ذكريات عابرة و صور خالدة
لقد عشت مراحل الصحوة المباركة أواخر السبعينات فعشت و عشت نفحاتها . صحوة كان غرسها شباب مثقف واع امتلأ قلبه بمعين الإسلام الصافي ، كنا ننهل فهمه و قيمه و خلقه و أحكامه كما جاء به صاحب الرسالة محمد صلى الله عليه و سلم تلمسنا طريقه من العلماء العاملين و الدعاة المرشدين ، فأخذنا من فيض علمهم الذي احتوته نفائس الأشرطة الصوتية و أمهات الكتب فكنا نأخذ منها العسل و الشهد و النفائس. و لم يكن يومها قد استوى عود فهمنا لكثير من الحقائق فكم كانت رسائل العلماء تقوم الاعوجاج و تداوي جروح الاستعجال و تهذب نزوات العواطف في التعامل مع المواقف و الأحداث فكان مرشدها بلا منازع الشيخ العالم الجليل العلامة (يوسف القرضاوي و الإمام الشيخ محمد الغزالي رحمه الله) فكانا بحق أفضل المرشدين لهذه الصحوة المباركة .
فكان من صفات تلك المرحلة الأولى : الإغراق في المسائل ، الترف الفكري كما ميز تلك المرحلة صعوبة واجهت المؤسسين فلم تكن الصحوة في بدايتها مستساغة ، فكانت محاصرة في ظل ثقافة التغريب و النظرة الأحادية ، فكنا كمن يختطفهم الطير فلم تكن الفضاءات الدعوية متاحة . أذكر كنا نعقد حلقاتنا بالتخفي و كثيرا ما ضاقت الفضاءات المتاحة مع قلة و شح الإمكانات و الوسائل ، فكان يومها الاستقطاب على أشده في المدارس و الجامعات فكانت طينة التربية من نسق تلك الظروف التي عاشتها الصحوة المباركة في مشاريعها و أنشطتها و وسائلها .
و في تلك الفترة كنا نعيش طبيعيا لم نمارس العزلة الحسية بل كنا نتواصل مع الغير، فكان العمل على أشده عن نفسي مارست التدريس المسجدي و النشاط العام لمدة فاقت العشرين سنة ، كنا نؤطر حلقات يحضرها المئات من الطلبة و كنا نقيم المعارض في كل الثانويات مع العلم كنت أستاذا في الابتدائي و كنا نؤطر العمل الاجتماعي لأحياء كبيرة فكنا نحب الناس و نشعر بحبهم و أن تلك الأيام يشعر بها كل من عاش جمال تلك المرحلة فقد عشت كما عاش من زامن تلك المرحلة ، فقد كنا جزءا من النسيج الاجتماعي نحيا أفراحهم و أتراحهم .
و إن ما يميز تلك المرحلة الحرقة في العمل و الاهتمام بالأنشطة التربوية المتنوعة ، حلق عامة في المساجد و الندوات العامة و الأنشطة الثقافية، مسرح أناشيد مخيمات أفراح معارض إلى تأسيس الأفواج الكشفية ما لزوم التربية الخاصة أي تربية المحاضن و الأسر التربوية التي كان لها حسن جمالها ، فاستمر هذا الحال إلى ظهور الانفتاح السياسي 89 و مع تأسيس الجمعيات و الأحزاب و الانخراط في العمل العام و اتساع العمل داخل الأحزاب و المنظمات افرعت بعض المراكز المهمة في الدعوة كما أفرغت المساجد من الانشطة الدعوية و ضعف العمل الاستقطابي في المؤسسات التربوية التي كان لها الأثر الإيجابي و هناك أسباب أخرى لا تقل أهمية عن الأسباب السابقة . .
إن الحنين لتلك الفترة الزاهية يحتم علينا تفعيل العمل المتواصل لا البكاء على الأطلال . ربما أصبحنا في العقد الخامس أو السادس من العمر فلا يلومنا الشباب إن ظهرت منا غفوة و ضعف في الحركة .و لكن ما زلنا على يقين بأن المستقبل لهذا الدين نكمل مشواره و نمضي طريقه المحفوفة بالمكاره المحفوفة بالمواجع . إن الصحوة كانت انطلاقة مرحلة التأسيس و الانطلاق فهي كمرحلة حبو طفل صغير بدأ أول خطواته ، و لكن على الشباب اليوم أن يمضي و أسباب القوة لا أن يقلد الحبو في عمر الشباب و في عمر العطاء، فعلى الشباب ان يأخذ المشعل و يصحو بصحوة جديدة ، فنحن ابناء أمة لها مجد خالد و كنا غرس رجالها.
من المفيد أن نقف برهة مع رسائل الانطلاق نصغي لهذه الكلمات الموحية المحركة من رجل عاش للدعوة يوجه حديث القلب و الروح للشباب يقول الامام الشهيد حسن البنا عليه رحمة الله كتابه مجموعة الرسائل : " قد ينشأ الشاب في أمة وادعة هادئة، قوي سلطانها واستبحر عمرانها، فينصرف الى نفسه اكثر مما ينصرف إلى أمته، ويلهو ويعبث وهو هادئ النفس مرتاح الضمير. وقد ينشأ في أمة جاهدة عاملة قد استولى عليها غيرها، واستبد بشؤونها خصمها فهي تجاهد ما استطاعت في سبيل استرداد الحق المسلوب، والتراث المغصوب ، والحرية الضائعة والأمجاد الرفيعة، والمثل العالية. وحينئذ يكون من أوجب الواجبات على هذا الشباب ان ينصرف إلى أمته أكثر مما ينصرف إلى نفسه. وهو إذ يفعل ذلك يفوز بالخير العاجل في ميدان النصر، و الخير الآجل من مثوبة الله. ولعل من حسن حظنا أن كنت من الفريق الثاني فتفتحت أعيننا على أمة دائبة الجهاد مستمرة الكفاح في سبيل الحق والحرية. واستعدوا يا رجال فما أقرب النصر للمؤمنين وما أعظم النجاح للعاملين الدائبين "
وسوم: العدد 696