مسافر إلى جهنم

مصطفى العلي

[email protected]

سليمان الخطيب !!؟.. ومن لا يعرف سليمان الخطيب.. عزرائيل تدمر!؟...

 القاضي الرهيب العجيب..المجرم المركب المكركب.. خنزير تزيّا بزي بني آدم ليس فحسب, بل بزي أهل العدالة  "قاضي"...

أول ما يقفز إلى لسان نفسك عندما يتاح  لك  النظر في وجهه حينما يقال ارفع رأسك.. مما هو ممنوع في سجن تدمر العسكري وهو مما يعاقب عليه القانون هناك ويمكن أن تصل عقوبته إلى حد كسر ضلع .. خلع.. أو فقدان سمع... من يدري ! ربما يكتب لك أن تكون من نزلاء "وادي عويضة" مستودع أسرار سجن تدمر ومأوى الكثير ممن لم تعجبهم مسيرة الوحدة والحرية والاشتراكية والدة مسيرة التطوير والتحديث ..  أنت وحظك!.

أول ما يخطر ببالك عندما تكتحل عيناك برؤية طلعته الغير بهية.أن تقول "أعوذ بالله من شر الشيطان الرجيم" بشاعة على بشاعة .. بشاعة في الشكل وبشاعة في المضمون ينضح به أبشع منطق ..كل هذا وأكثر بكثير يجتمع في شخصية رجل كريه السمرة قصير لا يرتفع كثيرا عن الطاولة التي يجلس خلفها يقطر من ملامحه السم ورؤيته توحي بالكآبة والغم ..تفوح من طلعته رائحة الكراهية والغطرسة . تتذكر صورة  .. أنكر ونكير عندما يأتيان لاستجواب من علم مقعده من النار..أو أقبح ما يمكن أن يتخيله حيّ لشكل قابض الأرواح, عزرائيل.. تتكرر عبارة "بدي إعدمك " على لسانه بشكل مقزز حتى أصبحت محطة كلام في حديثه بل في حديث كل من حوله من رئيس سجن وسجّانين .. رقباء و أفراد حتى ..من يدري !!؟ ربما يستعملها في البيت مع أولاده وزوجته ولو على سبيل الغزل !!.. ألم يقلها للطبيب البيطري الحمصي الذي أوقعه الله بين يديه يوما!؟ بعد إذ لم يفلح بوضع روح لبقرة أمه المنتهية صلاحيتها للحياة عندما حكم عليه بالإعدام جزاء ما لم تقترفه يداه!؟ -" بدّي اعدمك"!؟

  طبعا قال وفعل فليس بين القول والفعل هنا بعيد مسافة ... يتلى الاسم على المهاجع بعد أسابيع وربما أيام ويكون الرجل من نزلاء الآخرة ... رقم ينقص من أحد المهاجع ولا شيء غير ذلك... أليس هو رئيس المحكمة الإعدامية !؟  صحيح أن محكمته تدعى ميدانية ولكن الذي ينفذ منها عمليا هو أحكام الإعدام فقط.. .ومن لا يستطيع أن يجد له تهمة بعد عصره عصرا وتقليب إضبارته وجها وظهرا ودبرا يقول له : اذهب أنت براءة أو ربما  سنتان أو خمس سنوات  حسب ارتفاع نسبة الإجرام في دمه ساعة النطق بالحكم ..... تمر عليه الأيام والسنون فلا يجد لبراءته أو حكمه المخفف أي معنى أو فرق عن حكم المؤبد الذي يطلقه على غيره من المحاكمين.... أذكر هنا جواب مدير السجن آنذاك فيصل غانم على سؤال تكرر كثيرا في مقابلة له مع السجناء اعتبرت تاريخية في حينها ..

-         سيدي أنا محكوم براءة منذ ثلاث سنوات

-         اطمئنوا "البريء فيكِن بيطلع ولو بعد مية سنة "..

في الحقيقة لم يكن سليمان الخطيب رئيسا لهذه المحكمة .. نظريا على الأقل وإن كان فعليا هو " الكل بالكل  " كما يقال فالمعروف أن الرئيس الرسمي هو اللواء حسن قعقع ممن لا يُحسبون على الطائفة الحاكمة - شاهد الزور الذي يوقع في مكتبه غيابيا.. لم يتشرف سجن تدمر بزياراته الغير كريمة إلا بعد أن أنجزت المهمة .. جاء بصحبة الخطيب ليشارك في تدشين القضاء على آخر إرهابي معترض على حكم القائد الرمز في أواخر عام 1988.. بعد أن وقّع على بياض هو ومعلمه المعروف با"البقرة الضاحكة"(الذي لم تفلح أنهار الدماء التي جرت في طول البلاد وعرضها في وضع حد لتكشيرته الغبية وابتسامته البلهاء)  المخرج العام وزير الدفاع آنذاك , مقدم كتاب فن الطبخ , أجل لقد شارك في إنجاز أكثر الطبخات قذارة وأشدها مرارة بالتوقيع على آلاف بل عشرات الآلاف من قرارات الإعدام بحق خلاصة أبناء الأمة من المخلصين والمتعلمين والمتنورين الذين أنفقت الأمة عقودا حتى تكتحل بهم عيونها ولا يملك حق إطلاق سراح سائقه الذي لازمه طيلة فترة من حياته في السلطة تزيد على عمر حمار دون أن يكون له ذنب سوى أن قريبا له  اكتشف بعد مغادرته البلاد أنه كان له علاقة مع الإخوان المسلمين..... ولا يستطيع أن يقدم شيئا لإنقاذ رقبة ابن عمته التي قصلها سليمان الخطيب.... طبعا ما كان لوزير الدفاع العظيم أن يتدخل لارتفاع نسبة الوطنية في دمه إلى درجة الدياثة والخنزرة ..

مات سليمان الخطيب لقد أعدمه ربه, أطفأه ملك الموت كما تطفئ العاصفة عود ثقاب وألقاه جثة هامدة ...رماه حراسه ومرافقوه وحاشيته في حفرة وأهالوا عليه التراب .. وكل آتيه يوم القيامة فردا... لن يستطيع أن يحاكم أحدا بعد اليوم ! بل آن الأوان ليمثل هو أمام محكمة قاضيها رب العالمين... لقد آن الأوان لحل عقدة رواية طالما كان بطلا لها ...هناك عند الله حيث تجتمع الخصوم..

 ماذا سيقول لقاضي القضاة واهب الحياة  ؟ جاء لينتزعها  من عباده منازعا إياه جبروته -"بدي أعدمك"......من سيدافع عنه !؟..  أكيد لا أحد .... هل هي محكمة ميدانية إذا ؟ ..حاشا .... شهوده من لحمه ودمه ...( اليوم نختم على أفواههم وتكلمنا أيديهم وتشهد أرجلهم بما كانوا يكسبون..).... والجمهور ..... ضحاياه ...محكوموه الذين ينتظرونه خارج قاعة المحكمة..... لا بد أن اللقاء سيكون حارا تاريخيا - حسب تعابير الدنيا - حارا... حرارة آلاف الأرواح التي أزهقت على يديه..

محكمة من نوع خاص "صنع في سورية"  سليمان الخطيب وبجانبه كاتبه هذا كل المحكمة مع حضور مدير السجن  كمساعد مهرج أو جزار منفذ ومتفرج وربما حضر معه كما في السنوات الأولى " العقيد المنحور غازي كنعان" قبل أن يتقلد منصب قائد قوات "اللدع" في لبنان وينقل هذه الحضارة الأسدية إلى الأشقاء هناك .

طبعا ليس كل أحكامه الإعدام وليس بالضرورة أن ينطق بالحكم الحقيقي أو ينطق به على الإطلاق ..هكذا مزاجية وعدم اكتراث بمشاعر من لا يعتبرهم أكثر من نوع من أنواع الماشية في مزرعة مولاه الأسد... وربما خلط الإجرام بالتظارف وخفة الدم كما حصل مع الشيخ المنشد أحمد بربور رحمه الله

- ألست أنت القائل في أناشيدك " عشرون عاما في صحارى تدمر" ؟ ... أنت رجل كبير في السن ويكفيك "عشرون عاما كما حكمت أنت على نفسك!

لا يلبث يتلى اسم المتهم حتى يجد نفسه مزروعا بين يدي عدالة القاضي بواسطة اثنين من الزبانية في لحظات.

- ارفع رأسك ... مين نظمك  ؟ بتسكين الظاء ويلتفت إلى كاتبه قبل أن تتفوه بكلمة أكتب نظّمه فلان

- شو ..؟ مو مظبوط؟

 لك أن تختار بين خيارين أحلاهما قهر أن تصدق وتبصم على كل ما كتبت الفروع بحقك وتعود إلى مكانك في الصف بانتظار عودتك إلى المهجع. وهو أمر بحاجة لسجدة شكر طويلة إن تم بسلام... أو أن يقول خذوه وما معنى كلمة خذوه !؟ اجلدوه حتى يقر بتهمته أو يعاد إلى مهجعه محمولا والنتيجة واحدة (كرر إفادته نظّمه فلان......)

سؤال يدور في خلد المرء: ضمن أي أنواع البشر يمكن أن يصنف مثل هذا القاتل!؟ عندما يصدر حكم الإعدام أو لنقل المؤبد بحق رجل كل تهمته الانتماء أو الاقتناع بفكرة لا تروق له ؟ 

أهي وظيفة يتعيّش منها بإزهاق أرواح عباد الله أو مصادرة حرياتهم والزج بهم في هكذا سجن رهيب الموت أهون منه ألف مرة أم أنها قناعة سيّده الفرعون تقمصها هو وتقضي أن لا حق في البقاء على هذه الحياة إلا لخدمه وحاشيته ومن هم على شاكلته ؟

أي طعم وأي نكهة لحياة بلون واحد حتى ولو كان أحلاها وأنقاها "اللون الأبيض" !؟... وطعم واحد ولو كان الحلو!؟ والحياة على أرض بسوية واحدة لا وديان فيها ولا جبال لا طويل ولا قصير لا سالب ولا موجب !؟... هل تستمر الحياة!؟

 – ليش تنظمت في الإخوان المسلمين أنت كمان ولاه؟

 سؤال وجهه لأحد الإخوة المكتوب في إضبارته "مريض نفسي" ممن لا يتعاملون كثيرا بحساب الخوف.. طبعا ليس بالضرورة أن التهمة صحيحة

 – ليش أنت تنظمت بحزب البعث؟ ..أعاد توجيه السؤال إلى القاضي

- ماذا !!!!!؟ ... شو قلت لك مجنون!؟

 - مالفرق بيني وبينك !؟ أنت تنظمت في حزب البعث وأنا تنظمت في الإخوان !؟..

قام من مكانه كالملسوع...تجهم اسودّ وجهه المسود أصلا أعاد النظر في إضبارته ... نفخ نفخة حارقة ثم قال :

- مجنون ! ... انقلع..

هل تَذَكََّرَ سليمان الخطيب عندما بلغت روحه الحلقوم مرارة انقطاع النفس وصعوبة الموت خنقا ؟

 هل علم ماذا كانت تفعل  حبلته عندما كانت تلتف على أعناق الآلاف وتكبت فيهم أنفاس الحياة ؟

من سيستقبل سيادة القاضي المقضي عليه عند بوابة الدار الآخرة هل ستكون الفراش وثيرة والخدمات وفيرة كما هي الحال في ميريديان تدمر عندما تكون مهمته كبيرة ؟ من سيوَقِّع له المهمة وبأي نوع من أنواع العملة سيقبضها؟

 هل  ستكون الأبواب أمامه مشرعة والطرق سالكة وتوصية رفيع القدر رئيس الجمهورية تسبقه أينما حل وحيثما ارتحل ؟ هل سيجري اتصالا مع خزنة جهنم يقول لهم "ما حدا يحكي معو.....عندي"؟... والحشود من ضحاياه الذين سيهرعون عند وصولهم نبأ قدومه غاضبين ماذا سيقول لهم ؟ هل حسب لذلك حسابا وأحضر معه من المرافقة ما يكفي ومن الجلادين والسياط والدواليب ما يشفي قلبه الممتلئ حقدا؟ أم أن اليوم دوره في استقبال مرتّب يليق بجنابه العالي !؟

قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : لَهَدم الكعبة أهون عند الله من سفك دم امرؤ مسلم .. كم من ألف كعبة قد هدم هذا المجرم!؟..

 أي عقوبة في العالم ستكافيء هكذا جريمة!؟  وأي جهنم ستتسع وتكفي هكذا قاتل!؟

على الأصح إن عدالة الله لن تضيع مثقال ذرة وهي وحدها الكفيلة بالإجابة على كل هذه التساؤلات.