المستقبل الذي نريد
الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .
تعوّد الناس عند الحديث عن المستقبل أن يقولوا المستقبل بيد الله.
ويظن البعض أن المستقبل غيب لايجوز الحديث عنه لأنه نوع من الرجم بالغيب، والحقيقة أن هذا الكلام يحتاج إلى تحرير وتحقيق ، فادعاء معرفة الغيب زعم باطل وحمق ممن يقول به، ولكن أن نتوقع ماذا سيحدث في المستقبل على ضوء قانون السنن الكونية والسببية وقانون المقدمات والنتائج فهذا علم ووعي وعقل.
وكذلك أن نرسم لأنفسنا أهدافاً سامية نطمح للوصول إليها ونجتهد في بذل الوسائل الصحيحة لتحقيقها في الواقع ونسمي ذلك المستقبل الذي نريد فهذا أيضاً نوع من التعامل الواعي مع السنن الربانية التي يقوم عليها الكون والإنسان والحياة.
ومن هنا أشير بايجاز إلى ملامح المستقبل الذي نريده على مستوى الشخص، والبيت، والمجتمع، والدعوة، والأمة، كل ذلك مستلهماً من منظور الإسلام وفقهه، ومن المنهج الرباني الذي يؤسس على الفطرة التي فطر الله الناس عليها وينميها ويرقى بها. وأساس جميع ذلك كتاب الله تعالى وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.
ولابد من التأكيد على أن هذه الإشارات والملامح إنما هي آمال وطموحات قابلة لتكون حقائق وأحوالاً حية واقعة يراها الناس ويحسون بها وهي في حدود الطوق البشري والاستطاعة والإمكان دون عنت ولاحرج.
ولابد لتحقيق أي إنجاز وعلى أي مستوى من وجود قدر من الهمة العالية والعزيمة الصادقة مصحوباً جميع ذلك بالتوكل على الله والثقة به سبحانه وتعالى، فإلى تلك الملامح مستعينين بالله وحده.
أولاً- المستقبل الشخصي، وهنا نرجو أن يكون مستقبلنا على الشكل التالي :
1- أن نكون لله أتقى وأن نعبدالله كأننا نراه سبحانه وتعالى.
2- وأن نكون لفقه الحياة وأسباب النجاح أوعى.
3- وأن يحفظ الله علينا نعمه ويمتعنا بأسماعنا وأبصارنا وقواتنا ماأحيانا.
4- وأن يغنينا بفضله عن سائر خلقه وأن لايكون لابن أنثى علينا فضل ولا منة.
5- وأن نكون من أصحاب الهمة العالية والعزيمة الصادقة نهوى المعالي ونترفع عن سفاسف الأمور.
6- وأن يكون الحق أحب إلينا من الخلق.
7- وأن نقول الحق مهما كان مراً ولانخاف في الله لومة لائم.
8- و أن نوفق للصدق والإخلاص والتواضع وأن لاننتظر من الخلق جزاءً ولاشكوراً.
9- و أن يجمع الله لنا العلم النافع والعمل الصالح والتسديد والتوفيق في كل أمورنا.
10- وأن يختم لنا بالشهادة في سبيل الله ونحن في ميدان الجهاد لإعزاز دين الله.
ثانياً:- المستقبل لأسرنا وبيوتنا:
1- أن تكون بيوتنا وأهلونا حريصين على التخلق بأخلاق الإسلام في كل شؤون الحياة.
2- أن تكون العلاقات الأسرية قائمة على الحب والاحترام والتقدير وأن تدار الأمور بالشورى والتفاهم لا بالأوامر والنواهي والتغلب.
3- أن نرزق الحرص على تربية الأهل والأولاد على القيم والأخلاق والدين أكثر من الحرص على تأمين الغذاء والدواء لهم.
4- أن نحرص على تأمين الكفاية من النفقة من الرزق الحلال وأن نوطن نفوسنا على تحمل الجوع ولا ندخل لبيوتنا الرزق الحرام بل ولا الشبهات.
5- أن تكون بيوتنا قدوة صالحة لجميع الناس حالاً وعلماً وسمعة طيبة.
6- أن يحفظ أهلنا وأولادنا من الأمراض والأسقام وأن يرزقنا الأمن والأمان وأن يقينا شرّ الأشرار وحسد الحسّاد.
7- أن تكون بيوتنا مصدر عطاء وبر وخدمة للناس وأن يكون ذلك لوجه الله.
8- أن يصل أولادنا إلى أعلى درجات العلم والفقه وأن يجمعوا بين علوم التراث وعلوم العصر وأن يكون علم الشريعة تاج سائر العلوم والمعارف عندنا وعندهم.
9- و أن تكون بيوتنا محصنة دون التأثر بالثقافة الوافدة من غير المسلمين.
10- وأن يرزق الله أهلنا وأولادنا الاستقامة على هذه المعاني وماهو خير منها وأن يرزقنا القناعة والرضى وأن يختم لنا بخاتمة الحسنى وأن نلقاه سبحانه وهو عنا راضٍ.
ثالثاً:- المستقبل الذي نريده لدعوتنا الإسلامية المباركة
1- أول آمالنا لدعوتنا المباركة أن تعود إلى مهدها الأصيل في البلد الحبيب لأداء الدور الرائد في الإصلاح والبناء والتغيير.
2- أن تحسن قراءة الماضي وتقويم المسيرة المتعثرة وتعرف الدروس التي يجب أن تستفيد منها للمستقبل وبكل تجرد وشجاعة وإخلاص.
3- أن تفقه الواقع الحاضر بتجلياته وتداعياته ومتغيراته ومؤثراته ومآلاته وفق السنن الربانية والكونية.
4- وأن تفقه القدرات والإمكانيات والطاقات التي تملكها وأن تحسن الاستفادة منها في خضم الصراع الموار الذي يريد حجب نور الله عن خلق الله .
5- أن يرتفع سقف علمائنا وقادة الدعوة الإسلامية التي نسير في ركابها إلى مستوى الأحداث وأن يكونوا على قدر المسؤولية الكبيرة التي يحملونها علماً وفكراً وإخلاصاً وتضحية وقدوة حسنة لجميع الخلق حولهم.
6- وأن يرتقي صف علمائنا ورجالات الدعوة الإسلامية عن المستوى العام للناس وأن يكون الجميع ممن يحملون الدعوة وهمومها لا ممن تحملهم الدعوة فالدعوة تحمل الكل والضعيف ولكن لاينهض بها إلا أهل العزائم والهمم العالية.
7- أن تكون دعوتنا ربانية إصلاحية تشكل مرجعية للأمة كلها لامجرد حركة سياسية معارضة تغالب الأحزاب السياسية على المواقف أو المواقع.
8- أن تستطيع الدعوة غرس قناعة في كافة طبقات الشعب وفعالياته وأحزابه وتوجهاته بل وحكوماته أنها للجميع وليست لشريحة مع أحد ضد أحد وأنها تريد الخير والصلاح لسائر الخلق تنصح وتسدد وتقارب وتأمربالمعروف وتعين عليه وتنهى عن المنكر وتعمل على إصلاحه وتقول للمحسن أحسنت وللمسيء أسأت أياً كان وليس أحد أقرب إليها من الحق وأهله.
9- وأن تعمق دور المؤسسات بدلاً من دور الأفراد وتقدم أهل الكفاءات بدلاً من أهل الوجاهات والولاءات الشخصية وتتبنى الخطط والدراسات والاستراتيجيات بدل العفوية والتكتيكات في سائر أعمالها.
10- نأمل لدعوتنا أن تجدد خطابها وأن تحافظ على ربّانيتها ووضوح هويتها الإسلامية الناصعة فمن أحسن قولاً ممن دعا إلى الله وعمل صالحا وقال إنني من المسلمين.
11- وأن تدرك حجم التحديات العالمية وأن ترتفع إلى مستواها وأن تعمق فهمها للسنن الربانية في صنع الانتصارات أو الهزائم ولاتكتفي بثقافة الجريدة والإعلام المخادع وطروحات الأعداء الماكرة المضللة.
12- وأن تتعهد أجيال الأمة بالتربية والإعداد والتأهيل لحمل الرسالة التي تحفظ بيضة الدين وتصون عقيدة الأمة وكرامتها ومقدساتها في ميادين الحياة المختلفة الفكرية والثقافية والاقتصادية والسياسية والروحية والجهادية تربية إسلامية متكاملة أسوتها تربية رسول الله صلى الله عليه وسلم لأصحابه ذلك الجيل القرآني الفريد الذي حفظ الله له الدين وفتح له قلوب العباد قبل أن يفتح له البلاد.
13- وأن تحافظ على ثوابتها الربانية وأن تحافظ على أخلاقيتها وروحانيتها في قياداتها وصفها فالناس يتأثرون بالحال أكثر من المقال والعدالة في نفس القاضي لا في نص القانون.
14- نأمل لحملة الدعوة الإسلامية أن يعرفوا قدرهم ويحافظوا على مقام الدعوة التي يمثلونها ولا يكونوا سبباً في زهد الناس بها وبشعاراتها وقدسيتها.
15- ونؤكد على رجالات دعوتنا الكرام ان يضعوا أنفسهم حيث يضعهم الناس لاحيث يظنون أنهم أهل له من المكان والمكانة ونأمل من كل داعية مخلص أن لايرضى أن يشغل مكاناً أو موقعاً أو يقف على ثغرة وهو يعلم أن في إخوانه من هو أولى منه بحراسة هذه الثغرة فالمسؤولية في دعوتنا تكليف لاتشريف .
*** فالله الله في نفوسنا والحذر الحذر من حظوظها ولنخلص العمل فإن الناقد بصير.
هذا والله أعلم وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آ له وصحبه وسلم .
وسوم: العدد 697