الثورة السورية ومستقبل البشرية 7+8

الثورة السورية ومستقبل البشرية

أبو طلحة الحولي

الحلقة السابعة

خيار واحد وطريق واحد

هناك خيار واحد للشعب السوري وهو الاستمرار في ثورته وتضحياته ، وهناك طريق واحد لتحقيق هذا الخيار الواحد وهو الجهاد في سبيل الله .

" لا بد للأمة الإسلامية - لكي تستعيد مقومات وجودها، وفي مقدمتها التحاكم إلى شريعة الله، وتحقيق منهج الله - لابد لها من الجهاد ، فإن الأعداء لن يسلموا لها شيء إلا بالجهاد ... لا التعليم الحقيقي المثمر، ولا الاقتصاد المستقل، ولا السلاح ... ولا شيء على الإطلاق ، إنهم سيظلون يحاورون ويداورون، ثم لا يعطون الأمة إلا ما يريدون هم، وما يحقق مصالحهم هم، لا ما يحقق الوجود الحقيقي للأمة التي لا يريدون لها الوجود!

والجهاد وحده هو الذي يحقق للأمة كيانها الذي تتطلع إليه. كيانها السياسي، وكيانها الاقتصادي، وكيانها الحضاري، وكيانها العلمي، وكل كيان.

ولن يتحقق شيء في يوم وليلة، فالمشوار طويل، لأن المدى الذي بعدته هذه الأمة عن طريق الله، والذي ينبغي أن تقطعه من جديد لتعود إليه... مدى كبير، يحتاج إلى زمن غير قصير، وجهد غير قليل.

ولكنه أمر لا بد منه...

ينبغي لنا أن نوطن أنفسنا لجهاد طويل...

ينبغي أن نتعلم بروح الجهاد، ونعمل بروح الجهاد، ونعيش بروح الجهاد، ونحمل في حسنا في كل لحظة أن لنا هدفاً ضخماً نريد تحقيقه، ونعمل على تحقيقه، فبمثل هذه الروح تولد الأمم من جديد، وتأخذ طريقها إلى الصعود.

لا بد من تربية جيل جاد، يحمل بين جنبيه الشعلة المقدسة: شعلة الإيمان، شعلة الجهاد.

وحين يولد هذا الجيل، فسيحقق الله النصر على يديه، تحقيقاً لسننه الجارية، ولوعده الخاص لهذه الأمة: ﴿ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ وَلَيُبَدِّلَنَّهُمْ مِنْ بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً ﴾ .

وحين يولد هذا الجيل، الذي يعيش بروح الجهاد في كل لحظة ، فهو إما أن يجد الطريق مفتوحاً ، فيحقق أهدافه بجهاد العمل الشاق المتواصل، وإما أن يجد الطريق مسدوداً فيفتحه بجهاد القتال... ولا ينال في كل حالة إلا إحدى الحسنيين: ﴿  قُلْ هَلْ تَرَبَّصُونَ بِنَا إِلَّا إِحْدَى الْحُسْنَيَيْنِ وَنَحْنُ نَتَرَبَّصُ بِكُمْ أَنْ يُصِيبَكُمُ اللَّهُ بِعَذَابٍ مِنْ عِنْدِهِ أَوْ بِأَيْدِينَا فَتَرَبَّصُوا إِنَّا مَعَكُمْ مُتَرَبِّصُونَ ﴾ ." ([1])

 

جهاد الكلمة : XE "جهاد الكلمة \:"  

 

إن ما يجري في بلاد الشام لا يجعلنا نترك أو نتهاون أو نتكاسل عن أداء المهمة التي أوكلنا الله سبحانه وتعالى بها وهي دعوة الناس إلى الحق ، فالإسلام دعوة لكل الناس ، لكل شبيح وذبيح ، ولكل سوري وغير سوري ولكل البشرية ..

لم تقم الثورة من أجل الاستجداء وإنما من أجل الحرية والعدالة ، من أجل العودة إلى الفطرة وللأسف الشديد كل المؤتمرات والندوات التي تعقد هنا وهناك دوليا وعالميا محتواها كأن الشعب السوري يستجدي هؤلاء ، ويطلب منهم العون الإغاثي ، والتفكير عنهم في حل مشاكلهم وأزماتهم ، وهذا خطأ فادح .

إن الثورة السورية بخصائصها وثوابتها ومعطياتها ونتائجها هي التي يجب أن تبرز وتطفو على السطح ، ويجب أن تنال نصيبها من النشر ، لأنها مصدر خير وسعادة وأمن واطمئنان لكل إنسان مسلم وغير مسلم على وجه الأرض ، فالتمسك بديننا وتبليغه هو مصدر قوتنا وعزتنا ونصرنا ، وبه نغلب الوحش ومن ورائه من الأعداء ، وبه نفتح القلوب .

إن تكبيد الخسائر في أعدائنا ومقتل قادة فيهم ، ودعس شبيحة منهم هو نصر نفرح به ، ولكن فرحنا اكبر وأعظم إذا عاد الشبيح إلى رشده ، وتاب قائد وانشق  ، واسلم كافر سواء كان مدنيا أو عسكريا ، جنديا أو قائدا ، جاهلا أو متعلما ، عالما أو قسيسا .

إن اهتمامنا بجهاد الكلمة لا يقل أثرا عن جهاد المعركة .. وقدرتنا على البلاغ والحوار لشرح طبيعة ومحاسن وخصائص الإسلام التي تتمسك به الثورة السورية ،  في كافة المؤتمرات والندوات والفضائيات هي أكبر أسباب النصر على الوحش ومن معه في ميدان المعركة .

قال ابن حزم : " الجهاد ينقسم أقساما ثلاثة: أحدها: الدعاء الى الله عز وجل باللسان . والثاني: الجهاد عند الحرب بالرأي والتدبير.  والثالث: الجهاد باليد في الطعن والضرب.

والقسم الثالث: وهو الطعن والضرب والمبارزة ، وجدناه أقل مراتب الجهاد ببرهان ضروري ، وهو أن رسول الله e لا شك عند كل مسلم أنه المخصوص بكل فضيلة ، فوجدنا جهاده e إنما كان في أكثر أعماله وأحواله بالقسمين الأولين، من الدعاء إلى الله عز وجل، والتدبير والإرادة ، وكان أقل عمله e الطعن والضرب والمبارزة ، لا عن جبن بل كان أشجع أهل الأرض قاطبة نفسا ويداً وأتمهم نجدة، ولكنه كان يؤثر الأفضل فالأفضل من الأفعال فيقدمه ويشتغل به " ([2])

قال ابن القيم " فقوام الدين بالعلم والجهاد، ولهذا كان الجهاد نوعين: جهاد باليد والسنان، وهذا المشارِكُ فيه كثير، والثاني: الجهاد بالحجة والبيان، وهذا جهاد الخاصة من أتباع الرسل ، وهو جهاد الأئمة ، وهو أفضل الجهادين ، لعظم منفعته، وشدة مؤنته ، وكثرة أعدائه ، قَال الله تعالى في سُورة الفرقان وهي مكية ﴿  ولو شئنا لبعثنا في كلِّ قريةٍ نذيراً فلا تُطِعِ الكافرين وجاهدهم به جهاداً كبيراً  ﴾ (الفرقان :51)  فهذا جِهَادٌ لهم بالقرآن وهو أكبرُ الجِهَادَيْن.([3])

وقال رحمه الله " فالفروسية فروسيَّتان: فروسية العلم والبيان، وفروسية الرمي والطعان، ولما كان أصحاب النبي- e  - أكمل الخلق في الفروسيَّتَيْن؛ فتحوا القلوب بالحجة والبرهان، والبلاد بالسيف والسنان.

وما الناس إلا هؤلاء الفريقان، ومن عداهما ، فإن لم يكن رِدْءًا وعونا لهما ، فهو كَلٌّ على نوع الإنسان.

وقد أمر الله - سبحانه وتعالى - رسوله بجدال الكفار والمنافقين ، وجلاد أعدائه المشاقِّين والمحاربين ، فَعِلْم الجدال والجلاد من أهم العلوم وأنفعها للعباد ، في المعاش والمعاد ، ولا يعدل مدادَ العلماء إلا دمُ الشهداء ، والرفعة وعلو المنـزلة في الدارين ، إنما هي لهاتين الطائفتين ، وسائر الناس رعية لهما ، منقادون لرؤسائهما " ([4])

   إن العالم بشرقه وغربه وشماله وجنوبه يسمع ويرى عن أحداث الثورة السورية ولكن ماذا يعرف عنها ؟ عن طبيعتها وخصائصها .

ولماذا قامت ؟ وأي عدل وحرية تريدها ؟

وأي كرامة وعزة تتحلى بها ؟

ولماذا يقصف الوحش شعبه ؟ ولماذا يقف العالم متفرجا ؟

وأين الإرهاب في ثورة شعب ، وحرية شعب وكرامة شعب وعزة شعب ؟

وغيرها من الأسئلة الكثيرة التي تبحث عن إجابات صادقة مخلصة ، فالأعداء يتقنون الخداع والمكر واللف والدوران ، ويتفننون في تصغير الطاغية وما يقوم به من تدمير وسفك وقصف وإلقاء للبراميل واستعمال الكيماوي ، وأيضا بالمقابل يتفننون في تكبير هفوات المجاهدين والثوار ، فيصبح الجلاد ضحية والشعب إرهابيا .

الحلقة الثامنة

جهاد الفكر

إن الإسلام يختلف عن أي ديانة  يهودية أو نصرانية فهو من عند الله سبحانه ليس فيه أي تغيير أو تحريف أو تبديل ، كما انه يختلف جذريا عن أي مذهب وضعي كالعلمانية والشيوعية والوجودية ، " فالإسلام يكل رسم (التصميم) الأساسي للحياة البشرية ، إلى العلم الكامل الشامل ، المبرأ من الجهل والقصور والهوى كذلك يكله إلى علم الله  - سبحانه - بما أن الله هو الذي أبدع الكون وما فيه؛ وأبدع قوانينه وطاقاته؛ وأبدع الإنسان وزوده باستعداداته للعمل في مادة هذا الكون العريض .. وهو الذي يعلم  - وحده - كل حقائق الكينونة البشرية وكل حقائق الطبيعة الكونية .. فهو- وحده - القادر على أن يصنع للإنسان نظام حياة؛ شاملاً لحياته الفردية والجماعية؛ ولحياته في الكون المحيط به .. عن (علم مطلق) يقابل (جهلنا المطبق) .. وفي الوقت ذاته لا يلغي العقل البشري - كما أرادت الكنيسة ذات يوم- هذه الأداة العظيمة، التي وهبها الله للإنسان ليعمل بها ويبدع ، لا ليغلها أو يلغيها! وفقط يحوطها بالسياج الواقي من الهوى ومن التهور، ومن الخبط في التيه، ومن النكسة والانحدار. ويضع لها المنهج الذي يقوّمها منها فلا تميل؛ ويهديها فلا تضل؛ ويكفل لها حريتها واستقامتها على السواء.

وبهذا يظل (الإنسان) هو سيد (المادة) بضمانة من المنهج الذي أبدعه له مبدع الإنسان والمادة. وبالتصور الذي يشعره بكرامته على الله؛ كما يشعره بعبوديته لله. وفي الوقت ذاته يشعره بأنه مستخلف في هذا الملك العريض ..([5])

بينما خرج الغرب من ظلام العقيدة المنحرفة القائلة بأن الله ثالث ثالثة ، وعبث الكنيسة بدين الله وتقديمه للناس بصورة منفرة ، ومن سطوة رجال الدين الحكومة الثيوقراطية إلى الجاهلية الإغريقية الرومانية ، مندفعا في نبذ كل ما يتعلق بالدين فكانت العلمانية .

إن " المنظومة المعرفية الغربية المادية الحديثة بدأت بإعلان موت الإله باسم مركزية الإنسان، وانتهت بإعلان موت الإنسان باسم الطبيعة، والحقيقة المادية، وهذه هي الواحدية المادية : أن تصبح كل المخلوقات خاضعة تماماً لنفس القانون المادي الصارم وأن يسود منطق الأشياء على الأشياء وعلى الإنسان ، وهذا هو حجر الزاوية في المشروع المعرفي الغربي ، ثمة قانون واحد وثقافة واحدة وإنسانية واحدة تكتسب وحدتها من كونها جزءاً من النظام الطبيعي ، ولذا فإن ثمة نموذجاً واحداً للتطور ، ويلاحظ أن حركة البناء الفكري المادي تتجه دائماً نحو تصفية الثنائيات التي نجمت عن الثنائية الدينية (الخالق / المخلوق) وعن الثنائية الهيومانية (الإنسان / الطبيعة)([6])

ولكن هذه العقيدة الفاسدة المنحرفة ليست موجودة في الإسلام ، ولا يوجد في الإسلام رجال دين يحكمون حكومة ثيوقراطية .. ولا يهمل الإسلام عمارة الحياة الدنيا ، ولا يحقر الإنسان بدعوى تمجيد الله ، ولا يحارب العلم ، ولا يحجر على العقل .

ولهذا فإن الغرب ـ الذي يتبعه كثير من المفكرين والمثقفين والمستغربين بغير علم ولا هدى ـ يعلم جيدا نقطة القوة لدى الشعوب الإسلامية  ، هي في العودة إلى الإسلام ، وفي فهم حقيقة الإسلام ، ﴿  الَّذِينَ آتَيْنَاهُمُ الْكِتَابَ يَعْرِفُونَهُ كَمَا يَعْرِفُونَ أَبْنَاءَهُمْ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ  ﴾  (البقرة: 146) ومن أجل ذلك فهم يحاربونه بضراوة شديدة ، ويحاربون كل مصادر الوعي والنهضة والبناء ، وذلك عن طريق الغزو الفكري .

ونظرة إلى البلاد غير الإسلامية التي احتلها الاحتلال (الاستعمار) الأوربي  نجد انه لم يتعرض لفكر أهلها وعقيدتهم وعاداتهم وتقاليدهم ، فلم يكن هناك غزوا فكريا وإنما استغلالا اقتصاديا فقط ، فلم يطلب من أهل البلاد المحتلة التنازل أو تهميش الهندوسية أو البوذية ، كما أنه لم يمس تلك العقائد بأي بسوء ، ولم يتوجه إلى المعابد لإغلاقها أو تغيير فكرها .

على عكس البلاد الإسلامية فكان الاحتلال أول ما يتعرض له هو عقيدة البلد وعاداتهم وفكرهم ونظرتهم للحياة ، ويغزوها فكريا ، فيتم تنحية الشريعة ، ويغلق المعاهد الدينية ، أو يغير برامجها ومقرراتها ، ويطلب من أهلها التخلي عن عادتهم وتقاليدهم .

إن الأمة الإسلامية بحاجة ماسة إلى فهم الإسلام من جديد بعيدا عن الفلسفة الغربية ، وبعيدا عن أي مؤثرات بيئية  فالإسلام دين " رباني ، صادر من الله ، وظيفة الكينونة الإنسانية فيه هي التلقي والاستجابة والتكيف والتطبيق في واقع الحياة . وبما أنه ليس نتاج فكر بشرى ، ولا بيئة معينة ، ولا فترة من الزمن خاصة ، ولا عوامل أرضية على وجه العموم .. إنما هو ذلك الهدى الموهوب للإنسان هبة لدنية خالصة من خالق الإنسان ، رحمة بالإنسان " ([7])

وبحاجة ماسة إلى الاعتزاز بربها ونبيها محمد e ودينها ﴿  وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَْ  ﴾  (المنافقون : 8)

وبحاجة ماسة إلى شرح عالمية الإسلام وحضارته وتاريخه المشرق لا المزيف للمسلمين قبل غيرهم  " إن الرد الحقيقي على الطاغوت الحالي الذي يسمى العولمة، هو إبراز النموذج الصحيح الذي يجب أن يكون عليه الإنسان، لكي يصدق الناس – في عالم الواقع- أنه يمكن أن يتقدم الإنسان علمياً وتكنولوجياً واقتصادياً وحربياً وسياسياً وهو محافظ على إنسانيته، محافظ على نظافته، مترفع عن الدنايا، متطهر من الرجس، قائم بالقسط، معتدل الميزان" ([8])

وبحاجة ماسة إلى " التخلص من الإحساس بمركزية الغرب ونزع صفة العالمية والعلمية والمطلقية عن حضارته وتوضيح أن كثيراً من القوانين العلمية التي يدافع عنها دعاة التغريب باعتبارها تصلح لكل زمان ومكان هي في واقع الأمر نتيجة تطور تاريخي وحضاري محدد وثمرة تضافر ظروف فريدة في لحظة فريدة، فإذا كان الغرب قد تحول إلى مطلق، فإنه يجب أن يستعيد نسبيته ، وإذا كان يشغل المركز فإنه يجب أن يصبح مرة أخرى عنصراً واحداً ضمن عناصر أخرى تكِّون عالم الإنسان"([9])

ولا مانع من التعرف على الثقافة العالمية ، ومعرفة ايجابياتها وسلبياتها ، وأن نثري ثقافتنا العربية والإسلامية بما ينفعنا ولا يضرنا ، فالحكمة ضالة المؤمن ، ولكن دون تنازل  أو تهميش أو تقزيم لثقافتنا .

جهاد التخطيط : XE "جهاد التخطيط \:"   

إن الثورة السورية أضخم بكثير مما يتصوره كثير من الناس ، والجهد المطلوب لها أضخم بكثير مما يتصوره كثير من الناس ، فما يجري ليس مجرد القضاء على الوحش ، أو استبداله بوحش آخر ، وإنما إعادة بناء سورية من جديد في كافة الجوانب العقائدية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية والإعلامية ليكون لدينا الإنسان الصالح ، الذي ينشر الخير والنور والهداية لكل إنسان في أي مكان داخل سوريا أو خارج سوريا ، ويدافع عنه ليكون حرا كريما ..

إن سوريا والأمة الإسلامية بحاجة إلى التخطيط واستشراف المستقبل ولا نترك هذا الأمر لأعدائنا يخططون ويرسمون حياتنا ، فأين المخطط وأين المعد وأين المربي لهذا  البناء على أسس ثابتة ومقومات قوية وأعمدة راسخة وفق المنهج الرباني الذي كرم الإنسان ؟

إن التخطيط يحافظ على الثورة من الانحراف أو الانجرار في معارك جانبية أو جدال فلسفي لا طائل منه ، حتى تصل إلى غايتها وتحقق أهدافها على مستوى الفرد وعلى مستوى الدولة ..

والتخطيط يختلف حسب طبيعة المخطط له ، فتخطيط المعركة يختلف عن تخطيط السياسة ، وتخطيط الاقتصاد يختلف عن تخطيط الإعلام ،  فلكل تخطيط له أولوية وأسسه ، ولكن لا بد من توفر قيادة واعية ، وتنظيم فعال ، وتنفيذ صحيح  .. ولا بد من وضوح الغاية والهدف ،  فمن صحت بدايته صحت نهايته .

فهذا البناء ليس سهلا أو رحلة استجمام وإنما يحتاج إلى جهد كبير ، وصبر جميل ، ونفس طويل ، وتربية شاملة وترتيب لبناء الدولة من جديد بناء قويا شامخا ، لا تذل نفسها لأحد ، فلا تنازل عن أي مكون من مكونات الانسان المسلم ، " قوي الجسم، متين الخلق، مثقف الفكر، القادر على الكسب والعمل، سليم العقيدة، صحيح العبادة، القادر على مجاهدة النفس، الحريص على الوقت، المنظم في شئونه، النافع لغيره ولمجتمعه ولوطنه " ([10])

ولا تنازل عن مقومات سيادة الدولة ، في أي مجال اقتصادي او سياسي او اعلامي او تنموي فالشعب الذي صبر على الألم والجوع والتشريد والقتل والهدم والتدمير ، والذي تحمل ضربات الصواريخ ، وقنابل الطائرات لقرابة الثلاث سنوات ، قادر بإذن الله تعالى على الصبر لخمس سنوات على الألم وشظف العيش لبناء دولته دون أن يفرط في شبر من سيادة أرضه ، واقتصاد بلده ، فالثورة هي الأعلى سندا وقيمة وهي الأعلى خلقا ورأيا وواقعا .. والشعب السوري لديه الإمكانيات المحلية على صياغة رؤية مشرقة لمستقبل البلاد السياسي والأمني والاقتصادي والاجتماعي.

               

[1] ) حول تطبيق الشريعة محمد قطب ص 79

[2] ) الفصل في الملل والأهواء والنحل ابن حزم مكتبة الخانجي 2/107

[3] ) مفتاح دار السعادة ابن القيم 1/271

[4] ) الفروسية لابن القيم  دار الاندلس ص 157

[5] ) المستقبل لهذا الدين دار الشروق سيد قطب ص 69

[6] ) العالم من منظور غربي، د. عبد الوهاب المسيري ، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، ص: 127

[7] ) خصائص التصور الإسلامي ومقوماته سيد قطب ص 71.

[8] ) المسلمون والعولمة، محمد قطب، دار الشروق، القاهرة، الطبعة الأولى 1421هـ، 2000م، ص: 49.

[9] ) العالم من منظور غربي، د. عبدالوهاب المسيري، منشورات دار الهلال، فبراير 2001م، ص: 253-254.

[10] ) رسالة التعاليم ركن العمل حسن البنا