فتح ملف العلماء زمن الابتلاء
علماء كبار، عباقرة أفذاذ قلما تحظى الامم بأمثالهم.
مفكرون روّاد ظلمهم الواقع المتخلف للشعوب والحاكمين على حد سواء.
من هؤلاء «عبدالرزاق السنهوري» اكبر عقلية قانونية عرفها العرب والمسلمون في العصر الحديث، والذي اعتبره بعضهم إماماً مجدّداً بعد الأئمة الاربعة، صاحب الكتب الموسوعية في القوانين المدنية، والمقالات العلمية الرصينة التي سدّدها الى دعاة التغريب، مدافعاً بها عن شخصية أمتنا، وسبقها التشريعي وتميّزها.
هذا العالم الجليل تم اقتحام مكتبه في القاهرة وضُرب بالاحذية وأُهين من قبل من عميت منهم القلوب، وكان ذلك بدعوى «الثورية» و»القومية» وما شئت من دعاوى.
ومن هؤلاء العلامة «محمد باقر الصدر» اذكى عقل مسلم عرفه العراق، وقد قتلته الجهالة التي أحكمت طوقها على الحاكم والمحكوم في بلد الرافدين، فكان قتله خطأ كبيراً إن لم يكن جريمة أغرت بها أنفس ضيقة وعقول مريضة غالباً ما تحيط بالحاكمين في الزمن الضغين.
ومن هؤلاء المفكر المسلم الكبير «سيد قطب» صاحب كتاب «السلام العالمي والاسلام» وصاحب تفسير الظلال الذي قتلته الجهالة التي احكمت طوقها حول اهل الحكم في ارض الكنانة.
ومن هؤلاء المفكر المسلم الدكتور محمد سعيد رمضان البوطي صاحب كتاب «اوهام المادّية الجدليّة» الذي قتل في دمشق وهو يلقي دروسه في المسجد على طلبة العلم.
ومن هؤلاء الشيح الدكتور صبحي الصالح الذي تم اغتياله في بيروت وكانت بلاده احوج ما تكون اليه والى امثاله من العلماء المستنيرين.
ومن هؤلاء الدكتور حسين الذهبي صاحب كتاب التفسير والمفسرون والذي ناظر الغلاة اصحاب التكفير وأبطل دعاواهم فكان جزاؤه القتل في مصر العزيزة.
هؤلاء جميعا قتلتهم زُمرٌ ظالمة في ظروف ملتبسة وأيامٍ حُسومٍ التبس فيها الحق بالباطل، وذهل الحاكم والمحكوم فيها عن عقولهم، وتقلبت مصاير الامة بين ايدي اعدائها المتربصين بها.
وكان امرُها بوراً في مجمله، ولم يكن ثمة من يعرف حقيقة ما يجري في بلاد العرب والمسلمين، وما عاد يأتينا بالاخبار إلا وكالات انباء الحكومات، وناهيك بها مصدراً غير موثوق، او وكالات الانباء الاجنبية وما يرسمه لها دقاقنة الغرب والصهاينة من اهداف ومهمات، حتى صار واقعنا غُمة علينا، لا نستبين منه شيئاً يمكن استيقانه، وحتى ضُرِبَ على وعينا السياسي بالاسداد، وحتى مُكن فينا مغامرو الفكر والسياسة وصنائع اعدائنا، وحسبك بذلك كله مدرجة للضياع على كثرة الشعارات واللافتات والدعاوى والأكاذيب.
إن لهؤلاء الاعلام الذين قُتلوا وعُذبوا وأُهينوا أيادي سلفت على امتنا، وإن من حقهم ان نستذكرهم وان نستذكر ما قدّموه، في انعطافة لا بدُ منها نحو اعادة النظر فيما خُدعنا به عن انفسنا من تهاويل، او نحو نقد شمولي لما كان منا، حكاماً ومحكومين في هذا الليل الثقيل الطويل الذي ناء بكلكله على العرب والمسلمين أحقابا.
وسوم: العدد 674