يوم تدمري رمضاني

م. محمد نبيه عثمان

قبيل رمضان كنا نصوم أيام الاثنين والخميس والبعض يصوم

شهرين متتابعين كفارة وكان العدد قليل . وكانت المياه

مقطوعة وتأتي بالقطارة حتى إن نصيب الفرد لم يتجاوز

عبوة الطحينة البلاستيكية ليتر واحد لكافة الاستخدامات

ومن بينها الشرب وكنا نتدارس قدوم رمضان بهذا الوقت

الصيفي القاسي طقسا وواقعا من شدة التعذيب والبطش .

وجاء الموعد إنه أول ليلة من رمضان ووقف رئيس المهجع

ليعطي تعليمات رمضان ) طبعا هو أخ من بيننا يتطوع لتحمّل

التعذيب عن الجميع وكذلك المسؤولية ( .

- يا أخوة الحركة ممنوعة تماما لأنكم تعلمون تدقيق الحرس

من السطح قبيل أذان الفجر على الحركة فيرجى تجهيز

السندويشات تحت المخدة والأكل تحت البطانية بدون أي

حركة ملفتة للنظر وخصوصا عند تنبيه الحارس الليلي

بإشارته ) الحارس الليلي أخوة منا يتناوبون كل ساعتين

لمراقبة الجلادين ولتسهيل حركة الأخوة سواءً لدخول

الحمامات أو غيره (.

- الدخول للوضوء يكون بتسجيل الدور عند الحارس الليلي

وهو يقدر الفرصة فيسمح أو لا يسمح وبدون احراج

- اعمل حسابك أنه لا يوجد توزيع ماء لعدم توفرها .

وانهمك الأخوة مع توزيع العشاء لعمل السحور- خبزة

صمون عسكرية وعدة حبات حمّص واحتمال احتوائها ملحاً

ودقت ساعة النوم ويالها من عقوبة استلقاء إجباري حشراً

حتى السادسة صباحاً .

المشهد مأساوي ووقت السحور اقترب والأخوة مغطين

رؤوسهم وصرصرت الأسنان وتأتي اشارة الحارس الليلي

فتتوقف الحياة تماماً وصوت الشرطي يدوي :

- ولا يا ... حارس ليلي ايش هاي الحركة عندك

- حاضر حضرة الرقيب

- كم واحد بالدورة ولا يا ابن ...

- واحد سيدي مسهّل

- طالعه بكرة على الفطور وَإلا ...

- حاضر سيدي

وجاء صباح رمضاني والناس في قلق عند إدخال الفطور وتم

طلب الشخص المعلّم وكان كبيرا بالسن ففداه شاب في

مقتبل عمره وخرج للشرطي :

- شو ولا يا ابن ... شو ماتعمل بالدورة كنت ما تاكل ولا

شو بدك تصوم

- لا سيدي

- خود ولاك .. هي جنب الجاط ، حطها بتمك وكول

وانبسط حاول الشاب التهرب إلا أن الضرب والصياح أجبره

على التقاط الفأرة ميتة ووضعها في فمه والشرطي يصرخ

ابلعها ابلعها تظاهر ببلعها وكأنه تقيأ وهو داخل للمهجع

ورماها من فمه ويا للحسرة بقي على اثرها اشهراً يعاني في

معدته وجسمه إلى أن عافاه الله .

- وجاء دور التنفس وهو الخروج للباحات للتعذيب والقتل

بألوانه فنادى الرقيب رئيس الدورية : مين منكم صايم فلم

يرد أحد – مين مفطر فرفع بعض المتطوعين أيديهم فجاء

اليهم واحدا واحدا

- هنت ليش منك صايم هنت كافر شي

- لا سيدي أنا مريض بالمعدة

- انبطح و لا وتابعه بالركل والضرب بعصاّ كانت بيده

- وهِنت ليش مفطر و لا - انا سيدي - أي هنت أبتسمع - نعم

سيدي – ليش ماتصوم وَلَك

- سيدي الدكتور اعطاني دواء – و لا متكذب كمان وانهال

عليه ضرباً

- واستمرت ربع ساعة على هذه الحال ولا نعرف ما الجواب

الذي ينجي من التعذيب ثم دخلنا المهجع والآلام تعتصرنا

والدماء تسيل من أجساد البعض الآخر

وكانت المصيبة الأكبر دخول الغداء البرغل والبطاطا

المطبوخة والتي تم توزيع قسم منها للإدخار كإفطار

والباقي لابد من تصريفه بدورة المياه خشية الدخول للتفتيش

ومحاسبتنا لما لم نأكل . وتصريف الطعام يلزمه المياه ولا

مياه للشرب اساسا حتى يكون للتصريف .

العرق يتصبب والحر شديد وكل حركة في السجن نحسب

حسابها ولكن فضل الله علينا عظيماً فقد تأخر العشاء الى ما

بعد المغرب مما يتيح لنا البقاء وقتاً اضافياً لنتناول الافطار

بدعاء الافطار الذي يتبعه اللهم فرج عنا مانحن فيه .

وسوم: العدد 673