ليليان داوود: هل وجدتم ما وعدكم العسكر حقا؟!

لم أتعرف تلفزيونيا على ليليان داوود، إلا مؤخراً رغم أنها قضت ست سنوات مذيعة في الـ «بي بي سي»، قبل أن تنتقل إلى قناة «أون تي في» مع ثورة يناير!

كان ما لفت انتباهي إليها هي حملة رموز النظام البائد عليها، والذي لم يعد بائداً بعد الثورة المضادة في 30 يونيو. فالمذكورة حلت عليها اللعنة لأنها دافعت عن المعتقل «علاء عبد الفتاح» وإخوانه، الذين سبق وأن شاركوا معها في التمهيد لحركة ضباط الجيش في 3 يوليو، وقد ظنوا أنهم شركاء في الحكم، فاستيقظوا على قبضة العسكر توقظهم من غفلتهم، فلم يكونوا سوى غطاء مدني لحكم العسكر، وكانوا في مشاركتهم كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون!

لم أعثر على مؤيد لحكم السيسي لديه قدرة على الجدل والنقاش، أو يتمتع بالحد الأدنى من الأدب، فعند النقاش تفاجأ بانفجار في «ماسورة الصرف الصحي»، ربما لهذا يعتبر السيسي أن مشروعه القومي الجديد هو تحلية مياه الصرف الصحي بعد نقص مياه النيل من جراء «سد النهضة»، الذي وقع هو على بنائه، دون أن يضمن الحفاظ على حصة مصر التاريخية من المياه.

وكان طبيعياً أن يحتشد «رجال السيسي»، ويقوموا بلعن «ليليان داوود»، واتهامها بالخيانة، وهو لون من الانحطاط، ليس له سقف، لأنهم يواجهون أولاً امرأة لا يمكن أن تنزل لمستواهم، وقد هزموا الراقصة «سما المصري» مع أنها من ذات فصيلتهم ودفعوها للاعتذار لهم، هذا فضلاً عن أن ليليان غريبة في مجتمع العسكر، الذي لا يجبر كسراً ولا يستر ضعفاً!

عندما تابعت المذيعة المذكورة، لفت أداؤها الرصين انتباهي، فلأن برنامجها اسمه «الصورة الكاملة»، فهي تناقش موضوع حلقتها من كل الزوايا والأبعاد، ويبدو أنها تحاول أن تقدم عملا إعلاميا جادا، في محيط من الإسفاف، تحولت على إثره البرامج التلفزيونية في مصر، إلى مستنقع يمثل خطراً على أخلاق الناشئة، ويقدم «عاهات مستديمة» على أنها تمثل نماذج إعلامية هي القدوة!

بدا لي أنها رصانة عن طبع وليست نتاج تربية، فمدرسة الـ «بي بي سي» التي قدمت منها ليليان لم تعد تحتفظ بتقاليدها القديمة، التي صنعت اسمها، فضلاً عن أن الممارسة أثبتت أن «الطبع غلاب»، يقولون إن راعيا جاء بذئب بعد مولده مباشرة، ليعيش وسط غنمه وقد اتخذ له أماً من بينها، يرضع من ثديها، فلما كبر فوجئ الراعي به وقد أكل هذه الأم التي تبنته، فسأله حزيناً: ومن أنبأك أن أباك ذئب، ثم أنشد:

إذا كان الطباع طباع سوء/ فلا أدب يفيد ولا أديب!

وقد شاهدنا بعضاً ممن عملوا في قنوات تلفزيونية هي مدرسة في الرصانة، كيف تنحدر بهم الحال بانتقالهم إلى الفضائيات المصرية في عهد الإنقلاب العسكري، وكيف نسوا كل ما تعلموه، وصاروا عناوين للابتذال الإعلامي، فمن يصدق مثلاً أن لميس الحديدي، أستاذة الردح الشعبي، كانت تعمل مراسلة لقناة «الجزيرة» من مكتب القاهرة؟!

ركوب الثورة

عندما كتبت مشيداً بليليان داوود في بضع كلمات، ذكرني البعض بأنها كانت من فيلق الإعلاميين الذين ساعدوا الثورة المضادة في أن تتمكن من ثورة يناير، وساهموا في الإجهاز على المسار الديمقراطي، وإعادة نظام مبارك، الذي فشل في توريث الحكم لابنه من صلبه، فكان التوريث لابنه بالتبني «عبد الفتاح السيسي»!

كان طبيعياً أن أتفهم هذا، فالمذكورة لم تكن تعمل في الـ «سي أن أن»، ولكنها تعمل في «أون تي في» وصاحبها رجل الأعمال المنتمي لحكم مبارك، وقد ركب الثورة، بالشكل الذي كشفه علاء الأسواني في سلسلة مقالات في «المصري اليوم»، وبدا أن الحكم الإخواني لن يمكنه من التهرب من دفع الضرائب المستحقة عليه، فشارك في المؤامرة عليه، ولا يمكن إغفال البعد الطائفي في الموضوع.

لقد أبدت ليليان سعادتها بأنها أعلنت على الهواء مباشرة سقوط الديكتاتور محمد مرسي، واعتبرت أن هذا مجد مهني يحسب لها، لكن تقدرون فتضحك الأقدار، فقبل أن تحتفل المذكورة بالذكرى الثالثة لهذا الانجاز المهني الهائل بعد أيام عدة، كانت قوة أمنية تقتحم منزلها، لتأخذها عنوة من منزلها في القاهرة، إلى المطار، فقد ساهمت في إسقاط ديكتاتور، لم ينكل بأحد من خصومه، وترك الإعلام يتطاول عليه، ولم ينكل بإعلاميي الثورة المضادة وهم يقومون باهانته، ليجرؤا العامة عليه، ولم يسجن منهم أحداً، وترك ليليان في مصر تعامل معاملة المصريين، فلم يسىء إليها إخواني بشطر كلمة، ومع ذلك فالرئيس محمد مرسي عندها ديكتاتور، وقد صبرت ونالت لتعيش لحظة إعلانها سقوطه على الهواء مباشرة!

ليليان وصفت محمد مرسي بـ «الديكتاتور» وغيرها وصفه بـ «الطاغية»، دون أن يقدموا حيثيات لهذا الوصف، لكن كان عليهم أن يعرفوا معنى الحاكم «الديكتاتور» و«الطاغية»، الذي لم يتحمل كلمة أو إشارة، فقد تم أخذها من الدار إلى المطار مع أنها وبنص كلامها: «لم أنتقد الرئيس السيسي ولم أتهجم عليه»، وهي بذلك تبدو في دهشة، وهي تقول عبر «سي أن أن»: «لم أتوقع ترحيلي من مصر بهذه الطريقة»!

المتصدق بقفاه

ملامح ليليان داوود تكشف عن شخصية «طيبة القلب»، و»طيبة قلبها» وراء دهشتها وعدم توقعها عدم ترحيلها من مصر بهذه الطريقة، فاتها أنها لا يكفي أن تمنع لسانها عن «العسكري» حتى تأمن بطشه، كما لو كانت تمن عليه بالصمت، ولو قرأت «سوابق القوم» لما أصابتها الدهشة، فقد كان «عبد الناصر» يعتقل المقربين منه فقط ليثبت أنه الرئيس كما فعلها مع «إحسان عبد القدوس»، الذي مهدت حملة ما سمي بـ «الأسلحة الفاسدة» في حرب 1948، في التمهيد لحركة ضباط الجيش في سنة 1952، ودخل الأديب الكبير السجن وهو يخاطب ناصر بـ «جيمي» وخرج منه وهو يخاطبه بـ «سيادة الرئيس» مما جعله في نشوة وهو يقول له «السجن غيرك كثيراً يا إحسان»!

ولماذا نذهب بعيداً، وأمامنا تجربة حية هي تجربة زميلها في المحطة التلفزيونية نفسها يوسف الحسيني، الذي جعل خده مداساً للعسكر، وتصدق بقفاه لإثبات الحب العذري، فضرب عليه مرات عدة في كل مرة سافر مع السيسي للخارج.

وفي قضية «تيران» و«صنافير» فإن الحسيني تصور أن في إمكانه أن تكون له وجهة نظر مختلفة فاستضاف الوزير السابق حسام عيسي، الذي ظن أنها فرصة مواتية ليغسل العار الذي لحقه من قبوله العمل في خدمة العسكر، فكان كالمنبت الذي لا أرضاً قطع ولا ظهراً أبقى، فلا هو أبقى على سمعته الطيبة القديمة في الوسط السياسي، ولا العسكر أبقوا عليه وزيراً.

لقد دارت الحلقة حول مصرية الجزيرتين، لكن تكمن المشكلة في أن الحسيني و«صحبه» لم يصدقا أن السيسي هو من فرط في أرض مصرية مع سبق الإصرار والترصد، وظن الحسيني و«ضيفه»، إنها قضية تحتمل وجهات النظر، فتم فصله من القناة!

ولو استوعبت ليليان داوود هذه الرسالة، لما قالت إنها لم تتوقع ترحليها من مصر بهذه الطريقة، وهي التي لم تنتقد الرئيس السيسي أو تتهجم عليه. ولماذا لم تنتقده، وما هي الاتهامات المنسوبة إلى الرئيس محمد مرسي ولم يرتكبها السيسي فعلاً، حتى يكون من الطبيعي التطاول على مقام الرئيس المنتخب، و«الأدب الفلبيني» في حضرة عبد الفتاح السيسي؟!

وهناك رسالة أخرى كانت واضحة، لكن يبدو أن جهاز استقبال الرسائل لدى ليليان معطل، فلم يستقبلها، وهي الخاصة بزميلتها أيضاً في القناة نفسها ريم ماجد، التي قررت الظهور بعد غياب ببرنامج عن المرأة بعيداً عن الاشتباك مع الأحداث السياسية، لكن القرار الأمني تدخل وأوقف البرنامج، وريم ماجد لم تنتقد الرئيس السيسي ولم تتهجم عليه، ونزلت في 30 يونيو للشارع، ضد الرئيس مرسي فلم تكتف بدورها في تشويهه والتمهيد لحكم العسكر!

كل ما فعلته ريم أنها احترمت نفسها، فبعد الانقلاب بدا كما لو كانت قد استردت وعيها المفقود، ووقفت على أن النظام الجديد لن يحتمل «نفساً معارضاً» فتوقفت عن العمل من تلقاء نفسها، لكن تكمن المشكلة في أنها ظنت أنها في ظل حكم العسكر هي سيدة قرارها، تتوقف وتعود، وهذه هي المشكلة!

عساكر مراسلة

فبعض الإعلاميين ظنوا لسابقة أعمالهم ضد الرئيس المنتخب أنهم شركاء في الحكم الجديد، ولم يستوعبوا رسالة التسريبات، التي حددت نظرة العسكر لهم؛ فهم ليسوا أكثر من «عساكر مراسلة» يعملون في خدمة الضباط ويقضون حوائج زوجاتهم، فالتسريبات نقلت هذه النظرة على لسان سكرتير السيسي وهو يتحدث معه فـ «الواد الحسيني» و»البت لميس»، وإذ ظنت ليليان أنها تستطيع أن تحمي وجودها بعدم الاقتراب من السيسي، فقد نسيت أن هذا ليس جميلاً يضعه العسكر في اعتبارهم، فقد تمردت بحرصها على أن تبدو موضوعية على التقاليد التي تحكم عمل الجواري في بلاط الأنظمة الديكتاتورية فعلاً، وليست في نظام الديكتاتور محمد مرسي!

لست شامتاً ورب الكعبة، لكن من يرى غير ذلك فأنا أقطع عليه طريق المزايدة وأعلن إني شامت!

وسوم: العدد 675