الأحباش جماعة سياسية( وظيفية ) بنكهة دينية
مقدمة :
نحاول أن لا نعيش في هذا المقال بين الأفكار المتناقضة في قراءة الفكر ، فنجد في الساحة فريقين متصارعين ، هناك من يكون مع الفكر لأنه وجد ضالته فيه ، ومن يكون ضده لأنه وجده متناقضا مع مسلماته الفكرية ، ولهذا يجب أن لا نستخدم العقل السلبي في التعامل مع هذه الظواهر ، بل لا بد من العقل التوليدي لفهم الظواهر الأجتماعية المنبثقة من أفكار معينة ، وتأتي في مراحل معينة ، وليس من المنهجية أن نعيش في منهج النقل لأجل التوصيف ، ولكننا بحاجة إلي طرح رؤية جديدة في فهم الظواهر من خلال منهجية صارمة في قراءتها بشكل مركب بعيدا عن التبسيط ، وهذه القراءة تتيح لنا التفريق ما بين الجماعات العضوية والجماعات الوظيفية .
وجدت من خلال متابعتي في إفرازات المرحلة الماضية نوعين من الجماعات ، جماعات تظهر تحت الطلب ، وأخرى تأتي من رحم المعاناة ، والفرق بينهما كبير ، فالثانية عضوية ، وتخرج من رحم جماعة الأمة مطالبة بالخروج من الأزمة وفقا لصيرورة التاريخ ، بينما الأولى توصف بأنها وظيفية ، وتأتي كإفراز سياسي ، وتخلقها ظروف مرحلية ، ويتم استخدامها بشكل ممنهج كورقة سياسية ، ولأجل هذا التوضيح كان هذا المقال :
في العالم الإسلامي صراع وجودي بين توجهين ، التوجه العلماني الذي يرغب إيجاد عالم إسلامي بدون مرجعية نهائية ، فهو يجاهد بشكل كبير التوصل إلي صيغة قريبة من الصيغة التي توصل إليها الغرب ، وهناك التوجه الديني الذي يناضل في حفظ المكتسبات لهذا العالم الإسلامي ، ومن خلال هذا الصراع القوي ظهر توجه جديد في القرن التاسع عشر الميلادي ، وَقّاد هذا التوجه رجال يحملون هما إسلاميا عالميا ، وهموما وطنية محلية ، ومن هؤلاء الأستاذ جمال الدين الأفغاني ، ومحمد عبدو ، ورشيد رضا ، والثعالبي ، ومحمد إقبال ، وعبد الرحمن الكواكبي وغيرهم من علماء الفكر والدعوة ، وتبين لهم من خلال القراءة العميقة بأن التوجهين السابقين لا يمثلان الصواب في المرحلة ، وليسا الإستجابة اللازمة لمقتضيات المرحلة ، ومن هنا طرحوا مشاريع تنطلق من الوحي كمرجعية ، ولكنها تعالج مشاكل اللحظة، وبهذا مثلوا طريقا ثالثا يجمع بين القراءتين ، قراءة التراث الديني بروح إسلامية ، وقراءة المنتوج الغربي بعقل إسلامي .
في بداية القرن العشرين ، وعند ما بدأت الدولة العثمانية تتحلل من الداخل ، وفقدت سيطرتها المعنوية علي كثير من أقطار العالم الإسلامي ، بل ودخلت في مرحلة الموت السريري ، تساءل العلماء مدي إمكانية إعادة الحياة إلي هذا الهيكل العالمي ، ولكن العلماء الكبار لاحظوا فيها الموت المحقق لهذا الجسد المريض ، ولهذا فليس من العقل الفكر في بعثه ، ولكن من العقل فلا بد من البحث عن السبب الحقيقي لفناء هذا المشروع ، ومن هنا ظهر المفكر الجزائري مالك بن نبي رحمه الله في دراساته الموضوعية عن نشوء الأمم وفنائها ، وعن نظريته العميقة ( القابلية للإستعمار ) ، ومن هنا ظهر الرجل في لحظة كانت الأمة تعيش في غيبوبة فكرية كبيرة ، فلم تلتفت إلي أفكاره الرائدة ، بل وما زالت النخب الفكرية غير مكترث لأفكار الرجل إلا نزرا حتى اليوم .
وفي وسط هذا الفكر ، برزت أفكار كبري في الوسط الفكري والدعوي بدءا من حسن البنّا ومشروعه الحركي الضخم ، ومرورا بالمودودي ومشروعه الفكري الهائل ، وانتهاء بمحمد الغزالي ومشروعه التجديدي في الدعوة والخطاب ، وواجه العالم الإسلامي في هذه المراحل كلها تحديات متنوعة وخطيرة ، ومنها المشروع الإشتراكي الذي مثل لحظة ما بعد الاستقلال أهم مشروع وطني في العالم الإسلامي ، ولكن قوة الفكر الإسلامي ، ومدي استيعابه للعقول الكبيرة في هذه المرحلة ، ووجود قوة إقناع لدي نخبه الكبيرة أدت إلي إنشاء سدود فكرية ما بين هذا الفكر ، وبين العالم الإسلامي ، ولم يستطع الفكر الليبرالي أن يكون بديلا فكريا في العالم الإسلامي ، والسبب هو أن الفكر الإسلامي ما زال قويا وقادرا علي الإستجابة لمقتضيات المرحلة الجديدة ، ومن هنا وجدناكثيرا من الأفكار الوافدة كاسدة في السوق الفكري .
السلفية الفوضوية في مقابلة الصوفية العبثية ( قراءة في فهم الأزمة ) .
---------------------------------------
نحن هنا لا نتحدث عن السلفية الحقيقية التي تؤمن بحتمية المرجعية للوحي بفهم السلف الصالح ، ولا نتناول في مقالنا الصوفية السليمة التي تهتم في بناء الروح ، فهما في ظني من المكونات الأساسية في الأمة المسلمة ، وليس من الممكن تجاوزهما بسهولة .
في مرحلة ما بعد سقوط الإتحاد السوفيتي كقوة كبري ، والتي كانت تشغل الغرب وجهاته الأمنية والعسكرية كثيرا ، وحصلت بعدئذ نوعا من الفراغ المفاجئ في عالم ما بعد الحرب الباردة ، ومن هنا برز تساؤل هام ، هل من عدو محتمل للمشروع الغربي ؟
في العالم اليوم مدرستان ، مدرسة الحوار الحضاري ، وهي التي تؤمن بأنه لا يمكن تأبيد الصراع بين الشعوب والحضارات ، فلا بد من الخروج من هذه الورطة الثقافية ، والتوتر السياسي الحاد بين الأمم لأجل الوصول إلي عالم الحوار ، وهناك من الغربيين من يؤمن بذلك أشد الإيمان ، كما أنه في عالم الشرق من يري مستقبل الشعوب من هذه الزاوية ، وتوجد إلي هذا مدرسة أخري تؤمن بأن الصدام هو الأصل بين الحضارات ، ومن هؤلاء هنتغتون في كتابه الخطير ( صدام الحضارات ) ، وأخطر منه بقليل فوكوياما في أطروحته ( نهاية التاريخ ) .
يتحدث كثير من المفكرين في الغرب بأن هناك أعداء للمشروع الغربي ، وهم قسمان ، أعداء محتملون ، وأعداء حقيقيون ، ولهذا يعتقد كثير من خبراء الأمن بأنه لا بد من توحيد الجبهة الداخلية وذلك في صناعة العدو ، حتى ولو لم يكن موجودا بشكل جيد في الخريطة .
لاحظ رجال الأمن في دول العالم الاسلامي بأن المشروع الإسلامي بدأ يؤتي أكله ، وقد توجه شباب الجامعات والنخب في العالم الإسلامي إليه ، بل ولديهم قناعة شبه كاملة بأن المشروع الإسلامي يحمل في طياته الحل لمشاكل العالم الإسلامي ، ومن هنا برزت سلسلة ( حتمية الحل الإسلامي ) للشيخ العلامة يوسف القرضاوي ، كما برز في الغرب توجه كبير نحو الإسلام كمشروع فكري وحضاري ، واستقطب هذاالفكر خيرة العقول في الغرب ، فجاء الأستاذ جارودي عملاق الفكر الشيوعي إلي ساحة الفكر الإسلامي يعلن مدي خواء الفكر الغربي عن المعني ، وأعلن إسلامه كذلك الأستاذ مراد هوفمان الألماني ليصدر كتابه ( الإسلام كبديل ) .
في هذه اللحظة الحرجة لبعض الدول في العالم الإسلامي التي لاتملك شرعية دستورية ، وبعض الجهات الدولية التي تري في بقاء هذه الدول مصلحة ضرورية ، استخدموا الفكر الإسلامي من الداخل حتي يتعثر المسار ، فوجدوا في ذلك في جماعتين ، إحداهما في التوجه السلفي ، ذلك لأن الفكر السلفي الفارغ من المشروع الحضاري يهمه الحزئيات من العقائد ، والشكليات من التدين ، ومن هنا جاهد النظام إفراز نوعين من التدين في داخل الفكر السلفي وهما ، الفكر السلفي الرسمي الذي يقدس الاستقرار علي حساب الحرية ، والفكر السلفي الجهادي الذي يقدس السيف علي حساب العقل ، والنوع الثاني موجود في الفكر الصوفي الذي يقدس الخلاص الفردي علي حساب الحقوق ، ويضخم الخلاف التاريخي ما بين التوجهين ، السلفي والصوفي .
لقد مثل الفكر الربيعي والجامي في الخليج السلفية الرسمية ، ومثلت القاعدة وأشباهها في العالم الإسلامي السلفية الجهادية والقتالية ، كما مثلت جماعة الأحباش التوجه الصوفي العبثي الفارغ من المشروع الحضاري ، فليس لدى أحد منهما مشروعا فكريا متكاملا في إخراج الأمة عن الوهن الحضاري المتمثل في التخلف الشامل ، بل وليس من خطابهم هذا الهم الذي أرق كبار الدعاة والمفكرين ، وما زال ، ولهذا يحسب كثير من الباحثين في الفكر بأنهما كانا من إفرازات المرحلة الماضية .
لقد تم استخدام الفكر السلفي بنوعيه في إعاقة مشروع النهضة السياسية ، كما تم استخدام الفكر الصوفي بنسخته الأحباشية في إشغال الفكر السني في الشام ، وفي الغرب ، وفي القرن الأفريقي ، وذلك في إعاقة المشروع الثقافي والدعوي .
إن الفكر السلفي في نسخته الربيعية والجامية يعتقد بأن سبب التخلف في العالم الاسلامي هو مطالبة الحرية ، ودعم مطالب الشارع ، والحل في رأيه هو البقاء تحت الأنظمة الشمولية ، ذلك لأن النصوص الدينية في فهم هذه المدرسة تطلب الصبر علي ظلم الحكام ما داموا لم يخرجوا من دين الله ، بينما الفكر السلفي في نسخته القاعدية يري بأن الحل هو هدم الدول التي لا تطبق شرع الله دون تفرقة منهجية بين الدول والأنظمة السياسية ، ولهذا كان من السهل اختراق هذه المجموعات ، واستخدامها كأوراق سياسية ضد المشروع الإسلامي ذي النكهة الحضارية .
منذ سقوط الإتحاد السوفيتي ، وبروز الحروب الإقليمية ، وخاصة في منطقة الخليج ، برز الفكران في آن واحد ، وواجها معا الفكر الوسطي ، ومن الغباء الإعتقاد بأن هذا النوع من الإفراز لم يكن بتخطيط من الجهات التي تؤمن بأن إبقاء المنطقة تحت وطأة التخلف ضرورة سياسية لجهات مختلفة ، ولعب الفكران معا دورا هاما في استدامة التخلف السياسي في هذا الجزء من العالم .
برزت جماعة الأحباش في لبنان في ظروف غامضة في مرحلة حرجة وذلك في بداية الثمانينيّات من القرن العشرين ، وبرز من خلالها فتاوي غريبة تحمل روح الفقه ، ولكنها ليست بعيدة عن النكهة السياسية في هذه المرحلة ، فقد كانت الجماعة الإسلامية بقيادة الأستاذ فتحي يكن تستقطب عقول أهل السنة والجماعة بما لها من قراءة تجمع بين العقيدة والفكر في طرحها ، وبما تقدم من مشروع فكري يجمع في طياته الأصالة والمعاصرة ، وإلي جانب هذه الجماعة تنتشر مدرسة أخري خرجت من عباءة الفكر السلفي ، ولكنها انتهجت نهج الجماعة في التنظيم ،متأثرة بالفكر السروري الذي ظهر في الخليج ، ومن هنا صار من الضرورة بمكان إبراز فكر ديني يعيق هذا التمدد في هذه المنطقة الهامة ، وتزامن ظهور هذا الفكر أثناء وجود القوات السورية في لبنان ، وليس من السر وجود العلاقة الكبيرة بين النظام السوري وجماعة الأحباش .
إن جماعة الأحباش متخصصة في تضخيم الخلاف ما بين الأطراف التي تكون أهل السنة والجماعة ، فهي الوجه الآخر للفكر السلفي في نسخته الربيعية والجامية ، فالأحباش لا يتورعون في تكفير مخالفيهم من السلفيين والإخوانيين ، بل ومن يحمل مشروعا نهضويا من الأمة ، فقد قدموا للأعداء فرصا هائلة . ولديهم نفس قوي في تكفير الرموز التاريخية للمدرسة السلفية ، فابن تيمية ومحمد عبد الوهاب وابن باز والعثيمين والفوزان والألباني كفار خرجوا من الملة ، كما أن الرموز في الفكر الإسلامي من مدرسة الاخوان كالصابوني وسيد سابق والقرضاوي وفتحي يكن وفيصل مولوي هم أيضا كفار ، وأصدروا خرائط جديدة تخالف إجماع الأمة في تحديد القبلة في العالم كله ، ولديهم فتاواهم التي شكلت في الآونة الأخيرة معلما من معالم هذه الجماعة واهتماماتها الخارجة من إطار الهم العام للأمة .
إن من الدهاء والذكاء في دوائر الإستخبارات إشغال الدعاة بما هو دون المطلوب ، ومن الذين يتم تجنيدهم في هذا الموضوع العلماء الذين لا يملكون مشاريع فقهية ، ودعوية ، فمنذ نعومة أظفاري بدأت أقرأ للشيخ عبد الله الهرري ، لأعرف ماذا أنتج الرجل في عالم الإصدارات الفقهية من مجلدات ، وفي عالم الروايات من كتب صارت مراجع تنافس كتب الألباني الذي نجح في إصدار عشرات المجلدات في تصحيح الروايات وتضعيفها ، وفي دراسة رجال الجرح وتعديلهم ، وكذلك الأستاذ شعيب الأرناؤوط ، والشيخ عبد الفتاح أبو غذة ، كما لم أجد للشيخ دراسات جادة وجدت قبولا في الوسط الفقهي تناقش النوازل الفقهية كما فعل الشيخ العلامة أبو زهرة ، والشيخ العلامة مصطفي الزرقا ، والشيخ الباحث في القضايا الفقهية الدكتور وهبة الزحيلي ، والدكتور العلامة عبد الكريم زيدان ، والأستاذ العلامة يوسف القرضاوي ، والدكتور أحمد الريسوني ، والشيخ العلامة عبد الل
لقد أنتج هؤلاء جميعا بما يشبه الثورة في الفقه ، واستطاعوا ان يقدموا الفقه بشكل معاصر ، ولكم أن تقرؤوا كتابي الشيخ العلامة يوسف القرضاوي ( كتاب الزكاة ، وكتاب الجهاد ) وقد صارا فيما بعد من أهم المراجع في الجامعات العالمية ، كما أن العلامة الشيخ عبد الكريم زيدان أصدر في فقه المرأة وحده مجلدات تفوق العشرين ، وللشيخ الباحث الدكتور وهبه الزحيلي مجلدات تسعة في الفقه وحده .
حاولت أن أجد للشيخ ( العلامة ) عبد الله الهرري كتابا يكون مجلدا واحدا في الفقه ، يتحدث فيه عن النوازل الفقهية وماذا يجب علي المسلم فعله تجاه هذه النوازل الفقهية ، ذلك لأن العالم ليس الذي يحفظ النصوص وآراء الفقهاء ، ولديه قوة استدعاء في اللحظة المناسبة ، ولكن الفقيه كل الفقيه هو من ينجح في بناء الموقف الشرعي من القضايا المستجدة منطلقا من الحكم الشرعي .
نهاية الأفكار .
----------
الفكر لا يأتي عن فراغ ، وإنما يستمد قوته وبقاؤه من قوة الدليل أولا ، ومن حاجة الناس إليه ثانيا ، ومن ذكاء أهله في الفهم والاستيعاب ثالثا ، ولهذا فنحن اليوم في ظرف حرج من تاريخ الأمة ، وليس لدي أدني شك في أن بعض الأفكار انتهت صلاحيتها ، ولهذا تواجه نوعا من الضمور الداخلي ، بينما تحاول بعض الجهات الأمنية إنعاش الصراع التاريخي بين أفكار انتهت مقتضياتها التاريخية .
نجح الفكر الإسلامي في الصعيد الفكري ، ولم يستطع الفكر الغازي هزيمته في داخل عالمه ، كما نجح الفكر الاسلامي في المرحلة الماضية إقناع الجيل من أهل الفكر والعلم بأن الإسلام ليس مشروعا دينيا منغلقا علي ذاته ، ولا مشروعا طائفيا تحمله جماعة معينة ، ومن هنا رأينا الكتب التي صدرت من عمالقة في الفكر الإسلامي لها رواجا كالأستاذ علي عزت بيحوفيتش ( الاسلام بين الشرق والغرب ) والدكتور عبد الوهاب المسيري ( العلمانية الشاملة ، والعلمانية الجزئية ) ، ومشروع الدكتو طارق البشري ، والاستاذ منير شفيق ، والدكتور محمد عمارة .
إن من الدهاء فهم الإعاقات الحضارية ، ومن الإعاقات التعامل مع إفرازات المرض ، وليس مع المرض ، فجماعة الأحباش وأمثالها عرض لمرض حضاري في الأمة ، وكذلك الفكر السلفي بنكهته الربيعية والجامية ، ومن أخطر الإفرازات في هذه المرحلة نشوء الفكر الجهادي كعمل عبثي ، ولهذا يجب أن يتناول القلم العقلاني الأمراض من الجذور ، وليس من الأعراض .
لا مستقبل لجماعات وظيفية في الأمة ، ولهذا يجب أن نقرأ بعيون مفتوحة ، وبقراءة نقدية قوية لكتب المسيري التي تناولت المجموعات الوظيفية في الحضارات ، وهذا سوف يختصر لنا الطريق في فهم الظواهر الغريبة التي تفرزها الساحة الاسلامية في بعض الأحيان ، فإنه لا مستقبل لجماعة تحمل فكرا طائفيا ، أو رؤية عبثية ، كما لا مستقبل لفكر ديني يتم استخدامه من قبل الأنظمة السياسية ، فهو يعيش من خلال الضخ المالي ، وليس من خلال الهم الفكري ، والمعاناة الفكرية ، ومما يدل علي انتهاء مشروع جماعة الأحباش ظهور المشروع الصوفي الجديد الذي يتبناه مؤخرا الشيخ ( الحبيب الجفري ) وبتمويل ضخم من بعض الجهات الرسمية .
لعبت جماعة الأحباش دورا وظيفيا محددا لها في بعض الدول الواقعة في الشرق الأوسط ، كما استطاعت أن تلعب الدور نفسه في بعض الدول في الغرب ، واليوم يتم استخدامها في القرن الأفريقي ، ولكن الجماعات العضوية في الأمة فهمت الدور ، ووقفوا أمامها بشكل علمي ، ولهذا فهي لاتستقطب من الشارع سوي الذين لا يحملون علما شرعيا معتبرا ، كما أن المدرسة الربيعية والجامية من الفكر السلفي فقدتا البريق في الشارع الإسلامي ، وهذا يدل علي أن من كان وظيفيا في مشروعه ، فإن تألقه ينطفئ مع مرور الزمن ، أما من كان لديه مشروعا فكريا متكاملا ، فإنه يعمل في تجديد المشروع ليكون متألقا في الزمان والمكان ، المشكلة في وفاة الأفكار تكمن في عدم تكيفها مع التغير دون أن تفقد أصالتها ، ومن هنا نعرف قوة الفكر الاسلامي الذي يواجه أعاصير الحياة بثبات
وسوم: العدد 689