مختار نوح.. ودفتر الخواجة
منذ أن خلى الجو لم يترك فرصة ولا شاردة ولا واردة إلا أن كال الهجوم على رفقاء الدرب , وداس المبادئ والقيم التي لطالما نافح عنها ودافع , متدثرًا بثوب أُلبسه كرهًا أو طوعًا وهو ثوب الوطنية المغشوش .
أبرز هذا : انتقائيته في الحكم والكيل بأكثر من مكيالٍ , وكيف له الفصل في أمورٍ أخذ منها موقفا مسبقًا؛ فصار يحاربها -لا أقول يعارضها- على طول الخط وعلى كل الجبهات .
فعندما يستشهد أحدٌ من أفراد الشعب العُزَّل على أيدي الانقلابيين فهو إرهابي حتى النخاع دون برهانٍ أو دليل, وعند استشهاد أحدٍ من أهلنا من جنود الجيش أو الشرطة فينبري بالدفاع عنهم, بل ويعلن أنه ذاهب إلى أرض سيناء الطيبة؛ ليقاتل أهلها ويفرغها من سكانها وينفخ في رمادها , وهو يعلم -إن كان يعلم- أن القاتل واحد, حتى وإن استدلَّ بثوب يوسف والذئب منه بريء!! وإن كنا نوقن بأنَّ الدم المعصوم- في شرع الله- كله حرام.
تفرَّغ -هداه الله- إلى دسِّ أقاويل وإثبات وقائع في موسوعاته (المدعومة) وبرامجه التي يعلم القاصي والداني أهدافها ومُموليها ؛ لينسب كل نقيصةٍ إلى خصومه الجدد/ أصدقاء الأمس, ورفقاء الدرب؛ تصفية لحساباتٍ قديمة, وانتصارًا للنفس في مواقف خاصةٍ سَبَقت؛ فكان ما كان من فُجر الخصومة وتواري شرفها.
وعلى التوازي فهو مدافعٌ لا يبارى, ومناصرٌ لا يُشق له غبار للباطل وأفعاله وأقواله وحركاته وسكناته حتى بعد أن فاق كثيرٌ من المغيبين والمخدوعين من مختلف الطبقات والفئات إلا أننا لا نعرف السبب بالتحديد عن كل هذا الدفاع المستميت , والثبات على الموقف المعوج حينًا من هذا العصر الكئيب.
ومن ذلك تصريحاته الصحفية التي أدلى بها لموقع مصر العربية , بتاريخ 24-12-2015م , وهو عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان من أنه لا تعذيب في الأقسام , ولم يُستشهد أحدٌ بسببه ؛ للاعتراف بجرائم مُلفقة , يدافع الأستاذ عن حقوق الدبابة والكرباج , لا حقوق المواطن والإنسان, يقف الأستاذ تحت راية من قَتل وحَرق وعذّب واعتقل وطارد ما يقارب المائة ألف نفسٍ بشريةٍ ؛ من أجل كرسي زائل زائف على شفا جرفٍ هارٍ, فماذا الآن بعد التصفيات الجسدية المباشرة والاختفاء القسري المتوحش واعتقال النساء فجرًا من بيوتهن دون حرمة أو اعتبار لأدنى مراتب الإنسانية, فضلًا عن الإسلامية أو شرف العروبة ونخوتها ؟!
ولِنفس الشخص- ويا للعجب– نجده يتحدث عن الانتهاكات التي رصدها مطلع الألفية الثالثة, والذي يظهر تناقضًا في شخصيته , ونكوصاً عن منهجه , ورِدّة عن مبدأه . وبالبحث في دفاتره القديمة نجده يكتب مقالاً بعنوان: "عربة دفن الموتى والمساجين " بجريدة آفاق عربية ( 674) 9-9-2004م , استهلَّه بقوله:"الترحيلات هي الأخت الصغرى لعربة دفن الموتى ؛ فكلاهما يؤدي إلى القبور أو إلى السجون فالأمر سواءٌ...." فماذا عن سيارات هذه الأيام؟ أم ماذا عن سيارة الترحيلات التي قضي فيها ما يزيد على الثلاثين نفسًا بريئة في بدايات الانقلاب المشئوم ؟!
وتأكيداً على ذلك يكرر رصده لهذه الظاهرة, فيقول في مقالٍ له آخر بعنوان"يقتل القتيل ويمشي في الزلزال" بجريدة آفاق عربية (640) 8-1-2004م , يسرد المحامي الكبير جداً " المآسي التي تحدُث في السجون والتعذيب بالكهرباء قال – حينها - ساخراً : "إن المواطنين المصريين لا يجدون الكهرباء ولا يحصلون عليها إلا في أقسام الشرطة وأماكن الاحتجاز , فيقول نصه:" والكهرباء في بلادنا تصل إلى أجساد المعذَّبين قبل أن تصل إلى بيوتهم وقراهم في الريف...." كان هذا الكلام أيام المخلوع في 2004م , وكان هناك هامش من الديمقراطية , ولم يَحترق في عربة الترحيلات ما يقارب الأربعين نفسًا كان هذا كلام الأستاذ المحامي عن الإنسان, وهو ما ينفيه عن السجون هذه الأيام؛ فُجرًا في خصومته مع دعوته وثورة شعبه المنتصرة بإذن الله.
هؤلاء المنقلبون على كل شيءٍ أَلَا يُبقوا (رجعةً) مع شعوبهم ومع أصدقائهم الذين فاضت أرواحهم إلى بارئها في الزنازين وهم بالمئات, ماذا يقول هؤلاء لأطفالهم وذويهم عندما يطالعوا هذا التدليس والكذب؟ أم ماذا يقولون لأنفسهم ولضمائرهم عند خلوتهم وخلودهم إلى النوم , بعد أن صيَّروا الخصم صديقًا حميمًا , والصديق خصمًا وإرهابًا ؟ بل أزفُّ إليه قولاً من الشعر الجاهلي لزهير بن أبي سلمى:
ومَن يَغترِبْ يحْسِبْ عَدُوّاً صَديقَهُ ** ومَن لم يُكَرِّمْ نَفسَهُ لم يُكَرَّمِ
ومَهما تكُنْ عندَ امرىء ٍ من خليقةٍ ** وإنْ خالَها تَخفَى على النّاسِ تُعلَمِ
هلاَّ كلف نفسه عناء البحث عن مقالاته السابقة التي كان يكتبها وقت ما كان(....) , ألا يتعلم من الخواجة الذي كان عندما يُفلس يبحث في دفاتره القديمة !!
وسوم: العدد 691