر كله ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء .
ويذهب ابن سينا إلى ضرورة البدء بتهذيب الطفل وتعويده ممدوح الخصال منذ الفطام ، قبل أن ترشخ فيه العادات المرذولة التي تصعب إزالتها إذا تمكنت من نفس الطفل ، أما إذا اقتضت الضرورة الالتجاء إلى العقاب ، فينبغي مراعاة منتهى الحيطة والحذر ، فلا يؤخذ الولد أولاً بالعنف ، وإنما بالتلطف ، ثم تمزج الرغبة بالرهبة ، وتارة يستخدم المعلم العبوس أو ما يستدعيه التأنيب ، وتارة أخرى يكون المديح والتشجيع أجدى من التأنيب ، ولكن إذا أصبح من الضروري الالتجاء إلى الضرب فينبغي ألا يتردد المربي بذلك ، على أن تكون الضربات الأولى موجعة حتى تحدث في نفس الطفل الأثر اللازم ، وتجعله ينظر إلى العقاب بعين الجد ، ولا يكون هذا إلا بعد التهديد والوعيد وتوسط الشفعاء لإحداث الأثر المطلوب في نفس الطفل .
ويميز الغزالي بين طرق تأديب الأطفال تبعاً لاختلاف أمزجتهم ، فهذا طفل يتميز بالحياء والحساسية ، فيستعان على تأديبه بحيائه ، وذاك أميل إلى الخلق الجميل والفعل المحمود ، فيلزم أن يكرم ويجازي عليه ويمدح بين الناس .
وقد تكلم ابن خلدون كلاماً دقيقاً في استعمال الشدة مع الطالب ، وقرر أنها مضرة به ، لإن إرهاق الجسد مضر بالمتعلم ، يذهب بنشاطه ويحمله على الكسل والكذب والتظاهر بغير ما في ضميره خوفاً من العقاب ، وربما اعتاد هذا الموقف وألفه فتكسل نفسه عن اكتساب الفضائل والخلق الحميد ، لأنه تعود أن يكتسب الفضائل خوفاً من العقوبة والشدة ، فإذا رفع عنه القهر يوماً بعد عن الفضيلة وربما سلك درب الرذيلة .
وأما ابن سحنون فقد كان يلح بشدة على وجوب الابتعاد عن استعمال الضرب والشتم ، لما في ذلك من الفساد ، وفي هذا يقول لمؤدب ولده محمد حينما سلمه إياه ليعلمه : ولا يؤدبه إلا بالمدح ولطف الكلام ، وليس هو ممن يؤدب بالضرب أو التعنيف .
وقد أولت الدولة الإسلامية رعاية الطفل كبير اهتمام في بعض العهود ، وأخذت على عاتقها حماية الأطفال من أساليب القسوة والعنف التي يلجأ إليها غلاظ القلوب من المدرسين ، فكلفت رئيس الشرطة بملاحقة هذا الموضوع ، والاتصال بالكتاتيب للتأكد من معاملة الأطفال معاملة طيبة ، وكيلا تقع على الأطفال أي قسوة من جانب بعض المعلمين .
ومرجع ذلك كله إلى الإسلام وإلى توجيهات رسول الله عليه الصلاة والسلام وإلى آيات القرآن الكريم : " إن الله يحب الرفق بالأمر كله ، وإنما يرحم الله من عباده الرحماء " " والكاظمين الغيظ والعافين عن الناس ، والله يحب المحسنين " .
وكما بحث المربون المسلمون موضوع العقاب ، تناولوا بالدراسة موضوع الثواب ، فنصحوا باستخدام صنوف التقدير مع الطفل ، لشحذ همته وتنشيط طاقته ، ومن ذلك المديح والتشجيع ومنحه المكافآت المالية ، فما يعطى للتلميذ نظير تفوقه في مسابقة يسمى جائزة ، وما يعطى نظير تفوقه بلا مسابقة يسمى مكافأة وقد انتشرت المكافآت المالية في المدارس ، وجعل القائمون على أمر التعليم لها حصيلة في أوقاتهم . وهذا يتفق مع الأسلوب القرآني في أن يسير الترغيب مع الترهيب جنباً إلى جنب لبلوغ الإنسان ما تصبو إليه التربية الإسلامية من السمو والكمال .
وسوم: العدد 670