إسرائيل ضحية غلطة تأسيسها
منذ أن وَلِي ليبرمان وزارة الدفاع في إسرائيل ، ودقات طبول الحرب على غزة لا تتوقف . صحيح أن هذه الطبول لم تسكت قبله ، وقادت إلى ثلاث حروب على غزة في خمس سنوات ونصف ، لكنها بمجيئه ازدادت عددا وعلوا انسجاما مع تهديده قبل أن يلي وزارة الدفاع بأنه سيحول غزة _ إذا صار وزير دفاع _ ملعب كرة قدم ، أي أرضا خالية من البشر والحياة ، وانسجاما عميقا أيضا مع الطبيعة العدوانية لإسرائيل التي رسخ منذ وجودها في المنطقة أنها تخاف السلام مثلما تخاف الدول السوية الحرب . ويقر الإسرائيليون صراحة أن الحروب والمخاوف تضاعف تماسكهم وتشعرهم بهوية واحدة أكثر مما تفعل التربية المدرسية والجيش الذي ينصهرون فيه بمختلف أعراقهم وثقافاتهم . ويهدد ليبرمان في الحرب التي قد تقع بقتل قادة حماس السياسيين والعسكريين ، وبالقضاء على حكمها في غزة نهائيا . وتناغما مع هذا التهديد المتصاعد يقول عاموس جلعاد رئيس الطاقم السياسي والأمني في وزارة الدفاع الإسرائيلية إن حماس قد تحتل مستوطنة أو اثنتين أو ثلاثا من مستوطنات نطاق غزة وتقتل سكانها ! وفي سياق هوس الرعب المفتعل من غزة ، قررت وزارة الدفاع الإسرائيلية بناء سور بعمق 10 أمتار وارتفاع عدة أمتار على حدود غزة تعتقد أنه سيكون حلا " نهائيا " لمشكلة خطر الأنفاق . وتطالعنا وفرة في العبارات الإسرائيلية التي تؤكد أن كل عمل إسرائيلي قادم في مواجهة غزة سيكون هذه المرة حاسما نهائيا ، وهي نفس الوفرة التي نلقاها في تهديداتهم لحزب الله . وكل هذا يؤكد الرأي الراسخ أن إسرائيل دولة شاذة كليا لا توافقها إلا بيئة التوترات والحروب المتقطعة مادامت مطمئنة إلى أن هذه الحروب لن تستأصلها من جذورها ؛ ثقةً في الحماية المطلقة التي يوفرها لها الغرب الذي زرعها في المنطقة . ولا خلاف على أن أي عدوان إسرائيلي جديد على غزة سيسعد أطرافا فلسطينية وعربية نعلم أنها تعاونت مع إسرائيل في الحروب الثلاث السابقة ، ومنعت حصول المقاومة على نتائج معقولة لصمودها في الحرب الأخيرة تتصل بتخفيف وطأة الحصار ، والمتوقع المحسوم أن هذه الأطراف ستتعاون في الحرب المحتملة التي تشهد أدلة كثيرة على تشجيعها لإسرائيل على القيام بها عاجلا لا آجلا . ومع أن مسئولا أمنيا إسرائيليا كبيرا قال لموقع " ولا " العبري إن على إسرائيل أن تَحذَر وألا تبادر إلى مواجهة في الوقت الحالي في غزة فإنه ما من سبيل إلى الثقة في حكمة دولة مثل إسرائيل ترى في التوترات والحروب وسيلة فعالة لتماسك مكوناتها المتنافرة في أصلها ، ومن افتعل ثلاث حروب واختلق أسبابها في خمس سنوات ونصف لن يعجز عن افتعال حرب رابعة واختلاق أسبابها . لو كان لدى إسرائيل القدر المناسب من الحكمة التي تتصف بها عادة الدول الطبيعية مهما انخفض حظها من الوعي والتطور المعرفي والثقافي لوعت أنه لا فائدة من حرب رابعة ضد غزة ، ولا حرب ثانية ضد حزب الله ، وأن عبارات الإنهاء والحسم التي تزدحم بها بيانات وتسريبات قادتها العسكريين والأمنيين قد أطلقت في الحروب السابقة ضد غزة وحزب الله ، وانتهت تلك الحروب دون أن تنهي شيئا أو تحسم شيئا . اعتاد السياسي والكاتب الفلسطيني الراحل إميل حبيبي أن يذكر الإسرائيليين بالحكمة الصينية التي تؤكد أن " الجزيرة العاقلة لا تخاصم البحر الذي توجد فيه " إلا أن إسرائيل تظل ضحية تأسيسها الذي تصرف فيه قادة الحركة الصهيونية وفق الوهم القائل إن فلسطين أرض بلا شعب ، واليهود شعب بلا أرض ، فلتكن فلسطين إذن وطنا ليهود العالم . إنها ترفض حل دولة واحدة للشعبين ، وترفض عمليا قيام دولة فلسطينية في الضفة وغزة ، وترفض مصالحة رسمية مع 57 دولة عربية وإسلامية وفق المبادرة العربية المتساهلة جدا في جوهرها ، وتريد المصالحة بلا ثمن من جانبها مع أنه ليس من جيبها ، وتتابع افتعال التوترات والحروب . في التعبيرات الشعبية الفلسطينية تعبير يصف بعض الأشخاص بأنه " ليس ابن حياة " بمعنى أنه مهدد بالموت لعلامات معينة تبدو عليه ، وإسرائيل " ليست بنت حياة " بحكم غلطة تأسيسها على وهم باطل .
وسوم: العدد 673