الجودة في الإسلام والعمل الخيري

مسيرة النهضة والتحولات التنموية التي تشهدها الأمم ، في الصحة والتعليم وسائر المشاريع العملاقة التي تلبي احتياجات شرائح المجتمع المختلفة في كل القطاعات . فالدعم المعنوي والمادي لعامة الناس ولأهل الفاقة بشكل خاص ، ينعكس أسباب السعادة على تلك الشرائح. ولعلها البصمات المتميزة بالضمانات الحفيَّة بالإنسان الذي هو الهدف لكل نهضة ، ناهيك عن الرعاية  الحانية للأيتام والمعاقين وللأرامل والمطلقات ، وتقديم الأولويات لرفع مستوى المعيشة لهم ، وتحقيق الرفاهية والرخاء في مدنهم وقراهم وهجرهم . وهنا يتحدث بعضهم عن الجودة وأهميتها ومكانتها ، وكأنها جاءت في هذا العصر ، والحقيقة أن جهل هؤلاء بدينهم وبتاريخ حضارتهم الإسلامية أوقعهم في شباك العلمنة والتفرنج الأعمى ، وهم يناسون أن الغرب كان يعيش في سبات عميق أيام كان التقدم والتباهي بالمنجزات العالمية الكبيرة من صنع المسلمين ، فالجودة في ديننا وجه من وجود العبادة لله سبحانه وتعالى كما سنرى ، فالجودة في الإسلام لها أجلُّ  الغايات النبيلة ، والأهداف السامية التي يتطلع إليها كلُّ إنسان ، وهي التي تقوى أواصر التواد والتكافل الاجتماعي ، وتزدهر حقول الإعمار وبناء الإنسان الذي هو الأصل في استئناف مسيرة النهضة الحضارية .

لقد أنار الإسلام طريق الجودة ، وأغنى مناهج السعي الشامل إليها على كل المستويات ، لتنمية مهاراتهم ، وإغناء مواهبهم بالمناهج الإبداعية ، ودعم قدراتهم للوصول إلى التميُّز المنشود ، من خلال  محاكاة الأفكار والتجارب الناجحة في هذا المضمار ، ومن خلال شعور الموظف في دائرة  الخير المشرقة بالأمل ، بالمسؤولية لإيجاد البيئة التي تراعي مكانة حب العمل والابتكار واستغلال الوقت ، والاستفادة من كل علم مكتسب في صفحات مسيرة الخير  ، ليكون تأثيره حيًّـا في صور الأداء التي يتلقاها المجتمع ، فيشعر بالسعادة والاطمئنان ، وبولادة منعطف جديد تتسع دائرة ابتكاراته ومآثره الإيجابية . لتعيد أفق الأصالة وهو يستوعب ما للرقي من آثار و ممارسات و مهارات في زمن التقنيات وثورة المعلومات وتطوير البرامج  والأساليب . و هنا نعيش النهضة بمعناها الحقيقي وهي قريبة من حاجات المجتمع ، لاتجافي أهدافه ولا تبتعد عن متطلباته ، ولا تتراجع عن مدارج الرقي بأسمى مبتغياته .

إن الجهة التي تتبنَّى الجودة يجب أن تكون ذا حضور فاعل ــ كجمعية خيرية مثلا ــ   و معدنا للبِرِّ وموئلا للخير  للمحتاج ، ذات حضور فاعل في صور متعددة ، مثل إعاناتها العينية والنقدية على مدار العام ، وفي مشاريعها العديدة ، وبرامجها المتنوعة ، ودوراتها المشهودة ، وغير ذلك من إنجازات . فأهدافها لاتتخطَّى حاجات مَن قامت لأجلهم رفع مستواهم من النواحي الاجتماعية والاقتصادية والصحية ، وذلك من خلال تقديم المساعدات المالية والعينية للأسر المحتاجة بعد إجراء البحث الاجتماعي ، ومن خلال العمل على نشر التوعية الصحية بين المواطنين . و العمل على تأهيل الأسر المحتاجة عن طريق الخدمات غير المباشرة . و إنشاء المؤسسات الاجتماعية المختلفة مثل : دور الأيتام والمعاقين والعجزة والأرامل والفتيات ، وغير ذلك من الفئات التي تستحق الرعاية . و رعاية الأطفال وتهيئة الظروف المناسبة لتربيتهم . و رعاية المرافق العامة ، والمساهمة في صيانتها وتأثيثها . لتفوز بقصب السبق في هذا المجال ، ولتتلقَّى الشكر والتقدير  من المسؤولين والداعمين على حد سواء . وهي التي ناجتهم من خلال قوله تعالى : ( إن تقرضوا الله قرضا حسنا يضاعفْه لكم ، ويغفر لكم ، والله شكور حليم ) 17/ التغابن .

 إنه نداء المودة والتَّراحم والتآخي في الله سبحانه وتعالى ، وإن مراقبة الله عزَّ وجلَّ ، في مساعدة الأسر المحتاجة ، والعمل على تمكينها من العيش الرغيد . و لشدِّ أواصر التآلف  بين أبناء المجتمع ، وسدِّ عَوَزِ الفقير ،  وإجابة  لهفة المضطر  ، والوقوف مع الشرائح التي تحتاج إلى نصرة على مشقات الحياة  . لسوف تجد الدعم السخي ماديا ومعنويا ، حيث يشتد ساعدُ التواصل  ، و تحقق الأهداف النبيلة للعمل الخيري ، ونسأل الله أن  يوفق الجميع لِما فيه الخير ، ويسدَّدَ خطاهم على مدارج التراحم والتكافل الاجتماعي .

ولعل إقامة ملتقيات الخير المستَقاة من ينابيع شريعتنا الإسلامية الغراء ، ومن ظلال الجود التي تمتد أفياؤها المباركة فتظلل القلوب الطيبة ، التي تؤدي حقَّ الله ، وتشعر بحال المحتاجين من الأيتام والأرامل وسائر المحتاجين ...  فالملتقيات الخيرية تحمل معاني الإخاء  ، ومفردات المودة والرحمة والتكافل الذي ينادى به ديننا الإسلامي الحنيف . ولعله يفتح باب السعي إلى الأفضل ــ  إن شاء الله ــ   والنهوض بمستوى المعيشة لدى شرائح المحتاجين ، وهذا هو التوجه القويم للعمل الخيري ، الذي جاء مثالا على الجودة فيه كما أنزل الله على رسوله صلى الله عليه وسلم .

فالجودة رسالة إسلامية تدعو إلى الإخلاص والتجرد ، وتؤكد على الأداء المتقن ، وعلى أن يحب الأخ لأخيه مايحب لنفسه من جودة في طعامه وشرابه ولباسه ، وفي كل احتياجاته المنزلية  ، ومفاهيم الجودة ليست بالغريبة على مجتمعنا ، ولا بالجديدة على علمائنا ومفكرينا ، فالجودة واجب على كل مسلم القيام به ، طاعة لأوامر الله سبحانه وتعالى ، وامتثالا لهدي نبيِّنا صلى الله عليه وسلم ، فإتقان العمل من صفات المسلم وشيمه وأخلاقه ، ومن الذي لايقف مدهوشـــــــا أمام قول الله سبحانه : ( صنع الله الذي أتقن كل شيء )  88 / النمل  ،  وقوله عزَّ وجلَّ : (  لقد خلقنا الإنسان في أحسن تقويم ) 4 / التين . في الآيتين الكريمتين إشارة مؤثِّرة في نفس الإنسان لإتقان العمل ومزاولة الجودة في أسمى معانيها ، وهذا التصرف إنما هو عمل أخلاقي يحاكي الضمير ، ويترجم صدق النية في القلب ، يقول صلى الله عليه وسلم : (  إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) ، فالغش والخيانة في العمل وعدم إتقانه ، وعدم المحافظة على الأنظمة المرعية في المؤسسات العامة والخاصة ، وغير ذلك من مخالفات ليست من أخلاق المسلم ، وإنما هي تدمير للجودة ، وبعثرة لجهود المخلصين في كل ميدان يسعى عليه الإنسان ، وفي ذلك تترتب العقوبة من الله على المخالفين يوم القيامة . والمسلم مطالب بالأجود والأفضل والأسمى في كل مايُكلف به من أعمال ، يقول النبيُّ صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) وفي حديث آخر : (إن الله كتب الإحسان على كل شيء ) وهذا يفيد العموم كما قال العلماء  ومرتبة الإحسان في كل شيء أسمى وأعلى من مرتبة الإتقان .

والجودة كما يعرِّفُها القائمون بها : ( هي مطابقة المنتجات المصنوعة بالمواصفات الموضوعة، فإذا قلت الجودة عن المواصفات فهذا مؤشر لعدم كفاءة الأداء وبنفس المنطق إذا زادت الجودة عن المواصفات الموضوع، فتعتبر غير معبرة عن الأداء المطلوب ) ، ومن هنا تنوعت التعاريف ، فمنهم من يرى : ( أن الجودة هي التطابق مع احتياجات المستفيدين ) ، ومنهم مَن يقول : ( إن الجودة هي المنع والوقاية، وليست مجرد اكتشاف الأخطاء ) وهناك العديد من التعاريف التي تدور كلها حول المواصفات الراقية المتقنة . ومجافاة ماينافي الإهمال والغش وغيرهما من صفات ذميمة تعكر أجواء الإتقان والإحسان في كل عمل ، يعاقب عليها اللهُ سبحانه وتعالى : (ولتسئلنّ عمّا كنتم تعملون )  93 / النحل. ويثيب عزَّ وجلَّ مَن يتقن عمله ويحسن أداءَه ، يقول سبحانه : (  إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا ) 30 / الكهف ، فالجودة التي أرادها الإسلام هي مجموعة الخصائص التي تقدم العمل المنتَج في أحسن صوره ، من خلال مراقبة الله في أي موقع من مواقع العمل والإنتاج .

تتجلى في قدرة رواد العمل الخيري على حصول المستفيدين على أفضل الخدمات والمنافع ، من خلال الخطط التشغيلية لإدارات الجمعيات الخيرية ، التي تحقق لهم البرامج التأهيلية ، والمساعدات العينية والنقدية ، والمشاريع التي تنهض بهم وتعمل على تأهيلهم ، وتقديم الرعاية الشاملة التي تكفل سعادة الأيتام والأرامل والمطلقات وعامة الأسر الفقيرة ، لتأمين احتياجاتهم الآنية والمستقبلية ، وعن طريق التفاهمات مع جهات أخرى ذات العلاقة ، من خلال حملات توعوية وإرشادية ، تحت مسميات أمرنا بها ديننا الحنيف ، انطلاقا من قوله صلى الله عليه وسلم : ( الصدقة تدفع البلاء ، وتقي مصارع السوء ) حيث تتعدد عناوين التوعية والإرشاد مثل : كفالة الأيتام ، السلة الرمضانية ، مساعدة الشباب على الزواج ، مساعدة أسر السجناء ، الحقائب المدرسية ، الأضاحي ، كسوة الشتاء ، تأثيث البيوت ، ترميم دور الفقراء ، رحلة الحج والعمرة ، دعم الأسر المنتجة ... إلى غير ذلك من أبواب التضامن والتكافل

فالجودة الإسلامية هي تحقيق مايصبو إليه الإنسان المحتاج ، وما يحقق الأهداف المنشودة من العمل الخيري ، على أيدي العاملين فيها الملتزمين بالنظم الإدارية ، والحاملين همَّ العمل الخيري ، والقائمين على ترشيد المسار التطبيقي لعمليات الإنتاج ، وإزالة العقبات والعيوب ، وتدارك مايقع من أخطاء أو فشل ، ومعالجة شكاوى المستفيدين .

لايجهل أحد مكانة القيام بالأعمال الخيرية عند الله سبحانه وتعالى ، ولا يجهل أحد أهمية إنجازات ومآثر العمل الخيري في خدمة الناس ،  ولا ننسى في هذا الموقف  أن المولى تبارك وتعالى يبارك هذه الأعمال ، وهو جلَّ وعلا مع أهلها ، إذا ما أخلصوا النيات وهم يؤدون واجباتهم في هذا السبيل ، يقول تعالى : ( والله معكم ولن يتركم أعمالكم ) ، فالذين يتصدون للعمل الخيري لابد لهم من اتخاذ كافة التدابير التي تكفل لهم نجاحهم في الوصول إلى أهدافهم الكريمة بإذن الله تعالى ، فالأخذ بالأسباب ، وبذل الجهود ، والصبر على تخطي العقبات ، حتى لايصيبهم الضعف أو الكسل ، فالعامل في هذا المجال إنما هو جندي لله ، يترجم مفاهيم العمل الخيري التي بيَّنتْها الشريعة الإسلامية في القرآن الكريم وفي سُنَّة النبيِّ صلى الله عليه وسلم . يسعون إلى تقوية أواصر المودة بين الأغنياء والفقراء ، وإلى تنقية الأجواء مما قد يشوبها من الدعايات المغرضة التي تنال من العمل الخيري ، والتي تريد تغيير نظرة الناس إليه على أنه مجرد استجداء  ، ولهذا لابد من إغناء العاملين في هذا الميدان بالصفات الحميدة والسجايا الكريمة لصيانة سمعة هذا العمل المبارك .

       وهذا الغِنى بهذه المواصفات الراقية يمنح العاملين في حقول العمل الخيري القدرة على متابعة الطريق ، فيبحثون عن المشاريع والبرامج التي تقدم لهم التمويل اللازم لإعانة المحتاجين ، ويتواصلون مع المحسنين الداعمين للعمل الخيري ، أولئك الذين اختصهم الله بهذا الفضل ، فعن عبدالله بن عمر رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( إنَّ للهِ عبادًا اختصهم بالنعم لمنافع العباد ، يقرهم فيها مابذلوها ، فإذا منعوها نزعها منهم ، فحولها إلى غيرهم ) . وكذلك التواصل مع المتطوعين في مختلف الجوانب العملية لتكتمل أسباب تطوير ه ، من خلال تذكير هؤلاء وأولئك بما عند الله من أجر ومكانة لهم ، وأن تقديمَ جهودِهم في سبيل الله ترفعهم إلى رضوان الله ، فهم الذين يدخلون الفرحة على الأيتام والأرامل والمساكين ، وعلى كل شرائح المجتمع المحتاجة ، وهم الذين فرَّجوا كرباتهم بإذن الله تعالى وتوفيقه . فطوبى لهم على مايقدمون ، وبشرى لهم من الله ، عن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، قال : ( من نفس عن مؤمن كربة من كرب الدنيا ، نفس الله عنه كربة من كرب يوم القيامة ، ومن يسر على معسر ، يسر الله عليه في الدنيا والآخرة ، ومن ستر مسلما ، ستره الله في الدنيا والآخرة ، والله في عون العبد ، ما كان العبد في عون أخيه ، ومن سلك طريقا يلتمس فيه علما ، سهل الله له به طريقا إلى الجنة ، وما جلس قوم في بيت من بيوت الله ، يتلون كتاب الله ، ويتدارسونه بينهم ، إلا نزلت عليهم السكينة ، وغشيتهم الرحمة ، وحفتهم الملائكة ، وذكرهم الله فيمن عنده ، ومن أبطأ به عمله ، لم يسرع به نسبه )  رواه مسلم .  ونؤكد مرة أخرى  على أهمية تذكير الناس بما عند الله للمحسنين الداعمين للأعمال الخيرية ، الذين يمسحون غبار الآلام والأحزان عن صدور المحتاجين ، ويقومون بأحب الأعمال إلى الله ، فعن أبي هريرة رضي الله عنه ، عن النبيِّ صلى الله عليه وسلم أنه قال : (إن من أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على قلب المؤمن, وأن يفرِّج عنه غمًا, أو يقضي عنه دينًا, أو يطعمه من جوع ) رواه البيهقي .

       ومن أجل أن تكتمل أسباب الجودة يجب تقديم الشكر لأولئك الذين اختصهم الله بالنعم لمنافع العباد كما أسلفنا قبل قليل ، فنقول لهم :

* مكانتكم محفوظة في قلوبنا ، ودعاؤُنا لكم بالمثوبة والتوفيق لاينقطع ، وثقوا بأن ماتقدمونه من دعم مادي أو معنوي لن يكون إلا في خدمة أهداف العمل الخيري التي لاتخفى عليكم .

* لن ننسى مواقفكم النبيلة ، ولن نتجاوز ماترغبونه في وضع أموالكم للمحتاجين في برامج ومشاريع  حسب قناعاتكم  ، ولابد من تقديم البيانات كل عام في التقارير السنوية إن شاء الله . 

* ولن ننسى مالكم علينا من حقوق ، فشكركم واجب ، واطلاعكم على إنجازات الجمعيات التي تمولونها ،  وإشراككم في مناسباتها  شرف لنا ، وإنا وإياكم على طريق الخير ماضون ... والحمد لله رب العالمين  .

       وللجودة  التي أرادها ديننا الإسلامي الحنيف قواعد و بيانات للمستفيدين من الأعمال الخيرية ، تتضمن المعلومات الأساسية لكل مستفيد ، وحالته الاجتماعية ، والمخرجات والتقارير المطلوبة من البرامج ، إضافة إلى إعداد الكشوف بأسماء المستفيدين ، وأسماء الأيتام ، وأسماء أبناء المستفيدين من  الطلاب والطالبات ، ومراحلهم الدراسية ، مع البرنامج الذي يعمل على فرز الأسماء حسب الحالة ، وغير ذلك من المعلومات التي تيسر تنفيذ البرامج المعدة من قِبل الجمعيات ، والتي وضعت نصب عينيها ماستقدمه للمستفيدين من حقائب ووسائل تدفئة ومواد غذائية توزع على مدار العام ، وكذلك توزيع المبالغ النقدية التي تساعدهم في توفير احتياجاتهم المنزلية ، والقيام بكفالة الأسر الأشد فقرا من بين المسجلين ، ومن الجودة  إقامة وتنفيذ مشاريع أخرى في خدمة المستفيدين . كما نلمح هذه الصور المشرقة على صفحات برامج ومشاريع الجمعيات الخيرية القائمة الآن في أرجاء وطننا الإسلامي الكبير  ، حيث التوجه إلى إيلاء الدعاية الإعلانية والتوعوية في إدارة تنمية الموارد والعلاقات العامة والإعلام أهميتها ومكانتها ، من خلال التواصل مع الداعمين والمحسنين ، وإقامة ملتقيات الخير السنوية ، والمشاركة الجادة والفاعلة في المناسبات الاجتماعية والوطنية ، ومتابعة إصدار المجلات والنشرات والمطويات التي تبرز أهمية وضرورة الجودة في العمل الخيري  .

       ماكان للعمل أن يُوتي ثماره إلا من خلال التخطيط والمراجعة والتوثيق ، وقد دأبت إدارة الجمعيات الرائدة  على القيام باجتماعات دورية متتابعة ، تُحدد مواقيتها وجداول أعمالها ، وتصدر قراراتها وهي تحدد الأعمال التي يجب أن تقوم بها كل إدارة ، وعليها يُبنَى ما يتم لاحقا من ترتيبات لأعمال الجمعية بشكل عام . لتعيد نسمات الخير إلى المجتمع في ظل رعاية محمودة وآمال منشودة تتطلع إليها رسالتها إلى المحتاجين الذين نرى أن رؤيتهم في الخير هي رسالة العمل الخيري المبارك , وأن ما يصبو إليه المحتاجون هو الهدف الأعلى , ليس في تقديم إعانة عابرة من المواد الغذائية والمبالغ النقدية , وإنما الأمل  أن يصبح المستفيد داعماً لمسيرة الخير في المستقبل القريب إن شاء الله , وأن يكون العمل الخيري المنظم ذا القيم  الرائدة وهجاً متميزاً لتشع مناراتٍ ترشد  رواد المسيرة  لتحقيق رسالتها . وليفرح أهل الخير بما يقدمون لإخوانهم المحتاجين , وليتفاءلوا بما أعد الله لهم من مكانة وثواب , وليفرح المستفيدون بهذا التكافل الاجتماعي الذي نادى به ديننا الإسلامي الحنيف , وكلا الطرفين من أهل الخير  ومن المستفيدين هم سفراء الخير الذين يمثلون الجهد المبذول للعمل الخيري ، ولهذا فكل المسلمين في هذا الميدان جنود للخير .

ليس العمل الخيري  خيالاً يتوارى في الأذهان ولا سراباً يتماوج بين العيون ، وإنما هو الحقيقة الأثيرة التي وضع حجر الأساس لها نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم في حياته  ،  و اخضرت وازدهرت دورة الخير التي لا تنتهي على مدى العصور الإسلامية وحتى يومنا هذا. بفضل الله وتوفيقه ، ثم بفضل هذه الأيدي المباركة التي  تشد على بعضها لصنع الإنجاز  ، وبهذه العقول الواعية  لأهمية العمل الخيري في حياة المجتمعات ، ونحن كمسلمين لا نجهل أبداً هذه القيم . ولن نبخل أبدا ونحن في مجتمع التآخي والتراحم  . والمسلمون هم أهل الجودة والإتقان ، ومراقبة الله تعالى في جميع الأقوال والأفعال والتصرفات ، وهل الجودة إلا الخلق الكريم  ، في نفسٍ تتلهف للقيام بالفعل المتقن ، وهذا مابُعث به نبيُّنا صلى الله عليه وسلم حيث قال : (  إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ) رواه الترمذي ، فمَن تحلَّى بالأخلاق الفاضلة في أعماله وأقواله ومواعيده فإنه يقدِّم لمجتمعه السيرة المحمودة التي تبعده عن الغش والتواني ، وتقربه إلى الصدق في الأداء، والإخلاص في الإنتاج ، والجودة والإتقان ، فإن الله طيب ولا يقبل إلا طيبا ، وعلى المسلم أن يُحسن عمله ويؤديه على أكمل وجه ، يقول النبي صلى الله عليه وسلم : ( إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملا أن يتقنه ) ، والمسلم هنا يخشى العقوبة ويخشى أن يُسأل يوم القيامة عن التقصير والإهمال ، ناهيك عن الغش والكذب في التعامل ،  يقول الله تعالى: ( ولتسئلنّ عمّا كنتم تعملون ) 93 /  النحل. ولقد أمرنا المولى سبحانه بإتقان الأعمال ، والمسلم يستلهم من وحي الله مايؤكد هذا الأمر في أعماله ، يقول تعالى : ( صنع الله الذي أتقن كل شيء ) 88 / النمل . ففي مملكة النحل ، وفي حياة النمل وفي أعشاش الطيور ...  وغيرها من المخلوقات يجد الإنسان البصير الإتقان  في أعلى متطلبات الجودة تتجلى في حياة هذه المخلوقات . فهذه الجودة دعوة ربانية للإنسان الذي آمن بالله ، ولقد وعد الله الذين يتقنون أعمالهم ،  ويخدمون شرائح مجتمعاتهم بالمثوبة والمقام الكريـــــــم ، يقول جلَّ من قائل : ( إنّا لا نضيع أجر من أحسن عملا  )  30 / الكهف .

أشير هنا إلى أهمية الأخذ بهذه القيم الإسلامية العظيمة في الجانب الخيري الذي تتصدى له الجمعيات الخيرية ، ورجال آخرون ، ونساء أخريات من الفاضلات لرفع جودة مايقوم به العمل الخيري من برامج و دورات ومن مشاريع كمساعدة الشباب على الزواج ، ورعاية الأيتام ، وكسوة الشتاء ، وتأهيل الأسر للإنتاج ...  وما تسعى إليه العمل الخيري  في آفاق الرؤى الجليَّة  لتحقيق رسالته من خلال استراتيجية  يشارك في إعدادها القائمون عليه ، والداعمون له ، والمستفيدون منه ...  ومن خلال الواجبات والحقوق  المعروفة لدى كل جهة ، ومن خلال مذكرة تفاهم عالية الجودة في نطاق حركة كلٍّ من تلك الجهات ، لتقديم أجود مايمكن تقديمه  بعد تنسيق وتنظيم لتمكين روح التكافل الاجتماعي بين هذه الجهات  التي تجمعها الجودة في العمل الخيري . وأشير بهذه المناسبة إلى  أن الجودة العالية في كل أمر وفي كل منتج إنما هي المحمولة على خُلُق الإحسان الذي يُشعر صاحبه بأن الله يراه في كل حال ، فهل أرقى وأسمى من منتَج بيد طاهرة جادة متقنة ذات كفاءة وفاعلية ، يباركها الله ربُّ العالمين !

وسوم: العدد 697