عقل المرأة وعقل الرجل قضية حيرت العقول

د. أحمد محمد كنعان

لقد شاءت حكمة الخالق عزَّ وجلَّ أن يخلق البشر متفاوتين في قدراتهم العقلية كما جعلهم متفاوتين في قدراتهم البدنية ، وهذه حقيقة معروفة ومشاهدة تثبتها الوقائع اليومية والبحوث العلمية. 

والعقل وظيفة من وظائف المخ ، ومن ثم فإن قدرة العقل ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالمخ ، ولاسيما حجم المخ ، ولكن ( حتى عندما يتساوى حجم المخ بين شخص وآخر فإن أجزاء مخ كل منهما تتفاوت في قدرات وظائفها، ففي أحد الأمخاخ قد يكون الجزء المرتبط بالذاكرة البصرية كبيراً ونشيطاً، ويكون في مخ آخر متوسطاً، ويكون الجزء المخصص لتخزين الأصوات نامياً نمواً كبيراً، وفي مخ آخر قد يكون الجزء المرتبط بإدراك الفضاء والحاضر والمستقبل أكبر من الأجزاء المناظرة في أمخاخ أخرى ، وقد يكون المخ مهيأ لاستقبال إحساسات فياضة أكثر من غيره من الأمخاخ !!

 وقد وردت الإشارة إلى تفاوت العقول البشرية في الحديث القدسي الذي جاء فيـه أن الملائكة قالت : (( يا ربنا ، هل خلقتَ شيئاً أعظمَ من العرشِ ؟ قالَ : نعم ، العقل . قالوا : وما بَلَغَ من قَدْره ؟ قال : هيهات ، لا يُحَاطُ بعلمه ، هل لكم علمٌ بعدد الرمل ؟ قالوا : لا . قال الله عزَّ وجلَّ : فإني خلقتُ العقلَ أصنافاً شتى كعدد الرمل ، فمن الناس من أعطي حبةً ، ومنهم من أعطي حبتين ، ومنهم من أعطي الثلاث والأربع ، ومنهم من أعطي فرقاً ، ومنهم من أعطي وسقاً ، ومنهم من أعطي أكثرَ من ذلك )) .

 وفي تفاوت العقول بين الناس حكمة إلهية جليلة ، لأن التفاوت في القدرات العقلية يعني التفاوت في القدرات الأخرى ، وهذا ما يجعل كل إنسان يمارس عملاً يتناسب مع قدراته العقلية ، وبذلك ينشأ التخصص في المجتمع ، ويتوافر لكل مهنة من يقوم بها حتى تتكامل مصالح العباد ، فنجد من الناس مثلاً من استطاع أن يخترع الصاروخ العملاق، ونجد منهم من لا يستطيع إلا شدّ واحد من براغي الصاروخ !!! وقد عبر القرآن الكريم عن هذه الحقيقة بقوله تعالى : (( أهُمْ يَقْسمونَ رحمةَ رَبِّكَ ، نحنُ قَسَمْنا بينهم معيشَتهم في الحياةِ الدنيا ، ورفعنا بعضَهم فوقَ بعضٍ درجاتٍ لِيَتَّخِذَ بعضُهم بعضاً سُخْريَّاً ، وَرَحْمَةُ رَبِّكَ خيرٌ مما يَجْمَعونَ )) سورة الزخرف 32 .

 ويعتقد أكثر العلماء اليوم أن هذا التفاوت في القدرات العقلية بين البشر لا يعود بالضرورة إلى التفاوت في حجم الأدمغة بين الناس ، بل يرتبط بعوامل أخرى معقدة ، لم يضع العلم يده على أسرارها بعد، فعلى سبيل المثال كان مخ عالم التشريح المقارن "جورج كوفييه" العبقري الموسوعي يزيد على (1880سم3 ) أي ما يزيد بمقدار رطل كامل تقريباً عن المتوسط ، في حين أن مخ "أناتول فرانس" وهو من أعظم أدباء فرنسا في أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين ، لم يتجاوز ( 1100سم3 ) وهو ما يقل عن المتوسط بأكثر من نصف رطل ! ) إلا أن مثل هذه المقارنة غير دقيقة من الناحية العلمية لأن هذين العبقريين كانا يعملان في حقلين مختلفين تماماً ، أحدهما يعتمد على الذاكرة والحفظ والمقارنات الدقيقة ، أما الآخر فيعتمد على التأمل والخيال والأحاسيس الرقيقة والعاطفة ! ومن ثم فإن مسألة الربط بين حجم الدماغ وقدراته العقلية تبقى بحاجة إلى المزيد من البحث العميق والدراسة المتأنية، علماً بأن معظم المشاهدات والبحوث التي أجريت حتى الآن تشير إلى وجود علاقة بين القدرات العقلية للشخص وحجم دماغه ، ولاسيما مساحة قشرة الدماغ ، علماً بأن للعوامل الاجتماعية والتربوية والبيئية تأثير لا ينكر في تنشيط القدرات العقلية أو تثبيطها ، وهذه ملاحظة تثبتها الوقائع، فكم رأينا من أطفال متوقدي الذكاء قد خمدت قدراتهم العقلية بعد حين لأنهم لم يجدوا البيئة المناسبة لتفعيل تلك القدرات ، وكم رأينا بالمقابل أطفالاً لا تبدو عليهم مخايل الذكاء وإذا بهم بعد حين قد حصَّلوا أعلى الدرجات العلمية عندما توافرت لهم المحاضن العلمية المناسبة ، وقد لفتت هذه الملاحظات انتباه المختصين بالتربية وعلم النفس فراحوا ينشئون مراكز متخصصة لاحتضان الموهوبين ، وتوفير البيئة المناسبة لهم ، للاستفادة من طاقاتهم العقلية الفذة في دفع عجلة التقدم العلمي والحضاري .

عقل الرجل وعقل المرأة :

 وإذا كان تفاوت العقول بين الناس أمراً مُشاهَداً وملموساً ومسلَّماً به من قبل الجميع ، فإن هناك تفاوتاً آخر مازال يثير الكثير من الجدل ، بل الصيحات الصاخبة في أكثر الأحيان ، ونعني به ذلك التفاوت بين عقول الرجال وعقول النساء ، وهي مسألة قديمة ربما تعود إلى بدايات العلاقة بين الذكر والأنثى في التاريخ البشري ، وقد تحدث عنها الفلاسفة طويلاً منذ القدم ، واختلف فيها أهل الأديان ، حتى إن بعضهم لم يكتف بنفي العقل عن المرأة بل راح يجادل فيما إذا كانت طبيعة المرأة نفسها إنسية أم حيوانية أم شيطانية !؟

 أما الإسلام فقد حسم هذه المسألة بوضوح لا لبس فيه ، إذ جعل المرأة صنو الرجل في الكرامة الإنسانية ، وأعاد لها حقوقاً كثيرة ظلت لأمد طويل محرومة منها في عصر الجاهلية قبل الإسلام، وكلفها بالتكاليف الشرعية نفسها التي كلف بها الرجل ، بل زاد في تكريمها فأعفاها من بعض التكاليف التي لا تناسب جبلَّتها ، كالجهاد الذي يتطلب القوة والخشونة ، لأن جبلة المرأة تميل إلى الرقة والحنان والعاطفة فلا تستطيع القيام بهذه التكاليف على الوجه الذي يستطيعه الرجل .

 غير أن هذه المسألة كثيراً ما يساء عرضها من قبل بعض الباحثين الذين لا يدركون مقاصد الشريعة إدراكاً عميقاً ، فيحسبون أن بعض نصوص الكتاب والسنة تقلل من شأن المرأة ، وتعتبرها أدنى درجة وأضعف عقلاً أو فهماً من الرجل ، ويستندون في هذه الدعوى إلى بعض النصوص التي جعلت شهادة المرأة مثلاً نصف شهادة الرجل (( .. فإن لم يكونا رجلين فرجلٌ وامرأتان ممن ترضون من الشهداء أن تضلَّ إحداهما فتُذَكِّرَ إحداهما الأخرى )) سورة البقرة 282 ، والنصوص التي جعلت ميراثها نصف ميراثه (( للذَّكرِ مثلُ حظِّ الأُنْثَيَيْنِ )) سورة النساء 11 ، والنصوص التي جعلت القوامة للرجال على النساء ( الرِّجالُ قَوَّامونَ على النِّسَاءِ بما فَضَّلَ اللهُ بعضَهم على بعضٍ وبما أنْفَقُوا من أموالِهم .. الآية )) سورة النساء 34 ، وغير ذلك من النصوص التي تُفَرِّقُ بين النساء والرجال.

 وعلى الطرف الآخر يبلغ الشطط ببعضهم أن ينكر جملةً وتفصيلاً وجودَ أية فوارق بين الرجال والنساء ، ويزعم أن لو أتيحت للمرأة نفس الظروف التربوية والاجتماعية والبيئية التي أتيحت للرجل لكانت على قدم المساواة مع الرجل في شتى الميادين بل ربما نافسته في كثير من الميادين التي يسرح اليوم فيها ويمرح على حساب المرأة التي مازال يهضم حقوقها !؟

 وقبل مناقشة هذه المواقف التي لا يخفى ما فيها من شطط في هذا الطرف أو ذاك ، لابد من التذكير بأن التفاوت بين عقول البشر ـ رجالاً ونساءً ـ لا يعني التفاوت في الدرجات عند الله عزَّ وجلَّ ، فإن للدرجات في ميزان الله عزَّ وجلَّ مقياساً آخر يقوم على العمل الصالح والنية الخالصة لله عزَّ وجلَّ ، لا على الذكورة والأنوثة ، كما بيَّن الله عزَّ وجلَّ في مواضع عدة من كتابه الكريم، منها مثلاً قوله تعالى : (( مَنْ عَمِلَ صالحـاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمن فَلَنُحْيِيَنَّهُ حياةً طيبةً )) سورة النحل 97 ، وقال أيضاً : (( ومن عَمِلَ صالحاً من ذكرٍ أو أنثى وهو مؤمنٌ فأولئكَ يدخلون الجنةَ )) سورة غافر 40 ، وقوله تعالى : (( فاستجاب لهم ربهم أني لا أضيع عمل عامل منكم من ذكر أو أنثى بعضكم من بعض )) سورة آل عمران ١٩٥، وقول النبي : (( إنما الأعمالُ بالنيات ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى )) ١٩٥

وإذا ما كانت هناك فوارق بين عقل الرجل وعقل المرأة فهذه الفوارق لا تعني أن المرأة أدنى مكانة عند الله من الرجل ، ولا تعطي الرجل سلطة مطلقة على المرأة ، بل تعني توظيف هذه الفوارق في إطار التكامل بين الجنسين ، بما يكفل حُسن العِشْرة بينهما ، وقيام كل منهما بما كلّف به من الواجبات .

 فإذا ما جئنا الآن إلى البحوث والدراسات العلمية التي أجريت في هذا الإطار نجد أن معظم هذه البحوث والدراسات والإحصائيات أثبتت وجود فوارق في القدرات العقلية بين الرجال والنساء ، كماً ونوعاً ، منها أن مخ الرجل يحتوي على خلايا عصبية تزيد بنسبة ( 16% ) عن مخ المرأة ، ومن المعلوم أن هناك وجود علاقة وثيقة بين درجة الذكاء وعدد الخلايا في المخ ، كما أن وزن مخ الرجل يزيد وسطياً ( 150غ ) عن مخ المرأة ، إذ يزن مخ الرجل وسطياً ( 1375غ ) ويزن مخ المرأة ( 1225غ )

 ومن جهة أخرى، أجريت دراسات عديدة لبيان الفوارق في أداء عمل المخ بين الجنسين ، ولعل من أوسع تلك الدراسات هي الدراسة التي أجرتها جامعة شيكاغو في الولايات المتحدة عام 1995 ، وخلصت فيها إلى ( أنه بالرغم من كل المحاولات للمساواة بين الجنسين فإن هناك فروقاً حقيقية في طريقة عمل الدماغ بين الرجل والمرأة ) والشيء الجديد في هذه الدراسة هو أنها أخذت في حسابها نتائج ست دراسات مختلفة جرت منذ العام 1960 ، وشملت الفحوص والاختبارات التي تجريها الحكومة الأمريكية على الراغبين بالالتحاق في القوات المسلحة لمعرفة مدى لياقتهم البدنية والعقلية ، وقد أثبتت هذه الدراسة التي أجراها البروفيسور لاري هيدجر وزملاؤه الاعتقاد السائد منذ سنوات طويلة هو أن عدد الرجال في أدنى سلم الذكاء أكبر بكثير من النساء ، كما أكدت الدراسة أن هناك عدداً من الرجال أكثر من النساء في قمة سلم الذكاء ، وهذا يعني أن نطاق الذكاء الذي يغطيه الرجال أوسع كثيراً من النطاق الذي تغطيه النساء وتؤكد هذه الدراسة وجود فوارق أكيدة بين الجنسين بالرغم من كل المحاولات التي تهدف لترويج المساواة بينهما.

 وأثبتت الدراسات كذلك أن أداء الرجال بشكل عام أفضل من أداء النساء في موضوعات معينة مثل الرياضيات والعلوم، بينما تتفوق النساء في المهارات اللفظية والأدبية وهذا ما يفسر أن الرجال بين النخبة العلمية في أمريكا يبلغون ( ٧ أضعاف) عدد النساء .

 وليست الدراسات الإحصائية وحدها التي تؤكد وجود بعض الفوارق العقلية والنفسية والبدنية بين الرجال والنساء ، بل إن التاريخ البشري من مبتداه وحتى يومنا الحاضر قد أظهر بوضوح أن الرجال كانوا دوماً أقدر على المبادرة ، واتخاذ القرارات ، وتوجيه الأحداث ، ما جعل التاريخ البشري يبدو وكأنه تاريخ الرجال لا تاريخ النساء ، ولا يبدل من هذه الحقيقة تلك الندرة النادرة من النساء اللواتي تركن بصمة على صفحات التاريخ ، أو كنَّ على قمة الزعامة في يوم من الأيام ، فإن الحكم للأغلب كما تقول القاعد.

 ولا جدال بأن بعض النساء أذكى من بعض الرجال لكن الغلبة ـ بلغة الإحصائيات والأرقام ـ تبقى للرجال ، والحُكْمُ يبنى على الأكثر، علماً بأن رجاحة العقل لا تقاس بالذكاء ( Intelligence ) وحده ، لأن الذكاء واحد من المؤشرات ( Indicators ) العديدة التي تدل على كفاءة الدماغ ، فإذا ما أخذنا بالحسبان مجمل المؤشرات العقلية عند الرجال وعند النساء نجد أن كفة الرجال هي الأرجح لما تتصف به النساء من هشاشة عاطفية (Crispness Affective ) يعرفها أطباء النفس جيداً ، وهذه الهشاشة تؤثر بلا ريب في محاكماتهن العقلية، وتؤثر في أدائهن عامة .

وأظهرت دراسة علمية نشرتها مجلة أمريكية متخصصة في الأمراض النفسية الوراثية أن النساء مجبولات على القلق لوجود مورثة خاصة في تكوينهن الوراثي لها علاقة مباشرة بالميل إلى القلق، وأظهرت الدراسة أن هرمون الإستروجين الأنثوي (estrogen) يقلل من مستويات خميرة خاصة في الدماغ يرمز لها اختصاراً ( COMT ) وبما أن هذه الخميرة تساعد على تلطيف حالة القلق والتخفيف من شدته فإن النساء أكثر من الرجال عرضة لنوبات القلق .

 ويبدو واضحاً أن هذه الحقائق العلمية التي تبين طبيعة النساء هي التي جعلت الكفة عبر التاريخ البشري تميل لصالح الرجال وجعلتهم أقدر على القيام بواجب القوامة التي اختص الله بها الرجال دون النساء .

هذا .. مع التأكيد مراراً وتكراراً بأن هذه الغلبة لا تعني أن الرجال أرفع درجات عند الله من النساء ، بل تعني نوعاً من التخصص الذي أراده الخالق عزَّ وجلَّ بين الجنسين لتقوم بينهما حياة زوجية مستقرة ويقوم كل منهما بقسط من الواجبات التي تناسب جبلَّته واستعداداته النفسية والعضوية ، والله تعالى أعلم .

 ومن الضروري أن نضيف هنا قبل الختام أن تحديد جنس الإنسان ـ ذكراً أو أنثى ـ يرتبط بالصبغيات الجنسية (X , Y) فنجد أن الصيغة الوراثية للذكر ( XY ) أما الأنثى فصيغتها الوراثية ( XX ) وقد بينت المشاهدات الطبية أن هناك حالات نادرة يولد فيها الشخص وهو يحمل صبغيات جنسية زائدة ، مثل الحالة التي تسمى فرط الأنوثة ( Super Female Syndrome ) وهي حالة يكون فيها التكوين الوراثي للأنثى (XXX) أي يكون في تكوينها الوراثي زيادة صبغي من صبغيات الأنوثة، وقد لوحظ أن هذا الصبغي الأنثوي الزائد لا يُورث هذه الأنثى زيادةَ في الرِّقَّة والجمال والجاذبيَّة كما هي حال النساء غالباً بل يورثها التخلف العقلي الشديد ، أما الحالات التي يكون في تكوينها زيادة في الصبغي الذكري ( Y ) فلا تكون متخلفة عقلياً، بل تكون ميالة إلى العنف والقوة !!

 وهكذا نجد أن الفوارق الوراثية ما بين الجنسين تتجلى ببعض الفوارق في القدرات العقلية والاستعدادات النفسية لكل منهما، ومادامت البنية النفسية قدر إلهي، فإن الذي خلق الذكر وخلق الأنثى وجعل بينهما هذه الفوارق فهو سبحانه أعلم بما يناسب كل منهما، وبناء على هذا شرع لكل منهما الأحكام التي تضمن تكاملهما للقيام بواجباتهما على الوجه الذي أراده سبحانه ... فما بال الجدل الطويل ؟!!!

وسوم: العدد 676