من خزائن الأدب العربي
من خزائن الأدب العربي لأبعد عنكم الملل
اشتهر أبو دلامه بفكاهته ونوادره فكان فكها مرحا حسن الحديث ممتع الرواية. على أنه كان مسرفا في شرب الخمر مستهترا.
واذكر هنا بعضا منها والتي تبين تندره وشاعريته .
قيل عنه: أنه كان بين يدي السفاح
فقال له: سلني حاجتك
فقال أبو دلامة: كلب صيد
قال: أعطوه إياه.
قال: ودابة أتصيد عليها.
قال: أعطوه.
قال: وغلام يقود الكلب ويتصيد به
قال: أعطوه غلاماً.
قال: وجارية تصلح لنا الصيد وتطعمنا منه
قال: أعطوه جارية.
قال: هؤلاء يا أمير المؤمنين عيال فلا بد لهم من دار يسكنونها قال:أعطوه داراً تجمعهم.
قال: فإن لم يكن ضيعة فمن أين يعيشون؟
قال: قد أقطعتك مائةجريب عامرة ومائة جريب غامرة.
قال: وما الغامرة؟
قال: ما لا نبات فيه.
قال: قد أقطعتك يا أمير المؤمنين خمسمائة ألف جريب غامرة من فيافي بني أسد.
فضحك الخليفة
وقال: اجعلوا المائتين كلها عامرة.
قال: فإذن لي أن أقبل يدك
قال: أما هذه فدعها فإني لا أفعل.
قال: والله ما منعت عيالي شيئاً أقل عليهم ضرراً منها.
يروى أنه دخل يوما على ابي جعفر المنصور- وكان عنده ولداه جعفر والمهدي ووزيره عيسى بن موسى .
فقال له المنصور: عاهدت الله يا ( أبا دلامة ) ان لم تهج أحدا ممن في المجلس لاقطعن لسانك فحدث أبو دلامه عن نفسه قائلا :
وكان المجلس من الخليفة وابنيه وابن عمه. وكل منهم يشير الي .
- فقلت في نفسي قد عاهد وهو لابد فاعل. ثم نظرت إلى اهل هذا المجلس فأيقنت اني ان هجوت احدهم قتلت. والتفت يمنه ويسره لأرى بعض الخدم لأهجوه فما وجدت أحدا .فقلت في نفسي إنه حلف على من في المجلس، وانا أحد من في المجلس ومالي ان هجوت نفسي؟ فقلت:
الا قبحت انت ابا دلامة
فلست من الكرام ولا الكرامه
اذا لبس العمامه قلت قردا
وخنزيرا اذا نزع العمامه
جمعت دمامه وجمعت لـؤما
كذاك اللؤم تتبعه الدمامه
فان تك قد جمعت نعيم دنيا
فلا تفرح فقد دنت القيامـه
فضحك المنصور حتى استلقى وامر له بجائزة
وقيل شرب أبو دلامة في بعض الحانات فسكر فمضى وهو يتمايل يمينا وشمالا فلقيه العسس ( الحراس الليليون ) فأخذوه فقيل له:
- من أنت؟ وما دينك؟
فقال:
ديني على دين بني العباس
ما ختم الطين على القرطاس
إذا اصطحب أربعاً بالكاس
فقد أدار شربها براسي
فهل بما قلت لكم من باس
فأخذوه وخرقوا ثيابه وساجه وأ تي به إلى المنصور فأمر بحبسه مع الدجاج في بيتها .فلما أفاق جعل ينادي غلامه مرة وجاريته أخرى فلا يجيبه أحد وهو مع ذلك يسمع صوت الدجاج وزقاء الديكة. فلما أكثر قال له السجان: ما شأنك؟
قال: ويلك! من أنت؟ وأين أنا؟
قال السجان : أنت في الحبس وأنا فلان السجان.
قال: ومن حبسني؟
قال:أمير المؤمنين.
قال: ومن خرق طيلساني؟
قال: الحرس.
فطلب أن يأتيه بدواة وقرطاس ففعل فأتاه بها فكتب إلى أبي جعفر المنصور يقول:
أمير المؤمنين فدتك نفسي
علام حبستني وخرقت ساجي
أمن صهباء صافية المزاج
كأن شعاعها لهب السراج
وقد طبخت بنار الله حتى
لقد صارت من النطف النضاج
تهش لها القلوب وتشتهيها
إذا برزت ترقرق في الزجاج
أقاد إلى السجون بغير جرم
كأني بعض عمال الخراج!
فلو معهم حبست لكان سهلاً
ولكني حبست مع الدجاج
وقد كانت تخبرني ذنوبي
بأني من عقابك غير ناج
على أني وإن لاقيت شراً
لخيرك بعد ذاك الشر راجي
فاستدعاه المنصور وقال له : أين حبست يا أبا دلامة؟
قال: مع الدجاج.
قال: فما كنت تصنع؟
قال: أقوقي معهم إلى الصباح
فضحك وخلى سبيله وأمر له بجائزة.
فلما خرج قال الربيع: إنه شرب الخمر يا أمير المؤمنين أما سمعت قوله: وقد طبخت بنار الله؟ يعني الشمس
قال: لا والله، ما عنيت إلا نار الله الموقدة التي تطلع على فؤاد الربيع. فضحك المنصور وقال: خذها يا ربيع ولا تعاود التعرض له.
وسوم: العدد 696