مسلمو الوَهْن، وها هم ينتظرون كما انتظر الذين من قبلهم
قرأنا في كتب التاريخ أن آخر خليفة من بني العباس ، المدعو ( المستعصم بالله ) نام في سنة 656 ، على يد وزيره الرافضي ابن العلقمي ، وخرج بزينته وحشمه إلى حفلة قتله ( دوسا تحت الأقدام ) ، وما رام دفاعا ولا حفاظا ، كما يفعل الكثير من قيادات هذه الأمة اليوم !!
قرأنا في كتب التاريخ ، أن المحتل المغولي ، كان يمر في شوارعنا ، فيستتبع أربعين من رجالها ، لا يوثقهم بوثاق ، ولا يشدهم بحبل ، ثم يأمرهم بالاصطفاف فيصطفوا ، ثم يخبرهم أنه قد نسي سيفه ، وان عليهم أن ينتظروه ، حتى يعود إليهم ليذبحهم ، فيذهب ويعود ، ولا يروم واحد منهم خلاصا ، ولا يبغي نجاة !! وأن حال الأمة في ذلك الزمان حال قطيع من العجماوات ، مرصودة للذبح، لا يفحص الرجل من أبنائها عند ذبحه ، لئلا يزعج ذابحه ...!!
كنا نقرأ هذا ، في كتب تاريخ صحاح موثوقة ، فنصدق ونكذب ، ونرد ونقبل ، وننقد ونفند ، ولا يملك أمثلنا طريقة إلا أن يقول حسبنا الله ونعم الوكيل .
وعندما كانت ممالك الأندلس ، ومدنها ، تتهاوى تحت ضربات الاسبان ، مملكة بعد مملكة ، ومدينة بعد مدينة ، كان من يسمون ( ملوك الطوائف ) يعقد كل واحد منهم تحالفا مع قاتل أخيه ، ومدمر ديار المسلمين ، تحت معاذير خادعات كِذاب ، من السياسات الطائشة الرعناء ، التي أنزل ليلجمها الشرع والدين ، (( وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ )) وأمام الالتزام بالحد يجد الجِد ، وتستبين السبيل ، وينادي فوق رؤوس الناس (( قُتِلَ الْخَرَّاصُونَ )) : (( فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ ))؟!
وما كنا نظن ، أن يمر على أمة الإسلام ، في هذا العصر الذي نعيش ، من القرن الخامس عشر ، أيام نحسات كالتي مرت في القرون الأولى ، بل بطريقة أبشع وأشنع . وأن يضرب على قيادات هذه الأمة ورجالها ونسائها من الذلة والوهن ، والاستسلام والاستخذاء ، ما يفوق ما جرى في أيام الصليبيين والتتار ومحاكم التفتيش، فلا تكاد تجد في صفوف هذه الأمة رجلا حليما حكيما رشيدا ، يتوكل على الله ، ويستعصم بحبله ، ويعزم على الرشد ، ويقود للحق كتائب. بل ها هم كما كان أولئك ، يتسارعون إلى عقد التحالفات مع قاتليهم ، ومدمري ممالك المسلمين وعمرانهم ، تحت العناوين الكاذبات نفسها التي كان يسوق بها ملوك الطوائف تخاذلهم ، والتي سوق بها الملك ( الصالح ) في دمشق تحالفه مع الصليبيين ، ضد ابن عمه في مصر ( نجم الدين أيوب ) .
يقتلنا الأمريكي ويكبون على يديه ، ويقتلنا الروسي ويسيرون في ركابه ، ويقتلنا الصفوي ويتنافسون على طلب رضاه ، يُصافقون هذا ، ويشاركون ذاك ، وينزلون على حكم الثالث . ولا سميع لبكاء الأطفال ، ولا مجيب لاستغاثات النساء ، ولا نصير لنواح المآذن ، تشكو إلى الله ..
وكان الفارق الفالق بين ما كان في القرون الأولى وما نعيشه اليوم في القرن الخامس عشر ، أن المغولي المتوحش كان يصف أبناء أمتنا فردا ..فردا ، واليوم فإنهم في مساليخهم الجديدة ، وفي عقر دار الإسلام ، في عراقنا وفي شامنا وفي يمننا ؛ يصفوننا بلدة بلدة ومدينة ومدينة ..
أبادوا حمص والفلوجة ، واستباحوا الأنبار والغوطة ، وثلثوا بحلب والموصل ، وتوعدوا الرقة ودير الزور وتعز وصنعاء ، ويخورون حول مكة والمدينة ، وأمة من الموتى تنتظر أن تسارع للعق صفحة من ثريد ، وبالدور بلدة بعد بلدة ، ومدينة بعد مدينة ينتظر المسلمون ...
جأر بها بالأمس المالكي : قادمون يا نينوى ...قادمون يا حلب ..قادمون يا يمن ..فلم يجد تبجحه وعدوانه من يجيب !!
وخار بها حسن نصر الله وهو يزدرد طرابلس وصيدا ويتهدد الشام كل أرض الشام ، فلم يكن جوابه ممن يسمي نفسه قيادات الأمة إلا المزيد من الخنوع والخضوع ، وبالأمس ألقوا العباءة العربية على كتفي المأفون ميشيل عون . لا ندري أبها أم بأنفسهم كانوا يستهزئون ..
ونعود إلى أبي البقاء :
لمثل هذا يذوب القلب من كمد ... إن كان في القلب إسلام وإيمان
وسوم: العدد 692