قدسيّة السبت وأثرها على الائتلاف الحكومي في إسرائيل

د. عادل محمد عايش الأسطل

في كل مرّة كانت تضطر الحكومة الإسرائيلية، إلى صرف نظرها عن إجراءات ذات صبغة عمليّة، وبخاصة التي تعتبر خارقة لحُرمة السبت بحسب الديانة اليهودية، باعتبار أن للسبت قدسية خاصة، لا توجد في أي دين سماوي كان أو دنيوي تاريخي، حيث يُحظر خلاله – من غياب شمس الجمعة إلى غيابها عن نهار السبت - القيام بأيّة أعمال تخِل بقدسيّته، والتي يتم التشديد عليها بواسطة المتدينين اليهود ومن يمثلونهم في الكنيست والائتلاف الحكومي، خاصة وحين تكون لهم القوة الكافية لمنع تنفيذها، وبالدرجة التي تصل إلى التهديد بإسقاط الحكومة.

خلال الأيام الماضية اضطرّت الحكومة الإسرائيلية، أمام تهديد المتدينين ومندوبي أحزابهم في الحكومة وخاصة مندوبي(حزب شاس ويهدوت هتوراه)، بتقويض الائتلاف الحكومي القائم، اضطّرت إلى التدخل بشأن مطالبتهم بضرورة وقف مشروع ترميم لمحطة قطار مركزية في تل أبيب، والذي كان مقرراً الشروع بتنفيذه يوم السبت، وذلك بعد أن تلقى رئيس الحكومة "بنيامين نتانياهو" ووزير مواصلاته "يسرائيل كاتس" رسالة عاجلة من طرفهم، تُفضي إلى إسقاط الحكومة، في حال تم اختراق حرمة ذلك اليوم، حتى وإن كان بحجة تفادي أزمة مروريّة، والتي قد تؤثر على حياة المواطنين في مركز المدينة ومحيطها، باعتباره يوماً للراحة والتذكرة بخلق الخلائق، وخروج بني إسرائيل من مصر، وشكرهم للرب على توحيدهم ومنحهم ميزة الاختيار والقداسة.

كانت نبرة التهديد قويّة، وبالاستناد إلى الأجواء الدينية السائدة داخل إسرائيل، وبذريعة أن قدسيّة السبت تفوق أي حجّة مهما كانت، خاصةً وأن تحريم العمل خلاله، هو سِمتهُ الرئيسية، وذلك امتثالاً لطلب الرّب وتحذيره، كما ورد لديهم (قل لبنى إسرائيل احفظوا أيام سبوتى، احفظوا يوم السبت لأنه مقدّس لكم، من يدنسه حتماً يمُت وعليه عقاب).

ليست هذه هي المرَة الأولى، التي تقوم الأحزاب الدينيّة، بعرقلة إعمال ومساعٍ حكومية أو أهليّة كبرى، وسواء كان بواسطة تهديدها بتقويض الحكومة في حال كانت مُشاركة فيها، أو بالدعوة إلى عصيان ديني، في حال لم تكن مُشاركة بشكلٍ كافٍ، إذا ما تعلّقت تلك الأعمال بمسألة انتهاك حُرمة السبت، أو أي إجراءات يمكن أن تمس العقيدة اليهودية.

فقد كان لها تاريخ طويل وقفت خلاله في مواجهة الحكومة والمؤسسات المدنية الأخرى وحالت دون تنفيذ العديد من الإجراءات والأعمال الدنيويّة، بناءً على ذريعة السبت، وعلى سبيل المثال فقد حالت دون تنفيذ إجراء حكومي يقضي بمرور قاطرات عملاقة تحمل شحنة ضخمة وذات حساسية بالغة في ذلك اليوم، حتى برغم عرض الحكومة أمامها، من أنها مضطرّة إلى هذا العمل، لتفادي إحداث أزمة مرورية حادّة، والتي من شأنها أن تؤثر على مواطني الدولة والاقتصاد الإسرائيلي بشكلٍ عام.

وكان الحزب الديني الأصولي (المفدال) سابقاً، (البيت اليهودي) حالياً، قد تسبب في ديسمبر/كانون الأول 1976، بإسقاط حكومة العمل فعلاً، والتي كان يرأسها في ذلك الوقت "إسحق رابين"، عندما امتنع الحزب عن التصويت لصالح الحكومة، بتاءً على اقتراح حزبي ديني، بحجب الثقة عنها، بسبب قيامها بانتهاك حرمة السبت، من خلال إقامتها حفل استقبال لأربع طائرات حربية (f-16)جديدة، كانت وصلت إلى إسرائيل ضمن صفقة مساعدات عسكرية أمريكية.

منذ حصول هذه الأزمة، أصبحت ولاتزال حيرة "نتانياهو" بارزة، وفي ضوء مُعاناته من عدة أزمات داخلية وخارجية، خاصةً وأنه يُشاهد نفسه يغوص بين صعبين كبيرين، الصعب الديني، والمتمثل في انتهاك قدسية السبت، وبين توصيات الشرطة، التي ترى بأن العمل يجب أن يتم يوم السبت، وإلاّ ستحدث كارثة مرورية في وسط البلاد (تل أبيب وضواحيها)، والتي لا يمكن نسيان تداعياتها بسهولة.

يمكن الاستنتاج ببساطة، وفي ضوء أن هذه الأزمة لا تزال عالقة وحتى هذه الأثناء، بأن لقدسيّة السبت دوراً ضخماً، وتأثيراً بالغاً في حركة السياسة الإسرائيلية الداخلية بخاصة، باعتبارها محميّة من قِبل المتدينين ومندوبيهم، لاسيما وأنهم يُمثلون القوة الحزبيّة الأهم داخل النطاق الإسرائيلي، والتي تُبرز بوضوح عند الحاجة إليهم بشأن تشكيلات الائتلافات الحكوميّة، ولذلك فإن أي ائتلافات برئاسة – يسارية أم يمينيّة – ترى بأنها مضطرّة إلى القيام بمحاباتهم والالتزام بفتاويهم.

وسوم: العدد 683