الذين شجعوا الإجهاز على مكتسبات ثورات الربيع العربي هم أول الخاسرين

ليس من قبيل الصدف أن تندلع ثورات  الربيع العربي الشعبية ضد الفساد من الخليج إلى المحيط ،ويطيح بعضها بأنظمة فاسدة كرست الفساد لعقود ، وهو فساد كان لصالح  الغرب ويخدم مصالحه ، ذلك الغرب الذي  لم ترحل جيوشه الغازية من الوطن العربي حتى اطمأن إلى أن أنظمة فاسدة ستخدم مصالحه دون تكاليف الغزو العسكري  . ومعلوم أن الأنظمة الفاسدة التي إن بدت مختلفة عن بعضها ، فإنها  في حقيقة الأمر تلتقي جميعها في أسلوب الحكم المتسلط والمستبد . ولقد اعتمدت هذه الأنظمة على توظيف الجيوش العربية لقهر شعوبها عوض توجيهها نحو تحرير الأرض العربية المحتلة . ولما اندلعت ثورات الربيع العربي توجس الغرب منها ومن تداعياتها خصوصا بعدما أفرزت توجه الشعوب العربية في حراكها  نحو  التفكير في بديل عن الأنظمة الفاسدة  رفعت شعاره أحزاب ذات مرجعية إسلامية . ولحظة اندلاع ثورات الربيع العربي لم تجد الشعوب العربية أمامها ما يجسد إرادتها في التخلص من الفساد المستفحل سوى تلك الأحزاب التي تتخذ الإسلام شعارا، وهو دين طبيعته تخليص البشرية من كل أنواع الفساد والظلم والاستبداد . ولقد كان رهان الشعوب العربية على البديل الإسلامي بعد تجارب غربية وشرقية فاشلة أفضت بها إلى متاهات الفساد سببا في جعل الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية مستهدفة من طرف غرب  وشرق علمانيين يتربصان بالإسلام و يحقدان عليه ويكنان له العداء ويضمران له الشر عن طريق وطوابيرهما الخامسة  الفاسدة التي ترعى مصالحهما وتشترك معهما في التربص بكل ما له علاقة بدين قوامه العدل . ولقد أعقبت ثورات الربيع العربي مباشرة ثورات مضادة اتخذت من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية قربانا لقطع الطريق على تفكير الشعوب العربية في الإسلام كبديل يخلصها من الفساد السياسي المسبب لكل انواع الفساد الأخرى . ولقد اعتمد الثورات المضادة وهي صناعة غربية  وشرقية وبتسويق إقليمي أسلوبا ماكرا لصرف الشعوب العربية عن الثقة في الأحزاب ذات التوجه الإسلامي ، وذلك من خلال وصفها بكل نعت ينفر منها من قبيل  نعت الظلامية ، والتطرف ، والعنف، والإرهاب ، والكراهية ،ورفض الآخر،  وتهديد الديمقراطية والعلمانية ، واستغلال الدين ... إلخ . ومن أجل حمل الشعوب العربية على تصديق التحامل على تلك الأحزاب بالنعوت المشينة ،صنعت المخابرات الغربية والشرقية عصابات ضالعة في الإجرام، والتي رفعت شعار الإسلام وباسمه ارتكبت الفظائع الشنيعة لتشويهه من جهة، ومن جهة ثانية للنيل من الأحزاب ذات المرجعية الإسلامية ، وهو ما يروم جعل  ثقة تلك الشعوب في ما له علاقة بالإسلام تتراجع ، وكانت تلك هي المؤامرة التي حيكت من أجل التمكين للثورات المضادة التي قادتها فلول الأنظمة الفاسدة المنهارة وذلك من خلال دعم توجهات إيديولوجية معادية للإسلام  داخل الوطن العربي  وخارجه . واتخذت الثورات المضادة لثورات الربيع العربي أشكالا تراوحت بين انقلاب عسكري كما هو الشأن في مصر، وانقلاب انتخابي كما هو الشأن في تونس ، وحروب طائفية كما هو الشأن في العراق واليمن ، وفوضى  عارمة كما هو الشأن في ليبيا  وسوريا  والغرض منها إطالة عمر الفساد الذي جسده النظام السوري أو بعث الفساد المنهار في ليبيا من خلال حشد الدعم لفلوله . ولقد أخذت الثورات المضادة أشكالا غير هذه في أقطار عربية أخرى تلتقي كلها عند فكرة تشكيك الشعوب العربية في البديل الإسلامي المسوم بالتطرف  عند خصومه والمتربصين به. وبالرغم من أن الأحزاب المراهنة على البديل الإسلامي خاضت اللعبة الديمقراطية ،وفازت في الانتخابات، فإن ذلك لم يشفع لها لدى الجهات الموجسة منها ،بل عملت هذه الجهات ما في وسعها للتشكيك في نواياها  وجديتها في احترام اللعبة الديمقراطية، علما بأن تلك الجهات لا تعترف بالديمقراطية إلا إذا كانت  لصالح إيديولوجيتها . وتحاول الجهات المتوجسة من البديل الإسلامي الذي ترفع شعاره أحزاب تؤمن بالديمقراطية والتناوب على السلطة الالتفاف على مكتسبات ثورات الربيع العربي من خلال بث روح اليأس في الشعوب العربية حتى لا تواصل رهانها على ذلك البديل الإسلامي الذي من شأنه أن يخلصها من براثن الفساد والذي بات أمرا حتميا . ولعل ما لم تحسب له الجهات المشجعة والمساهمة في الإجهاز على مكتسبات ثورات الربيع العربي حسابها هو أنها أول الخاسرين بسبب رهانها على الفساد . وما يحدث اليوم في مصر التي تسير نحو وضع كارثي  بسبب الانقلاب العسكري  على الديمقراطية والشرعية الذي عرض اقتصادها للانهيار التام بالرغم من صبيب الأموال الموظفة للثورة المضادة يعتبرمؤشرا يؤكد خسارة المراهنين على هذه الثورة . وسيمضي الأمر على غرار ما يحدث في مصر في كل قطر عربي عرف ثورة مضادة لثورات الربيع العربي على اختلاف صيغها ، وسيكون المصير هو انهيار الانظمة الفاسدة وعلى رأسها نظام الانقلاب العسكري في مصر والأنظمة التي  أضفت عليه شرعية مفقودة . ومما يؤكد هذا التنبؤ هو فشل الانقلاب العسكري في تركيا  ضد الديمقراطية التي أوصلت حزب العدالة والتنمية ذا المرجعية الإسلامية إلى مراكز القرار في البلاد  ، وهو ما  لم تستسغ حصوله العلمانية الغربية في بلد علماني، الشيء الذي يؤكد أن البديل الإسلامي المتوجس منه قادر على التعايش مع العلمانية عن طريق اللعبة الديمقراطية التي تدعي تلك العلمانية أنها وحدها الوصية عليها وأنها راعيتها .ولقد زاد فشل الانقلاب العسكري في تركيا الشعوب العربية قناعة بأن الانقلابات سواء العسكرية أو الانتخابية  أو غيرها على الديمقراطية التي قامت من أجلها ثورات الربيع العربي سيكون مصيرها الفشل ، ولن تكون المؤسسات العسكرية العربية أقوى أو أصلب  أو أعرق من المؤسسة العسكرية التركية التي انهزمت شر هزيمة أمام الديمقراطية التي احتضنها الشعب  التركي واستمات في الدفاع عنها وهو الذي ذاق من ويلات  استبداد المؤسسة العسكرية  من قبل . وترتفع اليوم أصوات تحذر من وضع كارثي في الوطن العربي بسبب تداعيات الانقلاب العسكري في مصر . وتنادي هذه الأصوات بعودة الديمقراطية إلى هذا البلد في أسرع وقت ممكن لاستباق وقوع الكارثة أو الزلزال المدمر . ولقد تأكد أن اعتماد الأنظمة الفاسدة على استخدام القوة والعنف لن يجديها نفعا أمام إصرار الشعوب على التخلص منها ، كما تأكد أن الجهات الداعمة لهذه الأنظمة هي أول الخاسرين لأنها أخطأت الرهان . ويواجه العالم العربي اليوم مصيرين لا ثالث لهما: إما العودة  السريعة إلى الديمقراطية الحقيقية  بزوال الفساد والاستبداد وإما  الانهيار الشامل .  

وسوم: العدد 681