حروب الشطرنج - 26 (ما هو التقدم ..؟)

د. حامد بن أحمد الرفاعي

آسف يا دكتور حامد أتعبتك معي..لكن ردك المقنع على تساؤلي في الرسالة السابقة شجعني لأسأل:ما هو التقدم..؟ مرحباً بكم ولا تتردد بطرح أي سؤالي..فسعادتي أجدها في التعامل مع تساؤلات الأصدقاء والمتابعين من أمثالكم..وتساؤلك قيم وهو تساؤل طرحته على نفسي منذ أكثر من عقدين من الزمن..وانتهت تأملاتي إلى إصدار كتاب بعنوان(ولكنكم غثاء)قلت في مقدمته:أمة ربطت نهجها بقيم دينها فتقدمت وأنتجت حضارة متميزة..وأمة كفرت بالله وجحدت الدين فتقدمت وكانت أول من اقتحم آفاق الفضاء..وأمة فصلت دينها عن حياتها فهي اليوم تتربع على عرش التقدم التكنولوجي بلا منازع..أفيدونا أين الحقيقة..؟أهي مع القيم الدينية..؟أم مع جحودها..؟أم مع فصلها عن الحياة..؟فأجبت:التقدم نوعان مادي وأخلاقي..قد تتقدم أمة ما أخلاقياً وتتخلف مادياً..وأمة أخرى تتقدم مادياً وتتخلف أخلاقياً..وثالثة تتقدم مادياً وأخلاقياً..ورابعة تتخلف بالاثنتين معاً..ولكن التقدم الإيجابي الآمن لا يكون إلا بالتكامل بين التقدم المادي والأخلاقي..يقول الرئيس السوفيتي جورباتشوف في كتابه البروستيريكا"إن صواريخنا بمقدورها أن تصل إلى مذنب هالي..إلا أننا أخفقنا في بناء الإنسان..واليوم نسعى لأن نجعل قدرات المجتمع الفكرية تعمل لبناء شخص غني روحياً ومستقيم وحي الضمير فعندها يكون بمقدوره تحقيق الكثير"والرئيس الأمريكي روزفلت يقول :"ليس ما نملك هو المهم لكي نكون أمة عظيمة..ولكن المهم هي الطريقة التي نستخدم بها ما نملك "وقال الفيلسوف الهندي طاغور يوماً لصديق غربي يحاوره:"لقد استطعتم التحليق في الهواء كالطيور..والغوص في البحار كالأسماك..ولكنكم لم تستطيعوا المشي في الأرض كالإنسان"فالتقدم الإيجابي هو كل نتاج حضاري يُجِّلُ قدسية الحياة والأمن والسلام..والبشرية اليوم تعاني من إنتاج تكنولوجي عابث..ألا ترون أنها منهمكة في صناعة تكنولوجيا الموت والدمارعلى حساب تكنولوجيا الحياة والبناء..؟ألا ترون أن التقدم المادي مع غياب التقدم الأخلاقي يتحول إلى عدو شرس فتاك لا يبقي ولا يذر..؟ألا تتصورون مخاطر عبثية الانتاج التكنولوجي الذي تمارسه البشرية اليوم..؟أليس هذا إلا ثمرة نكدة لعبثية الإنتاج التكنولوجي التي أخبرنا عنها جورباتشوف في البروستيريكا:"نحن وأمريكا نملك من المخزون النووي ما يكفي لتفجير الأرض عشر مرات..!"وهل هم بحاجة لاقتراف هذه الحماقة أكثر من مرة..؟ فلصالح من تُنتج هذه الزيادة النووية المجنونة..؟والجواب عند الرئيس الأمريكي نكسون إذ يقول:"خطا تقدمنا التكنولوجي في القرن العشرين أكثر بكثير من تقدمنا الأخلاقي الأمر الذي ينبغي ألا ندعه يستمر في القرن القادم إن أردنا الحياة والسلام"أجل التقدم تقدمان مادي وأخلاقي والحياة الآمنة والازدهار لا تكون إلا بهما معاً..التاريخ ينبئنا بذلك..والواقع يصدقه ويؤيده والقرآن الكريم يؤكده لقوله تعالى:"أَوَلَمْ يَسِيرُوا فِي الأَرْضِ فَيَنظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ كَانُوا أَشَدَّ مِنْهُمْ قُوَّةً وَأَثَارُوا الأَرْضَ وَعَمَرُوهَا أَكْثَرَ مِمَّا عَمَرُوهَا وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُم بِالْبَيِّنَاتِ فَمَا كَانَ اللَّهُ لِيَظْلِمَهُمْ وَلَكِن كَانُوا أَنفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ".

وسوم: العدد 686