حروب الشطرنج 17-21
حروب الشطرنج – 17
(المحارق الخلاقة)
أطلق الرئيس الأميركي جورج بوش الابن شعار( الفوضى الخلاقة) فكان شعاراً صادماً أن يصدرعن رئيس دولة مرموقة ذات وزن مركزي في السياسات الدولية..صدم الحس البشري..ونطح الفطرة البشرية..وأفسد الذوق البشري..وشوه الحسن البشري..ومسخ الخلق الإنساني..وشل الرقي والطموحات الإنسانية..وعلقت يومها على هذا الشعار النكد بمقالات عديدة..أستنكرُ وأقبح هذه البادرة العدوانية وهذا التمرد الفج على القيم الدينية والثقافات والتقاليد البشرية..وكتبت عن مخاطره في أربعة من كتبي توثيقاً لرفض الحس الثقافي والحضاري الإنساني لمثل هذا الشعار الإرهابي المرعب المدمر..فالفوضى تنقض النظام وتئده..وهي اعتداء وتمرد على قواعد الانتظام في مناهج الحياة الراشدة..الفوضى مزرعة جرثومية ومستنقع فيروسي..يؤصل ويقعد لكل أساب العدوانية والانتهاك لقدسية حياة الإنسان وحريته وكرامته وأمنه ومصالحه وطموحاته..الفوضى مصدر لبناء ثقافة الرعب والذعر والوحشية والإرهاب..الفوضى ولادة مشروع طاغوتي دموي لعسكرة العلاقات الدولية..الفوضى دعوة لبناء نزعة وثقافة الحروب والدمار على حساب نزعة الأمن والسلم والرحمة بين الناس..الفوضى مدرسة وأكاديمية شيطانية لشيطنة سلوك الإنسان وإعداده لإشعال وتأجيج محارق تدمر كل عطاء حضاري للبشرية..فجاء مولودها البكر الذي سموه(الإرهاب) ليعيث في الأرض فساداً ودماراً متمرداً على كل القيم الدينية والثقافية والتقاليد والأعراف البشرية..وهاهو مولودها الثاني وابنها المخلص الدموي الذي سموه الحرب الخلاقة (المحارق الخلاقة) يطل على البشرية ليعضد شقيقه الأكبر الإرهاب ويمده بخبراته ومهاراته وليتعاونا على إكمال المهمة البشعة المرعبة..إنها سلالة مجنونة عبثية دموية لأم(...)فهم بحق أقذر خلف(الإرهاب والمحارق الخلاقة) لأفسد سلف(الفوضى الخلاقة) حقاً إن البشرية اليوم في قبضة عهود عائلة آل خناقة (آل ذباحة) التي تسعى بكل صلف ووقاحة إلى تحقيق أحلامها وكوابيسها ومكائدها المرعبة على حساب الوجود البشري وخزائن تراثه الحضاري العظيم الجليل..ومرة سُئل الحكيم الصيني المشهور كونفوشيوس (551 ق.م):ما هي ركائز الدولة الآمنة..؟فقال:النظام،والغذاء،والقوة..فقيل له:لو اضطررت للتخلي عن واحدة منها فعمَّن تتخلى..؟فقال:عن القوة..فقيل له:فإن خُيرت بين النظام والغذاء فما هو خيارك..؟قال:النظام فبدونه أخسر كل شيء وبه أحقق كل شيء..وبعد ألا من عقول راشدة تعود بالبشرية على الأقل إلى رشد وحكمة عقول ما قبل الميلاد..؟؟؟!!!لنضع حداً لعبثية ومحارق عقول جحدت وعصت وتمردت على قيم ومبادئ ما قبل وما بعد الميلاد.
حروب الشطرنج - 18
كتب أخ فاضل أقدره يقول:"ينبغي علينا نحن المسلمين وكذلك المسيحيين أن نقوم بعملية إصلاح..فتاريخياً كل مشكلات الديانتين العظيمتين المسيحية والإسلام تعود إلى اليهودية..لقد كانت المسيحية على التوحيد فاخترقها شاؤول اليهودي فحرّفها مزيناً لهم عقيدة التثليث..وأغروا بعض المسلمين فأدخلوا في تفاسير القرآن ما يسمى الإسرائيليات"فكتبت إليه معلقاً:ما كان من أمر اليهودي شؤول بشأن المسيحية حقيقة معروفة تؤكدها الأوساط البحثية والعلمية..أما ما يخص تسريب بعض الإسرائيليات للتشويش على المعاني الصافية لتفسير القرآن الكريم فالمسلمون على حذر شديد من هذا الأمر..وأما بشأن محاولاتهم تحريف القرآن..فالأمر كان عصياً على اليهود وقريش والمسيحيين وغيرهم..وسيبقى عصياً إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها لقوله تعالى:"إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ"وينبغي أن نفرق بين إمكانية إفساد مفاهيم المسلمين..وبين إمكانية إفساد وتحريف الإسلام ذاته..فما يقال بشأن إمكانية تأثير الآخر على مفاهيم المسلمين إيجاباً أو سلباً..لا يصح بحال وغير ممكن على الإطلاق قبوله بشأن إمكانية إفساد الآخر للإسلام وتحريف ثوابت نصوصه وقيمه الربانية الخالدة..وما يجري اليوم من ممارسات ضالة مضلة..وما يتم من اقتراف جرائم وحشية باسم الإسلام والمسلمين..إنما هو بكل تأكيد ثمرة نكدة لاختلال مفاهيم بعض المسلمين بفعل مكائد وتخطيط عميق حاقد من أعداء الله والإنسانية..أفسدت وأخرجت شرائح من المسلمين عن هدي الإسلام ورشد رسالته ومقاصدها الرحيمة بالعباد..ووظفتهم توظيفاً شنيعاً في ارتكاب جرائم وحشية بشعة تشهد جهات عالمية عديدة:(بأن الإسلام بريء منها وممن يمارسونها ويقترفونها باسم الإسلام وقيمه ومبادئه الربانية السمحة).جاء ذلك على لسان الرئيس الأمريكي ورؤساء أوربا وغيرهم من رؤساء العالم..وعلى لسان بابا الفاتيكان ورؤساء الكنائس الأخرى ورؤساء الديانات في العالم..ولكن لماذا هذا الكيد ينصب على المسلمين دون سواهم..؟ولماذا يتخذ أهل المكائد من بلدان المسلمين مسرحاً لتنفيذ غاياتهم..؟ألكون قابليتهم وجاهزيتهم لمثل هذا الكيد والمكر متوفرة أكثر من غيرهم..؟أم لكونهم الساحة الأضعف والأسهل لتحقيق غايات الكائدين..؟أم لأنهم أكثر شعوب العالم غضب لما يعانون من الظلم والعدوان والبغي والقهر يجعلهم أكثر قابلية للانفجار والاستغلال..؟أم أن إعادة تشكيل بلدانهم ومجتمعاته خطوة استراتيجية ملحة باتجاه إعادة تشكيل العالم..؟للتعرف على ملامح الإجابة عن هذه التساؤلات وغيرها..أرجو تأمل ما جاء في الرسالة السابقة(حروب الشطرنج -17)وما سبقها من رسائل..وما سيأتي من رسائل..والمخفي أعظم وأعظم والله غالب على أمره.
حروب الشطرنج - 21
(تونس)
تونس الاستثناء السياسي الراشد..لماذا تونس اليوم تقدم الأنموذج السياسي الاستثنائي في مسيرة بناء الحكم الرشيد في بلدان العرب والمسلمين..؟مما هو موضع إشادة الناس من عرب ومن عجم بلا استثناء..في مطلع أحداث ما يسمى(الربيع العربي)قلت:التغير ليس غاية لذاته..التغيير وسيلة لتحقيق الأفضل لحياة الناس وآمالهم..فطبيعة ثمار التغيير هي التي تقرر صفته وحلوه من مره..و بين يدي التخوف من فوضى مدمرة قد تجنح برغبة التغيير نحو ما هو أسوء وأخطر في حياة المجتمعات..وذلك لما لمست من غياب رؤى محددة ومشاريع ودراسات جاهزة لدى غالب الراغبين بالتغيير..فسارعت فأصدرت كتاباً بعنوان(مفاهيم في ترشيد المسار الحضاري)ثم أتبعته بمطويات مختصرة تحدثت فيها عن رؤاي حول مسائل ذات صلة منها:(شرعة الإسلام ونداء وإهابة)فبشأن شرعة الإسلام قلت:أن شرعة الإسلام ما جاءت لتلغي الشرائع التي سبقتها..بل جاءت لتتكامل وتتعاون وتتنافس معها ومع كل رشد بشري لإقامة الحياة وتحقيق المصالح والعدل بين الناس..فمن يحقق هذه الكليات فهو مع شرعة الله والحكم الرشيد أياً كان انتماؤه..أما النداء والإهابة فقلت:"أن الناس ملّوا ويئسوا من كثرت البيانات والشعارات البراقة..المجتمعات اليوم تتطلع إلى من يخطوا بها خطوة عملية نحو تحقيق:قدسية حياة الإنسان وحريته وكرامته ومصالحه وسلامة البيئة وتعايش عادل وآمن بين المجتمعات..فمن يحقق ذلك فهو مع قيم الله وآمال الشعوب وطموحاتها..ومن يفشل في ذلك ويحيد عنه..فهو عدو لله وللشعوب ومدمر للحياة وقدسيتها" ثم قلت:"أن أي حركة تغيير سياسي إيجابي تحتاج من أتباعها أن يتحولوا بأنفسهم من ثقافة الحزب إلى ثقافة الدولة..ومن جدلية الانتماء إلى موافقات الأداء..ومن جدلية مَنْ يَحكُم؟ إلى التوافق حول كيف نُحْكَم؟ومن مصالح الحزب إلى مصالح الشعب..ومن دهاليز الحزبية والتحزب إلى آفاق الوطن والمواطنة..ومن الانتصار للحزب إلى الانتصار للوطن وسيادته..ومن نزعة الانتقام إلى سمو اذهبوا فأنتم الطلقاء"والتقيت عدداً من رؤساء الحركات السياسية على تنوع مللهم وانتماءاتهم الفكرية والسياسية وحدثتهم بما عندي..فمنهم من وعى ومنهم من أبى..وللتاريخ والأجيال أقول:أن قيادات تونس بكل تنوعاتها وجدتها لا تخرج عما ذكرت من توجهات..بل وجدت لديهم ما هو أعمق وأرشد..وهذا سر الاستثناء الذي جاءوا به..وفقهم الله وسدد خطاهم آمين.
وسوم: العدد 681