مكونات الشعب السوري والمكون العلوي بالذات

أولاً : محددات :

إن مفهوم الأقلية في المعجم الوسيط يعني : الأقلية خلاف الأكثرية وجمعها أقليات وفي معجم اللغة العربية المعاصرة : أقلية (مفرد) : مصدر صناعي من أقل : قلّ عددهم عن غيرهم ، عكسها : أكثرية ، فالأقلية جماعة تتميز بدينها أو عرقها أو لونها ، تعيش في مجتمع يفوقها عدداً ، ويخالفها خصائص ومميزات .

ثانياً : إثارة الموضوع لماذا ؟

وموضوع الأقليات المجتمعية هذا يثار الآن في وجه الثورة السورية ، بهدف التعويق أو التأييد للنظام الحاكم في سورية ، المدعي باتجاهين : اتجاه يقول فيه إنه محمي بالمكون العلوي ، واتجاه آخر يدعي فيه أنه حامي للأقليات في المجتمع السوري من المقاتلين الذين تسميهم بالإرهابيين (1).

والهدف الرئيس من ادعاء نظام الأسد هو استدراج التأييد الدولي له في مواجهة ثوار الحرية والكرامة ، وأما تظاهر بعض القوى الإقليمية أو الدولية بالتصديق بمثل هذا الادعاء فهو من قبيل التمهيد لمداخلاتهم في الموضوع السوري ، وإذن فهي ادعاءات خادعة ، لها أبعاد سياسية واقتصادية وأمنية وهيمنية ، يريد كل من المتداخلين أن يحقق من ورائها تسويغ دخوله على خطوط الوضع السوري ، ليحقق كل طرف أهدافه ومصالحه ، غير مهتمين بالدمار الذي يطوف بأنحاء سورية ، ولا بالدماء العزيزة الغالية لأطفال سورية ونسائها وشيوخها وشبابها على يد النظام ، ومداخلات إيران وروسيا وأصدقاء الشعب السوري المدعين لهذه الصداقة .

ثالثاً : تعريفات :

1 ـ الأقليات : " إن الإسلام دين ومدنية ، والمدنية الإسلامية أكثر تهذيباً من المدنية الأوروبية ، وأمتنا ذات مدنية أصيلة ، وليست الأمة الطفيلية ، التي ترقع لمدنيتها ثوباً من فضلات الأقشمة التي يلقيها الخياطون " (2) .

ومناسبة إيرادي لكلام السنهوري باشا ، إنما هو مقدمة تشير إلى أن مصطلحات كثيرة وردت في عصرنا الذي نحن فيه ، لكنها مفاهيم كانت وما زالت تعمل في مجتمعات المسلمين منذ القدم بصيغها الإيجابية ، ولو لم تذكر في التاريخ بالمصطلحات العصرية ، مما يدلل على أننا أمة الحضارة الأصلية ، وليست المستوردة بلا تبصر .

2 ـ المواطنة : ورد في المعجم الوسيط قوله في معنى المواطنة : وطَنَ بالمكان (يَطِنُ) وطْناً ، أقام فيه ، (أوطن) المكان : وَطَنَ به ، وأوطن البلد ، اتخذه وطناً .. واطنه على الأمر : أضمر فعله معه ، وواطنه : وافق عليه ، وواطن القوم : عاش معهم في وطن واحد (محدثة) .

ـ وفي معجم اللغة العربية المعاصرة قال : مواطنة (مفرد) ، وهي نزعة ، ترمي إلى اعتبار الإنسانية أسرة واحدة ، وطنها العالم ، وأعضاؤها أفراد البشر جميعاً ، وهي تفرض على كل الشعوب : احترام حقوق الإنسان ، عدم التمييز بين أبناء الوطن الواحد وسكانه الذين ينتمون إليه على أساس الدين أو اللغة أو العنصر أو الجنس ، كون المرء مواطناً من مواطني دولة ، له حقوق فيها تكفلها له الدولة وبالمقابل عليه الالتزام بالواجبات التي تفرضها عليه (أعطي حق المواطنة) (3) .

رابعاً : كيف وصلنا إلى المواطنة :

كان الناس أمة واحدة ، وكان عددهم في ذلك الوقت قليلاً محدوداً .

خلق الله آدم عليه السلام ومنه خلق زوجه حواء ، ثم تكاثرت ذريته وبدأت تنتشر في الأرض ، وتتنوع أعراقها ومعارفها وثقافاتها شيئاً فشيئاً ، واتخذت كل مجموعة عرقية أو معرفية أو دينية لغة تدرجت في الابتعاد عن اللغة الأصل ، التي علمها الله لآدم وهو في الجنة ، قبل أن يهبط على الأرض .

ووصل الناس بعد آلاف السنين بل عشرات الآلاف إلى ما نراه اليوم ونعلمه من ذلك التوزع الإنساني وتنوعه ، على آلاف الأعراق والأديان والثقافات ، والتحيزات المكانية . ونشأت بين تلك المنوعات البشرية ما نشأت من منافسات على ممتلكات الأرض ، مع أن الجميع من أرومة آدم وحواء ؛ أصل واحد ، ورحم واحدة ، ودين توحيد ، حمله إلى الأرض وزوجه .

" كان الناس أمة واحدة " .. عندما هبط آدم وزوجه إلى الأرض وظلّوا كذلك مع أبنائهم وذرياتهم القريبة .. فلما كثروا وتفرقوا ، وأخذوا يبتعدون عن الهداية الأصلية : " فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين .." وهكذا وجدت الأقوام والمكونات والديانات والمذاهب والثقافات المتنوعة والأقليات ومع تقادم الأزمان أصبحت الأمكنة أوطاناً ، تحمل سمات جغرافية وحدوداً معينة ، وقد تضم أعراقاً وأدياناً ولغات وثقافات ، لكنها في عصرنا الحديث ، وبوجود العيش المشترك ، ومصلحة الجميع ، والحفاظ على أمن الوطن والمواطن ، والحفاظ على الاستقرار والحريات ، أوجدت مصطلح : " المواطنة " ، التي تعني الاتفاق التعاقدي بين الذين يعيشون في الوطن الواحد على كل العناصر التي ذكرناها آنفاً ؛ فالمكان وجغرافيته وحدوده يجمعهم ، والمصالح والعيش المشترك يدفعهم للتفاهم والتعاضد والقبول للآخر المختلف في دينه أو عرقه أو لونه أو وجهة نظره ، واللغة الغالبة المشتركة ، تجعل التفاهم قريباً سهلاً ، فالمصلحة المشتركة في الحفاظ على استقرار الحياة ، ورفعة وحرية وحقوق المواطن ، والدفاع عن كل ذلك ، مع نشوء آمال مشتركة في المستقبل ولترقية العيش ، أصبحت جامعاً وطنياً موحداً ، تحدوه حرية يتنسمونها ، وكرامة يودون أن تكون رافعة هاماتهم ، ترعاها مؤسسات الدولة ، التي تتم تشكيلاتها الهامة بالاختيار الحر النزيه ، كما يتم انتقالها بسلاسة الشورى والآليات الديموقراطية ، التي تتأسس على الشراكة التامة ، بعيداً عن الإقصاء والاستثناء وأي اعتبارات أخرى ، تنقض مبادئ الحرية والديموقراطية أو حقوق المواطن الكاملة ، أو المساواة الفاضلة التي ترعاها مؤسسات قضائية عادلة راقية الأخلاق والمهنية ، وفرص مفتوحة للجميع على قدم المساواة والكفاءة ، وثروة توزع بعدالة .

وإذن فهذه الصورة الزاهية التي رسمناها هي مقومات الوطن الواحد الذي يحفظ المواطن والمواطنة بغض النظر عن أكثرية أوأقلية ، عندما يتعلق الأمر بحقوق المواطن والمساواة والعدالة والفرص المتكافئة والحرية .

إذن إن العمل في مؤسسات الدولة من أدناها إلى أعلاها مفتوح أمام الجميع ، تفتحه صناديق الاقتراع النزيهة ، والكفاءات المتميزة .

خامساً : البعث والأسد والأقليات والمواطنة :

لقد قام نظام أسد بالتلاعب بموضوع الأقليات المذهبية والدينية والعرقية بهدف الإمساك بزمام الأمور وتثبيت مركزها، وتسويق وجوده لدى الأغيار .

يشكل العرب السنة في سورية ما نسبته 68% ويشكل الأكراد السنة حوالي 8% .

 والعلويون المحسوبون على المسلمين وهم عرب يشكلون حوالي 10% .

والمكون المسيحي 8% وأكثرهم عرب .

 وباقي السكان تتوزعهم مكونات قليلة العدد ، منهم الدروز والإسماعليون وهم عرب ، واليزيديون وهم كرد (5) إن هذه الإحصائية لسكان سورية تبين مكونات الشعب السوري ، الذي يشكل فيه المسلمون السنة بحدود 76% من مجموع السكان ، وقد عاش المجتمع السوري غالب الوقت منذ الفتح الإسلامي ومنها حوالي عشرين عاماً بعد الاستقلال بانسجام تام بين مكوناته ، وكان أفق الحريات والحقوق في حدوده المقبولة لجميع المكونات ، وكان الأفق مفتوحاً أمام المواطن حتى عام 1965 ليتسنم أي منصب في الدولة ، لا يقف في طريقه أي عائق ديني أو عرقي أو لون أو توجه . فلما قام حافظ الأسد وصلاح جديد بانقلابهما الطائفي (23 شباط (فبراير) 1966م) إذا بالإثارات الطائفية تعلو ، فوظفا إثنيتهما العلوية المذهبية ضد الأكثرية التي هي المكون السني ، كما حاولا اللعب على بقية المكونات ، بالمناصب وبالمال وبالتهديد الأمني أحياناً كثيرة ، وذلك لترسيخ وجودهم ، ولتقديم أنفسهم لدى القوى الدولية على أنهم رعاة الاستقرار في سورية ، وذلك المحافظون على الأقليات ومنهم اليهود ، الحامون لحدود الكيان الصهيوني ، وهذا الاختراق الأخلاقي ، الذي جعل الغربيين يميلون ميلاً واضحاً لبقاء آل الأسد حاكمين لسورية مع ما يعرفونه من بطش هذه العائلة بالشعب السوري وتشريده ، واستهتارها بكل حق من حقوق السوريين . وكان الفرنسيون قد بدأوا بتوظيف الأقليات في سورية ، لتثبيت وجودهم الاستعماري أثناء انتدابهم على سورية من قبل الأمم المتحدة ، وذلك تحت شعار (الدفاع عن مصالح الأقليات) ، وهو الشعار نفسه الذي وظفه حافظ الأسد من جديد وتبعه في ذلك وريثه بشار ابنه ، فقد قامت العائلة منذ انقلاب حافظ الأسد (تشرين الثاني 1970م) ، بتعبئة المناصب الحزبية العليا والمناصب الأمنية والعسكرية من العلويين (6) وهكذا جمع الأسد من خلال سياسته الطائفية والهيمنة العسكرية والأمنية والحزبية ثم امتلاكه للثروة الوطنية التي تصرف بها ، فجعلها في يده وتحت تصرفه ، يبيع من خلالها من يشاء ويشتري من يشاء من أتباعه الطائفيين ومن الموالين بالأطماع والإغراء من المكونات الصغيرة والكبيرة للشعب السوري . ونقول إنه بهذه السياسة يسيطر على مقدرات الوطن ، ويقمع الشعب ، ويهمشه ، ويبطش بكل من يهمس ولو همساً بمعارضته .. وهكذا فإنه بعد أن أفضى الحكام السوريون منذ الاستقلال وحتى منتصف الستينيات إلا قليلاً يحاولون محاربة الطائفية ، ويسعون إلى صفاء العلاقات وطيبتها بين مكونات المجتمع السوري ، صغير ذلك المكون وكبيره (7) . جاء الأسد ببدعة باطنية حاولت توظيف الطائفية لتشتيت وحدة الشعب السوري ولتخريب انسجام مكوناته .

 ومن المواقف التي تدحض ادعاء النظام الأسدي بأنه حامي الأقليات ما يلي :

ـ في عام 1967 حذفت حكومة انقلاب أسد وجديد أية إشارة إلى وجود الكرد في سورية في كتب الجغرافية المدرسية . كما منعت في سجل الأحوال المدنية أي اسم كردي من التسجيل ، وكذلك فإنه في عهد انقلاب حافظ أسد عام 1970 م :

ـ أعيد تسمية الكثير من القرى الكردية لتصبح أسماؤها عربية .

ـ ولما بدأ المكون السني بالتململ من سياسات القمع والإقصاء التي اتبعها الأسد بشكل كثيف بعد عام 1973 .. ذهب نظامه إلى استرضاء المكون الكردي على حساب المكون السني العربي (8) .

ومن السياسات التي فاقمت موضوع الطائفية ، وزادت من انبعاث المشاعر الطائفية في صفوف المجتمع السوري بمكوناته المتنوعة ، قيام حافظ الأسد ـ خصوصاً بعد انقلابه الذي سماه " الحركة التصحيحية " تشرين الثاني 1970م ـ بتعبئة المناصب الحزبية العليا والرتب الأمنية والعسكرية بمستوى لواء وقيادة فرق بالعلويين ، وإقصاء المكون السني من الجيش والأمن والحرب ، وكذلك المكونات الصغيرة الأخرى ، ولكن بحدود أقل . ولقد استغل الطائفيون حاجة الأسد لهم وعلى الأخص الذين هم من المقربين منه عشائرياً أو مناطقياً أو ولاءً مطلقاً في جمع ثروات هائلة وإفقار البلاد ، بحيث أصبح رفعت الأسد شقيق الرئيس أغنى الجميع ، بواسطة التهريب المحمي وحماية مشاريع الغير الفاسدة ، مقابل عمولة مناسبة ، وأصبح يمتلك أكبر مجمع سكني في جنوب إسبانيا ما قيمته 28 مليار دولار وكازينو في مالطة ، وفندقاً فخماً في مارسيليا (فرنسا) ، ومعمل إسمنت في بيروت ، ودار نشر في باريس ، ونسبة كبيرة من أسهم وسندات في شركة دولية (إنكلوفرنسية) وقنوات فضائية ودور نشر ..(9) وبقي محمياً دبلوماسياً تحت اسم نائب رئيس الجمهورية على الرغم من كونه في المنفى .

ومع كل تلك السياسات والسلوك الطائفي البارز ، ظلت جريدة تشرين (العلامة الرئيسية لإعلام أسد) تشيد بعهد أسد ، على أنه عهد جديد من الوحدة الوطنية الإيجابية والفاعلة (10) .

واتبع النظام الحاكم شعار " رمتني بدائها وانسلت " ، إذ إنه اتهم الحركة الإسلامية بداء الطائفية زوراً وبهتاناً ، هادفاً من وراء ذلك إلى تسويغ إقصائه للحركة وأعضائها والبطش بها ، والاستئثار بثروات البلاد ، وبكراسي الحكم ، ولبيع مقدرات الوطن السوري ومناعة شعبه للأغيار من غربيين وصهاينة وإيرانيين ، سياسياً وأمنياً واقتصادياً ، ولتأمين الحدود مع الصهاينة ، وهو البند الذي يحرص عليه الغربيون وحلفاؤهم الصهاينة أشد الحرص .. ولذلك فهم أيدوا سياسات الأسد في موضوع شرذمة الشعب السوري إلى فئات متناحرة ، وطوائف مختلفة ، ليبقى الأسد وبعض الطائفيين المحالفين له قابضين على زمام الأمور في سورية ، محافظين على أمن الصهاينة ، مضطهدين للمقاومين لتلك السياسات العميلة من إسلاميين وفلسطينيين ولبنانيين وعرب شرفاء . إنه من العجب أن يبقى البعض مصراً على تأييد العصابة الأسدية مسوغين تلك السياسات ، من احتكار الوطن ، وإثارة إحن الأقليات والأكثريات ، وفتح الأبواب أمام مشروع فارسي بغطاء شيعي ، كي يظل الهدم والقتل مستمراً في شعب سورية بكل فئاته ومكوناته ، وعلى وجه الخصوص ذلك الذي يحدث للمكون الأكبر السني من ذبح وتشريد وتخريب ، بناءً على تقلب المواطن السوري في سياسة التمييز الطائفي الأعمى على مدار الساعة ، وعلى كل المستويات ، وفي كل مناحي الحياة (11) .

ولا بأس أن نذهب مع الدكتور رفيق حبيب الذي نبذ كل توجه طائفي ، إذ قال :

" إن المعركة ضد السنة ، أوضد أي مشروع سني ، ستوسع دائرة معارك الربيع العربي ، ليصبح الربيع العربي هو حراك السنة العرب ، من أجل إيقاظ دور السنة في حياة الأمة الإسلامية ، وبالتالي دور الأمة الإسلامية من جديد " (12) .

وفي مكان آخرمن مقاله يقول : ينحصر المشروع الإيراني في أبعاده الطائفية الإقليمية ، وإيران بذلك تجاوزت الثورية إلى التحالف مع أمريكا ومع الأنظمة السلطوية العربية ، وقد حفر النظام الأسدي خندقاً على طول الحدود مع العراق ، مع أنهم لم يفعلوا ذلك مع إسرائيل ، ودقوا أسافين الفرفة بين أبناء الوطن ، وأحيوا الطائفية وأّصّلوها حتى صارت بدهية متعارفاً عليها " (13) .

وهكذا .. فإنه تأسيساً على توافق أسد مع " أجندة " الغربيين والصهاينة وإيران الفارسية ، ترسخت الممارسات الطائفية في سورية ، حيث اتخذها نظام الأسد نقطة ارتكازه ، وذلك لخدمة ثلاثة أغراض :

1 ـ لتثبيت كرسيه في حكم سورية (بإضعاف الجميع من خلال التحكم في الطوائف والمكونات السورية) ثم      للانفراد بالسلطة والثروة .

2 ـ لكسب رضى الأغيار الذين اعتمد عليهم بمباركة وصوله إلى حكم سورية وتوريثه لابنه .

3 ـ وليتيح لهؤلاء الأغيار (الغربيين ، والإيرانيين وذيولهم ، والروس ومطامعهم) مداخلاتهم المعوقة للثورة الشعبية السورية (ثورة الحرية والكرامة) ، محتجين بالمحافظة على الأقليات وتأمين حقوقهم ، وهي الحقوق التي انتهكوها منذ أيام الانتداب الفرنسي ومداخلات بريطانيا المدعية للحرص على حق الإنسان السوري وأقليات الشعب السوري ، بينما في الحقيقة لم تكن تلك المداخلات إلا محاولات استعمارية وأطماع احتلال ، يغطونها بالشعارات الكاذبة منذ انقلاب حسني الزعيم بتخطيط وإشراف أمريكي لإنهاء أي تجربة ديمقراطية في سورية وفي المنطقة . وهذا ما فعله انقلاب 8 آذار 1963م البعثي ، ومن بعده انقلاب الأسد في تشرين الثاني (نوفمبر) 1970 ، بل إن هذا الأخير برز في هذا الميدان بروزاً فاق كل ما مرّ على سورية من تلاعب بالمكونات السورية واتخاذها وسائل لتحقيق الأهداف المشبوهة .. ومنها المطامع الاقتصادية كما بينا آنفاً ، والأهداف السياسية ، وأهمها حماية كيان الصهاينة ، بإبعاد الإسلاميين والوطنيين الشرفاء عن تحقيق أي اختراق باتجاه تسلم السلطات في بلدان المسلمين ، وعلى الأخص في سورية البلد المحوري في المنطقة المحيطة بالكيان الصهيوني .. هذا فضلاً عما يدعم مطامعهم السياسية ، مثل الهيمنة الثقافية ، والابتعاد بها عن دين الأمة وثقافتها العربية والإسلامية ، التي تحفظ تماسكها ووحدتها واستقلال قرارها .

قد وصل الأمر بالنظام الحاكم في سورية برئاسة بشار الأسد أن سلم المصائر السياسية والاقتصادية والعسكرية ، وحتى المجتمعية لإيران الفارسية لإيجاد مرتكزها الأساسي للمشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية ، لتعيث فساداً وتمزيقاً للمكونات السورية العرقية والإثنية والسياسية والثقافية ، وذلك تحت ضغط معضلات إيران التاريخية والمعاصرة المتمثلة بنقاط ثلاث :

1 ـ الإحساس بالتفوق العسكري على الجوار العربي والسني .

2 ـ الإحساس بالعزلة الثقافية عن الجوار العربي بفعل اختلاف اللغة والدين .

3 ـ الإحساس بالكراهية تجاه العرب (والسنة منهم بالذات) (14) . [وهذه الكراهية تنعكس على سلوك إيران الفارسية بإسقاط عقدة الدونية التي تنتابهم تجاه المكون العربي السني ، على حالة من الاحتقار للعرب ومحاولات دائمة مستمرة تاريخياً وعصرياً ، وأكبر شاهد على هذه الحالة التدخل الإيراني في كل من سورية والعراق والآن في اليمن ، ومن قبل في لبنان] ، وفي أثيوبيا وأرتيريا والسودان وكثير من الدول الإسلامية .

ولعل مراجعة بسيطة لمقترح إيران (the grand deal) الذي طرحته على الغربيين ، يوضح مدى اللعب السياسي بالمكونات المجتمعية ، وكذب ادعاء بشار الأسد بأنه حامي الأقليات في سورية ، وذلك عندما أسلم وضعه كله للمشروع الامبراطوري الإيراني الصفوي الفارسي ، الذي ابتعث شرذمة المكونات المجتمعية المذهبية والعرقية والثقافية على أشدها ، وبصيغها الكريهة الحاقدة .

وقد كان طرح الإيرانيين لذلك المقترح عشية الاحتلال الأمريكي للعراق 2003م .

ومما جاء في ذلك المقترح :

ـ تعترف إيران أن أسلحة الدمار الشامل والإرهاب قضيتان مهمتان بالنسبة لها .

ـ تعمل إيران على وقف دعم حماس والجهاد الإسلامي في صراعهما مع إسرائيل ، والضغط عليهما كي توقفا هجماتهما عليها .

ـ دعم إيران لعملية نزع سلاح حزب الله وتحويله إلى حزب سياسي .

ـ فتح البرنامج النووي الإيراني بالكامل أمام عمليات التفتيش الأممي .

ـ تتعاون إيران بصورة كاملة لمواجهة كافة المنظمات الإرهابية .

ـ الاعتراف رسمياًَ بالحل القائم على دولتين فلسطينية وإسرائيلية (15) .

سادساً : مكونات الشعب السوري : واقعاً ومستقبلاً .. ورؤية الإخوان المسلمين بشأنها

أولاً نظرياً :

أ ـ مقتبسات من سيد قطب :

يقول سيد قطب يرحمه الله : " إن في روح الإسلام من السماحة الإنسانية ما لا يملك منصف أن ينكره أو يراوغ فيه ، وهي سماحة مبذولة للمجموعة البشرية كلها لا لجنس فيها ، ولا لأتباع عقيدة معينة ، إنما هي للإنسان بوصفه إنساناً ... وهي روح تمكن له من إقرار السلام في الأرض ، ومن تأليف الأجناس والألوان ، ومن إشاعة السماحة والود والتراحم بين بني البشر ، ومن تنقية جو الحياة من سموم التحاسد الفردي ، والتطاحن الطبقي ، والتناحر العنصري : (العرقي والمذهبي) (16) .

ويقول سيد أيضاً في نبذ الفرقة بين مكونات المجتمع المحلي والبشري :

" وذلك أن الإسلام ينفي ، منذ الخطوة الأولى ، معظم الأسباب التي تثير في الأرض الحروب .. يستبعد الحروب التي تثيرها القومية العنصرية ، وهو يقرر أن الناس كلهم من أصل واحد وأنهم خلقوا كلهم من نفس واحدة ، وأنهم جعلوا شعوباً وقبائل ليتعارفوا .. وهو يأمر بالتعاون على البر والتقوى لا على الإثم والعدوان ، وهو يحرم السلب والنهب والغصب ، وهو يَعِد البشرية كلها بالعدل المطلق ، لا فارق بين جنس أو لون أو عقيدة .." (17) .

ونحن قد بدأنا باقتباس رأي الشهيد سيد قطب في موضوع مكونات البشر وتعامل الإسلام معها ، كي نضع في ذهن الناس أن الإسلاميين الأحرار وفي مقدمتهم جماعة الإخوان المسلمين ، يتعاطون مع المفاهيم التي يعدونها معاصرة بروح القبول والعمل نظرياً وميدانياً ، وفي رأس القائمة الإسلامية بهذا الشأن الشهيد سيد قطب ، وذلك دحضاً منا لما ذهب إليه البعض ، لوضع سيد رحمه الله في خانة التطرف والفكر المغالي .. ، وهو ـ كما أوردنا آنفاً ـ يرد بذاته وببيانه العالي على أولئك الذين هم يسيرون باتجاهين ، اتجاه مغرض ، يريد أن يشكك الناس بالفكر الإسلامي بصورة عامة ، من خلال التشويش على توجهات ومقولات إسلامية خالصة قالها كبار من الإسلاميين مثل الإمام الشهيد حسن البنا ، والمفكر الفذ سيد قطب .

ب ـ مقتبسات أخرى :

قبل أن ننتقل إلى الكلام عن مكونات الشعب السوري ومستقبلها : نود أن نضع الناس في واقع تنظيرات وميدانيات الإخوان المسلمين بشأن تلك المكونات (الأقليات) ومآل التعامل معها عندهم .

أ ـ قال الدكتور عبد المنعم أبو الفتوح : " إن المواطنة أصبحت فرض عين بسبب أن المجتمعات العربية والإسلامية مرتبطة بتماسكها الاجتماعي واستقرارها السياسي ، ولن تحلّ هذه القضية إلا بالتمسك بموضوع المواطنة في ظل الحرية والدساتير والقانون والمساواة أمام القانون " (18) .

ب ـ ويقول الدكتور عصام العريان : " المواطن هو كل شخص ينتمي إلى الوطن بغض النظر عن العرق أو الجنس أو اللون في الدولة الإسلامية ، والدولة الإسلامية دولة تعددية .. والأمة هي مصدر السلطات في الدولة (19) .

ج ـ بتاريخ 21/4/2005 وجه الأستاذ (علي صدر الدين البيانوني) المراقب العام الأسبق للإخوان المسلمين في سورية رسالة ، لتقرأ في منتدى جمال الأتاسي ، مشاركة من الجماعة في إطار الحوار حول الإصلاح في سورية : وقد جاء في تلك الرسالة ما يلي :

" إن الدولة الحديثة : التعاقدية ، والتعددية ، والتداولية ، والمؤسساتية ، هي المظلة التي ترتفع على أساس متين من الإرادة الشعبية الحرة النزيهة ، وهي الشكل الأمثل لبناء سورية الحديثة : دولة أنموذجاً ، وهي المناخ الأفضل لتلاقح الأفكار ، وتشابك السواعد لبناء الوطن وحمايته ، واجتثاث الفساد والتصدي للإفساد .

واعتبر الالتزام بنبذ العنف والمطالبة بنبذه وإعلان الدولة الحديثة مطلباً إجماعياً ، أكدنا ونؤكد مبدأ المواطنة أساساً ومعياراً ، تقوم عليه متلازمتا (الحقوق والواجبات) وحتى لا نبدو منطلقين في تأكيد هذه الحقيقة من مناخ المرحلة الحالية ومقتضياتها ، فإننا نشير إلى المذكرة التي تقدم بها الدكتور مصطفى السباعي مؤسس جماعة الإخوان المسلمين في سورية يرحمه الله إلى لجنة الدستور في المجلس التأسيسي (البرلمان) السوري بتاريخ 8/2/1950 ، التي اقترح فيها إضافة المادة التالية إلى الدستور السوري : (المواطنون متساوون في الحقوق ، لا يحال بين مواطن وبين الوصول إلى أعلى مناصب الدولة بسبب الدين أو الجنس أو اللغة " (20) .

د ـ " المواطنة مفهوم قديم ، يعبر عن الانتماء السياسي لفرد إلى كيان ، وهو غير الانتماء القومي أو الديني .. ولقد كانت وثيقة المدينة المنورة النبوية التي عقدت بين المسلمين من مهاجرين وأنصار من جهة ، وبين قبائل اليهود المقيمة في المدينة ، تأصيلاً شرعياً لهذا المفهوم العصري ، حيث شرعت تلك الوثيقة النبوية الانتماء الوطني .. ويرى الإخوان أن المواطنة أو الجنسية التي تمنحها الدولة لرعاياها قد حلّت محل مفهوم (أهل الذمة) ، وأن هذه المواطنة أساسها المشاركة الكاملة والمساواة التامة في الحقوق والواجبات السياسية والمدنية التي يكفلها الدستور ، وتنظمها القوانين مع بقاء مسألة الأحوال الشخصية .. والحقوق الدينية محفوظة طبقاً لعقيدة كل مواطن " (21) وهكذا يكون العلويون ومعهم كل المكونات الدينية والعرقية في سورية مواطنين لا أقليات ورعايا أو ذميين أبداً . وهذه هي رؤية جماعة الإخوان المسلمين في سورية للمكون العلوي وكل المكونات الأخرى .

ـ ومن بيان جبهة الخلاص الوطني السورية التي كان الإخوان المسلمون في سورية أحد أبرز أعضائها ، نستقي الفقرة التالية :

هـ ـ " إن غاية التغيير المنشود هي : بناء سورية دولة مدنية حديثة يقوم نظامها السياسي على عقد اجتماعي ، ينبثق من دستور ديموقراطي ، يحترم التعددية بكل آفاقها الدينية والإثنية والسياسية والفكرية ، ويقوم على التداول السلمي للسلطة ، ويجعل المواطنة مناطاً للحقوق والواجبات ... وترحب جبهة الخلاص الوطني بكل مكونات وأطياف المجتمع السوري الطامح إلى الحرية والتغيير بالانضمام إليها والعمل ضمن إطار توافقاتها " (22)

وهكذا يمضي الإخوان المسلمون في سورية باعتقادهم : أن المواطنة بمفهومها العصري هي العامل والمفهوم الأهم لجمع الناس وتوافقهم داخل الوطن .

 ويصلح في هذ السياق اقتباس بعض الجمل من كتاب (رؤية الإخوان المسلمين في سورية)

" ـ إن الله عز وجل أقر التعايش بين المسلم وغير المسلم  .

ـ إن قيام الأحزاب السياسية على أسس من برامج سياسية ذات أبعاد عامة أو خصوصية . وكذا الجمعيات أو التجمعات ذات الطابع الإنساني أو الاجتماعي أو البيئي ، كل ذلك سيضع البنى الأساسية للمجتمع المدني الفاعل (وعينهم في ذلك على ما يسمى بالأقليات وعلى الأخص العلويين الذين كثرت الإشارات إليهم) .

ـ نؤكد أن التعددية السياسية هي حقيقة واقعة في أي تجمع إنساني ، كما أنها سمة أساسية لأي دولة حديثة تسعى إلى وجود تنافسي لتحقيق مشروع حضاري عام .

ـ إن التنوع العرقي والمذهبي أوجد في قطرنا (سورية) تعايشاً حضارياً حياً ، على ما فيه من تنوع واختلاف ، وتشكل الشعب السوري من هؤلاء جميعاً (الأكثرية المسلمون السنة ، والطوائف الأخرى : من مسيحيين كاثوليك وأرثوذكس وبروتستانت ، ومن علويين ، ودروز ، وإسماعيليين ، ويزيديين) في تنافس وسباق لخدمة الوطن (23).

ـ وترى الجماعة أن التعامل مع التنوع العرقي والطائفي يقوم على عدة مبادئ :

1 ـ احترام حرية العقيدة (لا إكراه في الدين) .

2 ـ تعميق روح الحوار والتسامح والانفتاح على الآخر وتأكيد أن لكل طائفة الحق في الاحتفاظ بمعتقداتها الخاصة ، وأن يكون لها دورها الوطني الأصيل .

3 ـ تعميق روح المواطنة ، واعتماد مبدأ المساواة في الحقوق والواجبات ، وكذلك اعتماد مبدأ الكفاءة وتساوي الفرص أمام جميع المواطنين للمشاركة في مؤسسات الدولة السياسية والاقتصادية والتعليمية والعسكرية والأمنية (24) .

ثانياً ـ تطبيقات ميدانية عملية :

فيما سبق من سطور وضعنا النقاط على الحروف ، بشأن نظريات الإخوان المسلمين في سورية ، فيما يتعلق بموضوع المواطنة والمساواة والمشاركة المجتمعية وفي صنع قرار الوطن .. وبقي أن نتكلم عن التطبيق الميداني لتلك النظريات ، وهذا هو الأمر الهام وفصل الخطاب ، بحيث لا يبقى سياق العمل الإخواني في حدود التنظير الهام وحسب .

فهل من أمثلة ميدانية ، تضفي على حراك الإخوان في سورية طابعاً جاداً لتنفيذ تنظيراتهم هذه في موضوع المواطنة وعلى الأخص بشأن المكون العلوي ؟

وجواباً على ذلك نقول : نعم .. إن الأمثلة الميدانية العملية من حراك الإخوان السوريين ، الدالة على قناعتهم ومصداقيتهم مع ما نظروه بشأن وحدة الوطن والمواطنين ، والعمل بمفهوم المواطنة ، وما يطرحه من تساوٍ في الحقوق والواجبات وتكافؤ الفرص ، والشراكة الكاملة للجميع تحت شعار : " سورية لجميع أبنائها " ونعود لنؤكد : أنْ نعمْ هناك أمثلة عملية .. سنذكر منها في ورقتنا هذه ما يسند ما ذهبنا إليه من مصداقية الإخوان في طرحهم النظري ، وذلك ليس على سبيل الحصر ولكنه انتقاء لأمثلة وبراهين من ميدانيات إخوانية كثيرة ومنها :

1 ـ دعت الجماعة إلى " عقد مؤتمر وطني شامل لا يستثني أحداً ، ولا يلغي أحداً ، يمثل كل التيارات والأطياف والطوائف والأعراق داخل الوطن وخارجه لبناء الكتلة الوطنية الصلبة ، التي تتحمل العبء الوطني بكل أبعاده " كما دعت الجماعة عملياً إلى الاعتراف (من قبل المجتمعين في المؤتمر الوطني للإنقاذ) بالاعتراف بمكونات المجتمع السوري وخصوصياتها : الإثنية ، والعقائدية ، والمذهبية ، والثقافية ، والسياسية ، في إطار الوحدة الوطنية " (25) .

2 ـ قام مؤسس الجماعة العلامة الدكتور مصطفى السباعي رحمه الله بالدفاع في مجلس النواب السوري عن كل مكونات المجتمع السوري في بداية خمسينيات القرن العشرين وقد نقلنا ذلك في هذا البحث من قبل ، إذ ذكرنا أنه قدم اقتراحاً للمجلس بذلك ، يؤكد حق كل تلك المكونات وتساويها في الحقوق والواجبات والشراكة الوطنية الكاملة .

3 ـ تحالف الجماعة عام 1982م مع جميع مكونات وأطياف المجتمع السوري مشكلين (التحالف الوطني لتحرير سورية) وكذلك كان الحال والتحالف مع جميع الأطياف في مؤتمر الميثاق الوطني عام 2002 ، فضلاً عن اشتراكهم ، في تجمع إعلان دمشق ، الذي ضم كل المكونات المجتمعية السورية العرقية والدينية والحزبية عام 2005 ، وهذا الانضمام من الجماعة إلى كل التشكيلات الوطنية العاملة معاً على النهوض بالوطن والمواطن السوري بكل ألوانه ، إنْ هو إلا دلالة عملية ميدانية على توجه عام لدى الجماعة ، قناعة منها بهذا التوجه الذي بنت له هيكلاً نظرياً رائداً في المواطنة والتعامل مع الآخر الوطني ، علوياً كان أم كردياً أم مسيحياً أم درزياً أم إسماعيلياً أم يزيدياً .. معتبرين أن كل تلك الألوان إنْ هي إلا جماليات في صورة الوطن السوري وخدمته ، وليست أخاديد مقطعة للصورة ، كما فعل آل الأسد بتعاملهم المستغل لبعض المرضى من تلك الأطياف ومنهم السني والعلوي بالذات ، لبث فوضى الطائفية ومدرجاتها المقيتة .

4 ـ دخول الجماعة في قوائم انتخابية موحدة لمجلس النواب في الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين مع المواطنين المسيحيين .

5 ـ ما كان من علاقة طيبة مع الأستاذ " فارس الخوري " وتأييد انتخابه في مجلس النواب ، واختياره لرئاسة مجلس الوزراء ، ودعمه في ذلك أثناء توليه المنصب ومثل ذلك حدث في مصر ، إذ لم يجرؤ أحد على الخروج في جنازة الإمام البنا رحمه الله إلا السيد الأستاذ (مكرم عبيد) ، وكان الإخوان على علاقة جيدة مع الأستاذ الكبير ومع الأقباط المقربين منه (26) .

6 ـ ونذكر بما أوردناه من قبل من دخول الجماعة بفاعلية في المجلس الوطني السوري والائتلاف الوطني السوري ، وهما يجمعان ويضمان أطياف المجتمع السوري ، ومنهم العلوي والكردي والمسيحي والإسماعيلي والدرزي واليزيدي ، وكذلك جميع التوجهات السياسية الحزبية والخاصة ، وهم بذلك برهنوا على أنهم ميدانياً مع تنظيراتهم في فهم المواطنة ، وأنها عمل مشترك يتساوى فيه الجميع بخدمتهم للوطن وصنع قراره ، وبالتعاون الكامل مع الآخر الوطني لإنهاض الوطن ومصلحة المواطن أياً كان لونه أو مذهبه أو اتجاهه .

ثالثاً ـ المكونات السورية ومستقبل الثورة :

إن هناك من يرمي في وجه الشعب السوري وثورته بقصة الأقليات بقصد التشويش على وحدة الشعب السوري ، والتحريض على الثورة وتعطيل تقدمها ، وكذلك بقصد رمي الإخوان المسلمين والحراك الإسلامي بعداوة مع مكونات الشعب السوري وتعدديته السديدة ، فضلاً عن الكيد للحركة الإسلامية التي هي في رأس القائمة التي يكنُّ لها النظام الأسديّ أشد العداء باعتبارها في مقدمة المعارضة لطغيانه ، حيث إن الإخوان والحركة الإسلامية يكنون أشد العداء لمن يخترقون حقوق الإنسان في سورية علناً ، ويعتدون على الإعلان العالمي لحقوق الإنسان ، الذي أقره العالم في منظمته الدولية ، ولسنا بهذا الصدد مضطرين لإيراد تفاصيل اختراق آل الأسد في سورية لكل المواثيق الدولية فهي مدونة لدى الأمم المتحدة ، ومسجلة في أرشيف كل المنظمات الدولية الخاصة بالحقوق ، ومعروضة في جميع وسائل الإعلام . وما على أي إنسان إلا أن يرجع إلى تلك المذكورات ، حتى يجد الهول الهائل من الانتهاكات الأسدية لكل حق من حقوق الشعب السوري ، بدءاً بحق الحياة ، وانتهاء بحق المرور والحركة والحصول على الوثيقة ، ومروراً بحقوق المواطنة جميعها ، وحتى الصدق في قول الحقيقة ، واحتكار وسائل الإعلام وملؤها بالأكاذيب عن حماية النظام للأقليات ، بينما الواقع والميدان يقول : إن هذه العصابة لم تكن في يوم من الأيام إلا معتدية على الأقليات وليسأل الناس " جورج صبرة " و " عارف دليلة " وزعماء الدروز ومن اغتالوهم معنوياً من الإسماعيلية سامي الجندي وغيره ، وجسدياً : عبد الكريم الجندي وغيره .

الخلاصة :

 إن الثورة السورية احتدم أوارها وراهن شعبها على قضايا افتقدها شعب سورية منذ خمسين سنة على يد الطغاة ، ونخص بالذكر منهم آل الأسد الذين شكلوا (المافيا) الأخيرة ، حيث قامت على أسس تخريب سورية وقتل كل شيء جميل فيها ، وعلى الأخص ؛ التفاهم والتجانس والتعايش غير المسبوق بين مكونات هذا الشعب الكريم .

لقد حاول آل الأسد أن يدسوا أنفسهم في المكون العلوي دساً مفتعلاً  (27) مستغلين فقر هذا المكون الشعبي السوري وأحد خيوط نسيجه ، من أجل تثبيت كراسيهم في الحكم ، وادعاء أن لهم عزوة وتاريخاً وموقفاً محسوباً على الأرض السورية ، إلا أن كثيراً من شرفاء هذا المكون لم يخرجوا عن إجماع الشعب السوري وثورته المطالبة بوحدة المكونات السورية وبالعدل والمساواة والحرية والكرامة للجميع (مشاركين في ثورة الحرية والكرامة 2011م) وهم بذلك كشفوا تآمر النظام الأسدي على وحدة وانسجام مكونات الشعب السوري ، وكذلك على جغرافية الوطن السوري بالاتفاق مع الصهاينة على تسليمهم أرض الجولان مقابل الاعتراف لهم بحكم سورية (28) .

واشتغل آل الأسد خلال حكمهم منذ عام 1966م وحتى هذه اللحظة على بث الفرقة والشرذمة بين مكونات الشعب السوري ، حيث اضطهدوا المكون السني والمكون الكردي ، وحابوا المكون الدرزي تارة وأقصوه تارة أخرى .. هدموا مساجد السنة في حماة ودمشق ودرعا وحلب وغيرها ، وأغاروا على المكون الدرزي في مكمنه (السويداء وشهبا) وغيرهما من مدنهم في جبل العرب . وهادنوا المكون المسيحي بعض الوقت ، وجافوه أخرى ، قتلوا عبد الكريم الجندي من المكون الإسماعيلي وهو من قيادات انقلاب 8 آذار 1963م ، وأبعدوا سامي الجندي من المكون نفسه ، الذي كان عضو القيادة القطرية وأحد أبرز وزراء البعث ، فجعلوه سفيراً لحكمهم في فرنسا ليكون بعيداً عن سياساتهم العميلة التي انتقدها (29) .

لم يسكت الشعب السوري على المافيا الأسدية وفسادها وإفسادها ،بل اعترض على هذه السياسات أكثر من مرة ،كان أجرأ تلك الاعتراضات ثورة الثمانينات التي قمعها النظام الأسدي بكل وحشية واستهانة بحقوق الناس ، وقد سكت الغرب على جرائمهم في ذلك الوقت ، نظراً لأن الأسديين دخلوا بقوة في أجندة الغرب .

وظن الناس أن شاباً جاء من جامعات الغرب سوف يغير ويبدل ، إلا أنه بعد أن ثبت أقدامه لبس جلباب أبيه وعمم شعار (التغيير مع الاستمرار) ووضع في مواجهة تحرك المجتمع المدني الخطوط الحمراء التي يحاكم ويسجن من يتجاوزها ، ومن أهم تلك الخطوط : انتقاد حكم أبيه ، والكلام على الأجهزة الأمنية والجيش والحزب .

وتفاقمت حالات استقطاب المكونات السورية ، ومنح المكون العلوي (من الموالين والداعمين لفساد آل الأسد ، المستفيدين مالياً وهيمنة داخلية) كل الامتيازات ،مع فسحة بسيطة لمكونات أخرى (بعض المتسلقين) من سنة وكرد ودروز .. وغيرهم ، وعم الفقر والخوف من البطش كل أنحاء البلاد ... إلى أن هبّ الناس بدءاً من حوران جنوب سورية ثم امتدت ثورة الحرية والكرامة مبتغية ـ بسلمية كاملة ـ الإصلاح والتغيير السلمي .

 وواجه بشار الأسد وأركان نظامه دعوة الإصلاح السلمية التي اشترك فيها جميع مكونات الشعب السوري (30) بالحديد والنار ، واستمر القتل بالشعب السوري المسالم الذي ظل يخرج إلى الساحات والشوارع والقرى والبوادي يطالب ، بسلمية ، بحريته وكرامته متحدياً الرصاص والقنابل بصدور عارية مدة سبعة شهور.

ومن الوسائل التي حاول النظام الأسدي استخدامها للتخذيل عن الثورة ، ادعاء أن الثورة إرهابية ، وأنها ضد الأقليات ، وأنها تمزق الشعب ، وذلك في عملية إسقاط استخدم فيها المكون العلوي السوري أبشع استخدام ، إلا أن المكونات الأخرى كانت استجابتها لهذه الدعاية البائسة معدومة أو ضعيفة على الأقل ، وقد وقف العديد من شخصيات المكون العلوي مع الثورة والثوار .

أما المجتمع الدولي (الغرب) فقد تجاوب نوعاً ما مع " بروبغندا " المافيا الأسدية ، إذ وجدها تخدم أهدافه في التشويش على الثورة وتعويق خطاها ، عندما اكتشفوا أن الثورة السورية تتوج بالحق الإسلامي المعتدل ، الذي تبناه الإخوان المسلمون منذ عقود ، وبنوا خطاهم العملية السلمية على ذلك منذ تأسست الجماعة عام 1945م . ويطيب لنا هنا أن نتطرق إلى تلك الخطوات الميدانية العملية ، التي خطاها الإخوان ، وبرهنت على أنهم ليسوا قوّالين وحسب بل وفاعلين عمليين ، ومن ذلك : تمسكهم بالثوابت الوطنية التي تبناها الشعب السوري ، وشاركوا في كل الخطوات العملية لتحقيق تلك الثوابت والتطلعات ، فانضمت إلى كل التجمعات الوطنية السياسية العاملة على التغيير والإصلاح ، من مثل : التحالف الوطني لإنقاذ سورية في الثمانينات ، والمجلس الوطني عام 2011م ، والائتلاف الوطني عام 2012م ، كما شاركوا الثوار العمل بكل أشكاله وأنواعه وشكلوا حزب (وعد) عام 2013م انضم إليه كل فئات المجتمع السوري ، ومن قبل شاركت الجماعة منذ تأسيسها عام 1945م في انتخابات عام 1947 و 1949م وفي الانتخابات التكميلية 1957م في دمشق ، وأيدوا انتخاب عملاق السياسة السورية (فارس الخوري) في مجلس النواب ورئيساً لوزراء سورية.

الهوامش :

(1) إن تصريحات بشار الأسد ووليد المعلم وبثينة شعبان مليئة بمثل هذا الادعاء على مدى الأربع سنوات التي مضت .. وهي كثيرة تراجع في أرشيف كثير من الوسائل الإعلامية .

(2) من كتاب " المدنية الإسلامية " ص 27 ط1 منشورات المركز العربي 1013 ، للأستاذ الدكتور عبد الرزاق باشا السنهوري رحمه الله .

(3) كل التعريفات ومعانيها القاموسية مأخوذة من (arabdict) قاموس عربي عربي منشور في (facebook)

(4) arabdict مصدر سابق .

(5) من كتاب تقرير منظمة الشرق الأوسط عن انتهاكات حقوق الإنسان في سورية ص186 .

(6) المصدر السابق ص192 ـ 193 .

(7) المصدر السابق ص189 بتصرف لا يؤثر على الأصل .

(8) المصدر السابق من الصفحات 200 ، 201 ، 202 بتصرف لا يؤثر على الأصل .

(9) المصدر السابق ص193 بتصرف لا يؤثر على الأصل .

(10) المصدر السابق ص193 .

(11) جريدة تشرين 2/3/1990م .

(12) كتاب (القضية السورية) ص87 ط1 / دار اليقظة ـ بيروت 2003 .

(13) من كتاب (سورية مزرعة الأسد) د. عبد الله الدهامشة ص15 ناقلاً عن كتاب محمود شاكر (في التاريخ الإسلامي) .

(14) د. عبد الله النفيسي ـ مقال في مجلة المجتمع ـ تحت عنوان (المشروع الإيراني في المنطقة العربية والإسلامية العدد 2076 ذو الحجة 1435 هـ (أكتوبر 2014م) . ما بين الأقواس تعليق .

(15) المصدر السابق .

(16) سيد قطب / كتاب السلام العالمي والإسلام / ص184 ط1 دار عمار عمان 2014 م وكان الكتاب قد طبع قبل عام 1951 دار الكتاب العربي ـ مصر ، ثم طبع الكتاب بعدها مرات ومرات .

(17) المصدر السابق ص35 /36 .

(18) (19) د. عبد المنعم عضو مكتب الإرشاد السابق لجماعة الإخوان المسلمين في مصر من كتاب (التعددية وحق الاختلاف من منظور إسلامي ص349/350 للدكتور : " رائد نعيرات " أستاذ العلوم السياسية ـ جامعة النجاح / نابلس ) .

(20) من كتاب (مصطفى السباعي الداعية المجدد) للدكتور عدنان زرزور ط1 2000م ، منشورات دار القلم دمشق ص244 .

(21) من كتاب (المشروع السياسي) ص48 .

(22) من كتاب (وثائق سورية (1)) ، إصدار مركز الشام للدراسات والمعلومات ص317/318 .

(23) المصدر السابق ـ صفحات من 40 إلى 58 .... فقرات منتقاة

(24) نفسه ص91 ـ 92 .

(25) من بيان الجماعة تحت عنوان (النداء الوطني للإنقاذ) في 3 نيسان (إبريل) 2005 نقلاً من كتاب وثائق سورية (1) ص269 ـ 270 .

(26) كل هذه الأمثلة التي أوردناها ذكرها بيان الجماعة على طريق الحوار الوطني (2) تحت عنوان (التكوين المجتمعي السوري والمسألة الطائفية 19 مارس 2006 آذار .

(27) راجع في هذا الموضوع كتاب " العائلة الأسدية " للكاتب (محمد السيد) طباعة "مركز أمية " 2014

(28) راجع كتاب سامي الجندي " كسرة خبز " وكتاب " العائلة الأسدية " حيث يثبت الكتابان بالدليل قيام حافظ الأسد بهذا الاتفاق .

(29) راجع كتاب الأستاذ عدنان سعد الدين " الإخوان المسلمون في سورية " مجلد 3 صفحات 57 وما بعدها وراجع لكتاب " فان دام " القيم " الصراع على سورية " بكل صفحاته .

(30) ارجع إلى بيان الـ 99 وبيان الـ 1000 .. وانظر في أسماء الموقعين لتعلم أن الشعب السوري بأكمله كان مع دعوة الإصلاح والتغيير السلمية .

وسوم: العدد 674