ملامحُ من الخارطةِ الجيوسياسيّة المستقبليّة لسورية

ثَمَّةَ تطوراتٌ أحاطتْ بالملف السوريّ مؤخرًا، نتجَ عنها حراكٌ على المستويات: المحليّة، و الإقليميّة، و الدوليّة، و من هذه التطورات:

1ـ تعزيزُ النفوذ التركي الجيوسياسيّ، من خلال التمدّد الجغرافيّ لعملية درع الفرات حاليًا ( غربَ النهر )، و مستقبلاً ( شرقَ النهر )، في ظلّ التفاهماتُ ( الأمريكية ـ التركية )، و ( الروسية ـ التركية ).

2ـ تسارعُ وتيرة التغيير الديمغرافي، بإطلاق حملات التهجير القسري لمناهضي النظام في ريف دمشق إلى الشمال السوري.

3ـ تحرّكُ دول مجموعة العمل حول سورية، للجمِ الحملة العسكرية ( الروسية ـ الإيرانية ) على مناطق الفصائل في الأحياء الشرقية لحلب، من خلال التلويح ببعض الاجراءات التصعيديّة، سواء في مجلس الأمن، أو الجمعية العامة للأمم المتحدة، أو محكمة الجنايات الدولية. 

4ـ تنامي المواقف الأوربية المناهضة لمساعي روسيا في تعزيز نفوذها في سوريا؛ تمهيدًا لمقايضتها بملفات أخرى.

5ـ تنقُّله في أكثر من مؤتمر دوليّ، يبحث في فرص تسويته، كـ : ( لوزان: 1، 2)، و ( لندن )، و ( برلين ). 

6ـ اِتضاحُ مناطق تموضع الفصائل على تخوم حماة، و في مناطق الساحل.

7ـ إعادةُ ترتيب الخارطة الفصائليّة لصالح المعتدلة منها، بتفكيك خلايا داعش المتدثِّرة عباءةَ الثورة، كـ ( جُند الأقصى، و لواء التوبة، و جيش خالد بن الوليد، و حركة المثنى، و لواء شهداء اليرموك، ... ).

يرى المراقبون أنّ هذه التطورات التي شهده هذا الملف، ستفضي إلى رسم الصورة المستقبليّة لسورية، التي لن تكون الغلبة فيها لطرف على آخر، فهي لن تقصي النظام برمته، في الوقت الذي لن تسمح له بالتغوّل كما كان عليه الحال قبل سنة ( 2011م )، و هي من المؤكد لن تغفل مصالح الدول النافذة فيه: إقليميًّا، و دوليًّا.

و من المتوقّع أنّها ستكون بثلاثة ألوان، و بتوافق و تراضٍ من المُمسكين بأوراق الحل فيه:

 ـ المنطقة ( الحمراء )، التي ستبقى فيها الهيمنة للعلوية السياسية، و غير مهمّ فيها شخص الأسد، و ستمتدّ من السويداء إلى دمشق العاصمة، و أجزاء من ريفها، مرورًا بمعظم حمص، و نصف حماة، وصولاً إلى الساحل بسيطرة شبه كاملة، و دير الزور ( المدينة )، و أجزاء يسيرة من الحسكة و القامشلي، التي  يقطنها المسيحيون السريان و العرب الموالون له، و هناك إصرار من روسيا على التمسّك بعدد من أحياء حلب المدينة، كالغربية، و القديمة التي يقطنها المسيحيون الأرمن، إضافة إلى منطقتي ( نُبُل و الزهراء ) الشيعيتين في شمالها الغربي، و سيكون في هذه المنطقة خليط من شتّى مكوّنات المجتمع، التي تلاقت مصالحها مع مصالحه، أو التي رضخت للأمر الواقع بعد مناكفتها له على مدى ست سنوات، ما عدا من رفض من أبنائها العودة إلى هيمنته، و نزلَ على حكمه في تهجيرهم قسريًا إلى الشمال، إلى إدلب حاليًا، و إلى حلب لاحقًا، و ستكون برعاية روسية ـ إيرانية. 

ـ المنطقة ( الخضراء )، التي ستؤول الهيمنة فيها للفصائل المعارضة، و ستتكوّن في أكثر من منطقة، فستشمل درعا كلها، و معظم القنيطرة، و أجزاء من ريف دمشق، ثمّ أجزاء متفرّقة في حمص، و شطر من ريف حماة، و إدلب كلها، و معظم حلب ( مدينة و ريفًا )، و معظم الرقة، و غالبية ريف دير الزور، و سيغلب عليها المكوّن السُّني، و خليط من الدروز، و ستكون المنطقة الجنوبية منها برعاية أردنية، و الشمالية برعاية تركية.

ـ المنطقة ( الصفراء )، و ستؤول الهيمنة فيها للفصائل الكردية ذات النزعة الانفصالية، و ستكون متناثرة بدءًا من أجزاء كبيرة في الحسكة و القامشلي، و بعض المناطق في شمال الرقة، ثم أخرى في شمال و غرب ريف حلب، و أحياء الشيخ مقصود و الأشرفية في حلب المدينة، و ستكون برعاية روسية ـ أمريكية على حدٍّ سواء؛ بحيث تكون روسيا إلى جانبهم في العلاقة مع النظام، و أمريكا في العلاقة مع تركيا، و كلتاهما ستجعلان منهم ورقتها الرابحة.

و يرى هؤلاء المراقبون أنّ ذلك كلّه، سيكون رهنَ سلوك الإدارة المقبلة في أمريكا، التي من المتوقع أن يطرأ على نظرتها إلى هذا الملف تغيّرٌ واضح، في حال فوز هيلاري كلينتون المرجّح، فهي ستتعاطى معه بشكل لن يكون لصالح النظام أو حلفائه، مهما كانت درجة التباين في سياساتها الخارجية، عن سَلَفِها باراك أوباما. 

وسوم: العدد 691