مخطيء من ظن يوماً: أن للثعلب دينا !

هلل الناس وكبروا حين شاهدوا المؤتمر الصحفي المشترك الذي عقده الرئيس التركي رجب طيب اردوغان وجو بايدن نائب الرئيس الامريكي، خلال زيارة الاخير لتركيا. ولاحظوا أن بايدن كان يقدم الاعتذارات بالجملة لاردوغان، ليطيب خاطره ويسترضيه. فهل انطباع الناس حول "التمسكن" الذي أظهره بايدن حقيقي، أم زائف استدعته الظروف؟

مما لاشك فيه أن فشل محاولة الانقلاب الاخيرة في تركيا، وما تبعها من اجراءات قد عززت موقف اردوغان بشكل كبير، ليس فقط محليا بل ودوليا أيضا. فلا يستهان بتمكنه من إحباط محاولة انقلابية خُطط لها بإحكام، وصُرفت عليها المليارات، وكانت دول كثيرة تتمنى نجاحها، أحبطها بمكالمة هاتفية مع مناصريه عبر قناة تلفزيونية.

فالموضوع أكبر من هذا بكثير. محبو اردوغان يعزون فشل الانقلاب بمكالمة هاتفية عبارة عن تدخل إلهي لصالحه، والأخرون يعزون فشل الانقلاب لسوء حظ الانقلابين، ومن وراءهم. لكن النتيجة واحدة، وهي ازدياد نفوذ الرجل بشكل منقطع النظير. فلم يمر على تركيا، في تاريخها الحديث، رئيس يتمتع بهذه القوة والنفوذ والشعبية الجارفة، مثل اردوغان. وربما لم يمر على تركيا سلطان مثله، من سلاطين بني عثمان، الذين نقرأ عنهم في كتب التاريخ، وتولوا الحكم على مدى خمسة قرون.

فما هي خلطة أردوغان السحرية في الحكم، التي أجبرت نائب رئيس أكبر دولة في العالم أن يأتي لعاصمته ويقدم الاعتذار تلو الاعتذار بين يديه، وعلى الملأ؟ وما الذي أجبر روسيا ثاني أكبر دولة في العالم على استقباله بترحاب غير عادي، والتفاهم معه، بعد خروجه منتصرا من المحاولة الانقلابية الفاشلة، والتغاضي عن أحداث الماضي القريب؟

الخلطة السحرية التي جعلت من اردوغان زعيما محبوبا من قبل شعبه، وشعوب اخرى، هي النزاهة والاخلاص ونظافة اليد، وتحقيق انجازات ضخمة، خاصة الاقتصادية، التي ميزت سنوات حكمه. وهي مزايا إن التقت  في أي زعيم، في أي مكان في الدنيا، يصبح مثل اردوغان. يدين له الكبير والصغير، إن لم يكن حبا، فخوفا. وإلا ما الذي جلب بايدن من آخر الدنيا ليطلب وده ورضاه؟ وما الذي جعل روسيا تبتلع الاهانات وتتحالف معه؟ أخبار زيارة اردوغان الى روسيا، والمؤتمر الصحفي مع بايدن، تُذكر المراقب بقصيدة أمير الشعراء أحمد شوقي التي يقول فيها:-

برز الثعلب يوماً: في ثياب الواعظينا؛       فمشى في الأرض يهذي: ويسب الماكرينا؛

ويقول الحمد لله: إله العالمينا؛              ياعباد الله توبوا: فهو كهف التائبين؛

وإزهدوا فإن العيش: عيش الزاهدين؛         وإطلبوا الديك يؤذن: لصلاة الصبح فينا؛

فأتى الديك رسولاً: من إمام الناسكين؛ عرض الأمر عليه: وهو يرجوا أن يلينا؛

فأجاب الديك عذراً: يا أضل المهتدين؛      بلغ الثعلب عني: عن جدودي الصالحين؛

عن ذوي التيجان ممن: دخل البطن اللعين؛  أنهم قالوا وخير القول قول العارفينا؛

مخطيء من ظن يوماً: أن للثعلب دينا.

وسوم: العدد 683