عن «القبالا» الصهيونية
على الرغم من ان بعض الدارسين يعود بالقبالا اليهودية الى ايام السبي الذي تعرّض له اليهود في غابر الزمن, الامر الذي قد يثبت اصولاً زرادشتيه لهذه النزعة الباطنية التأويلية, الا أن من يقرأ «بروتوكولات حكماء صهيون» التي تعتبر عملاً قبالياً بامتياز, يملك أن يراها (وعلى الرغم من ظاهرها العرفاني) جماعة سياسية تسعى الى تمكين اليهود من نواصي العالمين, وإن مما اشار اليه الاستاذِ عجاج نويهض مترجم البروتوكولات وشارح مقاصدها, انك اذا قلت: هذا «قبالي», فكأنك قلت: هو ذا الرجل الغامض الذي لا يؤمن له ويجب أن يُتّقى شرّه.
وفي الحق ان السرّية والغموض والتهاويل الماسونية هي ابرز سمات الحركة الصهيونية, قديماً وحديثاً. واذا كان اليهودي «يورين برماز» قد اصدر كتاباً صغيراً اظهرنا فيه على نفوذ «القبالا» في الاكاديميات الغربية, فإن بنا ان نسحب هذا النفوذ على مراكز القرار السياسي في غالبية الدول الغربية, حتى ليمكن لنا القول إن للقبالا اليوم وجهها السياسي ووجهها العسكري وحضورها الدموي في الارض, وإن لها دوراً مؤكداً في تمكين اسرائيل في المشرق العربي الاسلامي.
ولقد يكون من غرائب التقادير ان «موسى بن ميمون» الذي يعتبره القباليون «موسى الثاني» ويدبّجون فيه الاساطير, كان مشمولاً برعاية صلاح الدين الايوبي, الذي عطف عليه واتخذه طبيباً, وأنه عاش بين ظهراني المسلمين في مصر مكرّماً, ومات فيها, ولكنه لم يحفظ المعروف كما يقولون، بل كان يقدح في الاسلام وعقائده (على الرغم من افادته من علم الكلام الاسلامي في كتابه: «دلالة الحائرين» ومن الثقافة الاسلامية عموماً) وهو عقوق يذكّرنا بحالات مشابهة من النكران في كل عصر وأوان.
إن (حكماء) كثير من الاكاديميات الغربية الذين تزرعهم القبالا فيها, ينتهون – أو ينتهي تلاميذهم – الى أن يكونوا خبراء للاستعمار المتجدد (برناند لويس مثلاً), وإن من شأن القبالا ان تلتقط قاصية الغنم من بعض العرب والمسلمين, وأن تسخّرهم في مآربها, وهي التي مرنت على اساليب الاستهواء والاستغفال, واستطاعت من قبل أن توظف «الاستشراق» في تشويه صورة الاسلام, ومنع النخب الاوروبية من دراسته موضوعياً, حتى صار هذا الدين العظيم مقترناً في العقول الساذجة التي فعل هذا الكيد فعله فيها مقترناً بالقتل والتدمير والدماء, وهو الذي جاء رحمة للعالمين.
إن للقبالا وجهين متلازمين, اولهما أكاديمي يصطنع الفلسفة والعرفان, وثانيهما عسكري دموي هو هذا الذي نراه في فلسطين والمشرق العربي الاسلامي.
ولا نعدم في الدارسين من يرى ببصيرته الى الخطوط الخفية التي تربط بعض الحركات السياسية (احزاباً وجماعات ومنظمات) وبين القبالا التي تدّعي الانشغال في المطالب العالية للفكر والروح وتنهمك عملياً في ابشع المذابح, ولا سيما في البلاد العربية الاسلامية.
وسوم: العدد 681