أكتوبر.. الانتصار الوهمي في العالم الافتراضي
لا ريب أنك شاهدت فيلم ماتريكس (وتعني المصفوفة) الذي أنتج سنة 1999، والفيلم يروي قصة مجموعة من البشر تعيش داخل عالم افتراضي صنعته مجموعة من الحواسيب.
لا ريب أنك استمتعت بالفيلم وانبهرت بالإنتاج، وربما زفر بعضنا في راحة بعد انتهاء الفيلم، ولمس الموجودات حوله في شوق ليتأكد أنه في عالم حقيقي.
حسناً، ربما كان عالمنا الحقيقي أكثر وهماً من ذلك الذي شاهدته في ماتريكس. ربما كانت الحقيقة بعيدة عن حياتك التي تمتلئ بعلب المشروبات الغازية ومسلسلات رمضان وأسعار السلع التي تتقافز دون رادع.
الحياة الحقيقية بعيدة تماما عن بيانات الأخ الأكبر الركيكة الصادرة من القناة الأولى أو من شاشات مدينة الإنتاج الإعلامي. في حلقة سابقة من برنامجي الهاشتاج قدمت عرضاً لمشاهد حرب أكتوبر الوهمية التي تعرضها الشاشات كل عام.
في تلك الحلقة تحدثت عن كيفية تطويع إدراك ملايين البشر بفيديوهات تم لصقها وقصها لا تتضمن مشهدا واحداً حقيقيا للحرب حتى مشاهد العبور ومشاهد خراطيم المياه التي تتدفق لتزيل الساتر الترابي، فالمشاهد ببساطة هي مشاهد التقطت من مناورة وقعت بعد الحرب الوهمية بسنة كاملة.
الحياة في المصفوفة كأي حياة، فسكان المصفوفة يحتاجون من الحين للآخر إلى رفع روحهم المعنوية, كان وهم أكتوبر حقنة من الفيتامينات الطازجة ليتوقف سكان المصفوفة في مصر عن المطالبة بالحرب ضد الكيان الصهيوني.
كنتم تريدون الحرب وها قد حاربنا.
أردتم استرداد كرامتكم التي بعثرتها شعارات عبد الناصر على تراب سيناء، وها أنتم قد طربتم لمشاهد العبور التي تم تصويرها في مناورة 1974، فماذا تريدون بعد؟
انعموا الآن بفيلم الرصاصة لا تزال في جيبي وبمسلسلات رمضان ودعونا نقيم السلام مع الكيان الذي اغتصب فلسطين. أكبر عملية تدجين مجتمعي وتطويع للوعي في القرن العشرين.
حرب تم تحديد نتائجها مسبقاً وسيق إليها شباب مصر ليرتقي بعضهم شهداء لينعم الكيان الصهيوني بالسلام 40 سنة كما قال بيجن أثناء حرب لبنان.
حرب تم فيها إرضاء الطرفين، فقام كيسنجر بتأخير الجسر الجوي 7 أيام عانى فيها العدو من الخسائر، حتى يتم تطوير الهجوم وتُفتح ثغرة للعدو، لتعبر منها قواته لتصل إلى مشارف القاهرة وتحاصر الجيش الثالث كله وتأسر ثمانية آلاف جندي وضابط وهو رقم لا تسمعه في الإعلام العسكري حتى لا يشوش على الصورة المرسومة مسبقاً.
الكوميدي في الأمر أن الصهاينة كانوا على علم بالهجوم وأن كيسنجر تدخل عن طريق سفيره لمنع جولدا مائير من توجيه ضربة للقوات المصرية، وأن موشيه ديان نفسه رفض تعبئة الاحتياطي رغم المعلومات عن الهجوم الوشيك واكتفى بتعبئة فرقتين فقط.
قد يُصاب البعض بالذهول من شهادات بعض جنود العدو الذين قالوا إن قيادتهم أمرتهم بإزالة الألغام بطول خط بارليف قبل أيام من نشوب الحرب وأن قوات العدو نفسها قد مُنحت إجازة وتم تخفيض عدد القوات التي تحمي خط بارليف.
إن نظرة سريعة على القصة الحقيقية التي يعرضها مسرح العسكر في مصر تحت اسم (الإطاحة بمراكز القوى) قد تكشف لك عن عمق الخداع الذي تعيشه شعوبنا داخل المصفوفة.
فالقصة الحقيقية هي أن المخابرات الصهيونية (الصهيونية وليست الأمريكية) علمت بمحاولة انقلاب على السادات تقوم بها المخابرات السوفييتية، فقررت تحذيره عن طريق رجلها أشرف مروان واثنين من عملائها كانا يعملان بالقاهرة، ويروي الكاتب كيف قامت إدارة العمليات في المخابرات الأمريكية بطرد رجال السوفييت من الجيش والمخابرات العامة والحربية وإعادة هيكلة تلك الأجهزة (أو بالأحرى أمركتها)، ووضعوا بعض رجاله على كشوف مرتبات المخابرات الأمريكية كالمخلوع وبعض الوزراء كما روى جوزيف ترنتو في كتابه (مقدمات الإرهاب وميراث شبكة المخابرات الأمريكية الخاصة).
كانت الحرب تمثيلية حركها السادات للحفاظ على نظام العسكر في مصر بإرشادات من كيسنجر.
كما كانت فيتامينات جديدة ضُخت في عروق الكيان الصهيوني تحميه من انقضاض الشعب مجروح الكرامة عليه وضمان معالجة الورم في الاتجاه الذي تريده المخابرات الأمريكية لا في اتجاه البتر.
قبل كيسنجر كان كيرميت روزفلت قد أخرج للمصريين مسرحية لطيفة بطلها المقبور عبد الناصر والذي تم دفعه دفعاً باتجاه السوفييت وتحت إشراف كيرميت روزفلت كما يتضح لك من القراءة المتأنية لكتاب لعبة الأمم.
وقبله كان المندوب السامي البريطاني الذي يقول سعد زغلول عنه إنه أصيب بالصدمة عند رحيله من مصر، والذي عين سعد زغلول وزيرا للمعارف ثم امتطى به ثورة 1919 والتي أفضت إلى لا شيء بدلاً من التحرر الكامل الذي أراده المصريون.
وقبل كل هؤلاء كان دروفيتي قنصل فرنسا وسليمان باشا الفرنساوي (الخادم الشخصي لنابليون وضابط المخابرات الفرنسية) يصنعان دولة بأكملها لعميل فرنسا الماسوني الشيعي محمد علي.
مهما طالت مدة الفيلم، فلا يعني هذا أنه ليس فيلماً.
نحن بحاجة إلى الوعي للخروج من تلك المصفوفة التي عشنا فيها 209 سنوات والتي أفضت بنا إلى شاويش انقلاب 30 سونيا.
وسوم: العدد 673