صراع الطغاة والخط الثوري الواعي
عزة مختار
بصرف النظر عن النتائج المعلنة في مصر عن الانتخابات الرئاسية المزعومة ، فقد علم الجميع بما فيهم أولئك الذين قاموا بعملية التزوير ذاتها ، ثم العالم أجمع الذي شاهد علي فضائياته من خلال مراسليه في مصر أكبر عملية مقاطعة جماعية لانتخابات أنفقت فيها المليارات واستخدمت فيها كل الوسائل المتاحة لإمكانيات دولة كاملة بجيشها وداخليتها وقضائها وإعلامها ، علاوة علي جهاز آخ صنعته الشرطة وجهاز أمن الدولة بها ، وهو جهاز البلطجية الذي سلطوهم علي رقاب الناس ، خاصة الثوار منهم لتصبح مصر في مصاف الدول المتخلفة علي كل المستويات .
بصرف النظر عن تلك النتائج والإحصائيات ومحاولات تجميل الوجه الكالح والتي ختموها بيوم ثالث في محاولة لملء اللجان الفارغة وتحسين الصورة بطوابير مزيفة ، يظهر فيها الناخبين بالزى الشتوي في مهزلة لست أدعي أنها الأولي ، وإنما هي مجرد إعادة أو استعادة لتاريخ ما قبل ثورة الخامس والعشرين من يناير .
بصرف النظر عن كل هذا فقد حدث ما يدعونا للنظر والتأمل والتساؤل ومحاولة تحليل ما حدث .
نعم قاطع الشعب المصري الانتخابات وفجر مفاجأة أخري لم يتوقعها أحد خاصة بعد تلك الهجمة الأمنية الشرسة التي خلفت آلافا من الشهداء والمصابين والمعتقلين لا أحد يعلم عددهم تحديدا علي كثرتهم ، كذلك بعد تلك الهوجة الإعلامية التي صورت أن الشعب كله قد حسم أمره ، وأن مؤيدي الشرعية باتوا محاصرين في الشوارع وحدهم .
وعلي خلاف ما عهدناه من الإعلام المصري من تزوير فج للحقائق من قبل في مثل تلك الفعاليات الانتخابية ، إلا أنه في هذه المرة فاجأنا وفاجأ العالم كله بنقل الصورة الحقيقية من أرض الواقع ، بدون أي رتوش أو تزييف من داخل مقار اللجان في شتي محافظات مصر
وما تعجبت له من قبل وكان شبيها بذلك الذي يحدث ، هو نقل الإعلام المصري لأحاديث السيسي المسجلة مع إعلامييهم ، مع ركاكة تلك اللقاءات وسطحيتها ، والتي كانت معبرة عن عدم قدرة ذلك الانقلابي علي حل أي مشكلة بالبلاد بل وفشله في أي محاولة لذلك ناءا علي تصريحاته بأنه " مفيش ومعنديش وعايزين تاكلوا مصر " .
ولأننا نريد الآن أن نتعلم مما سبق ، ونقف عند كل حدث كي نتأمله جيدا من باب دراسة الخصم ومعرفة جوانب ضعفه لاستثمارها في قضيتنا ضده وضد كل من يريد أن يعيث في هذا الوطن فسادا ، فقد وجب علينا أن نقف علي ما يحدث لنحاول فهم ما يدور ومدي استفادة الثوار منه
وسائل الإعلام مملوك لرجال الأعمال التابعين في الأصل للدولة المباركية ، وتوجه الإعلاميين في هذه القنوات محدد وموجه ومرسوم ولا يستطيع أحد أن ينطق بكلمة غير مرغوب فيها ، والأمر لم يخص قناة بمفردها ، وإنما شمل توجها عاما لجميعها . إذن فهناك اتفاق مسبق فيما بينها لشن تلك " الصراحة الغير مسبقة " ونشر الحقيقة كاملة يومي الاقتراع ، وهنا اطرح تساؤل مشروع وهو ، هل هناك مؤامرة أو عقا من نوع ما موجه من هؤلاء لمرشحهم المعتمد
هل هناك رسالة له وفهمها وتداركها فعدلت تلك القنوات رسالتها في اليوم الثالث والأخير في تلك المهزلة وما بعدها من احتفالات بانتكاسة جديدة للوطن ؟
أم أنها كانت رسالة للشعب الذي لم يخرج ليدلي بصوته بعد ذلك الحشد الإعلامي لمدة عام لتتويج صاحب الانقلاب علي عرش مصر ، وإشعار المصريين بخطورة موقفهم من المقاطعة ومحاولة دفعهم للخروج ؟
أم هي رسالة للخارج بأن السيسي فشل في إخراج المصريين للتصويت له ، وذلك لصالح جهة أخري ؟
أم هي رد علي الحكم القضائي علي مبارك بثلاث سنوات في قضية قصور الرئاسة هو ونجليه بإيعاز منه السيسي للتخلص من الرموز القديمة التي تري في نفسها وصاية علي العرش وكل من يعتليه ؟ فكان رد رجال مبارك عليه لكي لا يجرؤ علي التخلص من تلك الرموز ؟
كل تلك التساؤلات لها أكثر من جواب وكلها مطروح ووارد
ومن ذلك يتضح لنا مدي هشاشة تلك الدولة مع عمق فسادها ، فكل أطرافها مختلفين ولسوف نشهد في الأيام المقبلة عمليات تصفية جسدية لبعضهم البعض ،
نستنتج أن من يحكم مصر منذ عام ليس العسكر وحدهم وإن كان الظاهر في الصورة غير ذلك
وبالنسبة للثوار والأحرار تلك نقطة في غاية الأهمية ، فهم لا يحاربونا بالسلاح وحده ، وإنما لغة المال والاقتصاد ، أصحاب الأعمال والشركات ، أصحاب العقارات ، أصحاب المصالح ، رموز دولة مبارك الفاشية ، الإعلام المملوك والتابع لهؤلاء .
إذن فلتتنوع حركة الثوار في كل الاتجاهات ، المسيرات السلمية ضد العسكر ، ثم الرسائل القوية والواضحة والموجعة لتلك الجهات الأخرى التي تغتال مصر لصالح عدو البلاد في الداخل والخارج
أحسب أن رسالتي للثوار واضحة وأحسبها كذلك قد وصلت ، فاللهم وفق قادتنا وشعبنا لصالح البلاد والعباد ، إنك علي كل شيء قدير.