أكلت يوم أكل الثور الأبيض
جاسم عبياوي
ان إرث العلاقات العربية - الايرانية مثقلة بالصراعات و الحروب و التنافسات طويلة الامد، و لم تكن تلك العلاقات يوما ما مبنية على السلام و حسن الجوار و احترام الآخر و هذه الحالة لم تكن وليدة اليوم و إنما ضاربة منذ القدم و تعود بجذورها الى زمن الحضارات القديمة و القرون الماضية و يعود جل أسبابها لانعدام الثقة بين الطرفين و الرغبة الايرانية بالهيمنة و في مد نفوذها على المنطقة بأسرها ، حيث ان هناك شواهد عديدة تدل على العنجيهة الايرانية و استعلاءها و تكبرها في تعاملها مع جيرانها العرب و كانت دائماً ترى نفسها بأنها سيدة المنطقة و يجب اخضاع الأخرين لها و ان يكونوا عبيدًا مطية لنزواتها التوسعية ، ولكن كانت دائماً تصطدم بقوة عربية باسلة تضع حداً لرغباتها الغير مشروعة و ما معركتا ذي قار و القادسية إلا مثالًا على ذلك مما جعل الفرس جميعهم يحقدوا على العرب و يعدونهم في عداد العدو الاول و اللدود لهم و يعدون العدة و ينتظرون الساعة المناسبة لينتقموا منهم و يشفو غليل كرههم و حقدهم للعرب.
فأتت تلك الفرصة المناسبة عندما التقت مصالحهم مع مصالح الغرب الاستعمارية في المنطقة العربية و على حساب العرب انفسهم ليصنعوا منها عراباً في الشرق الاوسط لتكون حارساً على مصالح الغرب لتعبد الطريق أمام تجزئة الوطن العربي الكبير و اغتصاب اقطاره شيئا فشيئا و بدأت هذه المؤامرة بتأمر البريطانيين على امير المحمرة شيخ / خزعل الكعبي و تسليم امارته الى الفرس في عام 1925 فهم بدءوا من الأحواز العربية حيث تعد البوابة الشرقية للوطن العربي مما يسهل الطريق أمام زحفهم و تدخلاتهم في الشؤون العربية الأخرى ، فكان قلب الوطن العربي المحطة الأخرى و ليست الأخيرة حيث تم اقتطاعه من قبل الصهيونية اخت الصفووية و هما وجهان لعملة واحدة و خطران متوازيان لضرب و تقسيم و تجزئة الوطن العربي و لن تتوقف مؤامراتهم عند هذا الحد فكان الاحتلال الايراني للجزر الاماراتية الثلاث طنب الكبرى و الصغرى و ابو موسى في عام 1971 ، لم يخرجوا عن هذا الصياغ و لم يكتفو بذلك و إنما تم تسليم العراق الى ايران على طبق من ذهب بعد احتلاله و اسقاط نظام صدام حسين في عام 2003 الذي كان بمثابة بيضة القبان و عامل التوازن الاستراتيجي و الرادع الحقيقي للاطماع الايرانية في ابتلاع الوطن العربي بأكمله و تأسيس امبراطوريتها المذهبية ، مما فتح الباب على مصراعيه للتدخل الايراني في شؤون الدول العربية بعد ما اصبحت البلدان العربية ساحة مكشوفة امام دسائسها، فنحن هنا أمام لعبة الدومينو التي بسقوط الحجر الأول تتساقط بقية الاحجار تباعاً و لأ شك ان الاحواز كانت الحجر الاول في هذه اللعبة ((و الحبل على الجرار)) كما يقول المثل العربي.
ولكن في المقابل وللأسف الشديد ان الانظمة العربية لا تملك استراتيجية واضحة المعالم للتاثير على مجريات الامور التي تحدث حولها و هي عاجزة عن التصدي لمواجهة هذا الخطر الايراني الزاحف المهدد لكل الكيانات العربية حيث لم يستثني احداً منها و لقد اصبح الايرانيين يعلنون عن استراتيجيتهم جهراً دون خوفًا او خجلاً و أخر هذه التصريحات ما جاءت على لسان قائد الحرس الثوري السابق / يحي رحيم صفوي حيث أشار بأن حدود بلاده وصلت الى البحر الأبيض المتوسط ((جنوب لبنان)).
فاليوم الدول العربية على مفرغ طرق فأما ان يضعوا اختلافاتهم البينية جانباً و ان يتوحدوا لدرء الخطر الايراني الداهم و ان يتخذوا القرار الحاسم بنقل الصراع مع ايران الى داخل حدودها و على اراضيها و في مدنها و جعلها تدفع ثمن مغامراتها على غرار ما تفعل هي في البلدان العربية ويتم ذلك من خلال تقديم الدعم للشعوب غير الفارسية في جغرافية ما تسمى ايران التي تناضل من أجل نيل حريتها و استعادة كرامتها و استقلالها من الاحتلال الايراني الغاشم الجاثم على صدورها منذ زمن طويل و كذلك دعم الفصائل المقاومة سواءً في العراق و سورية و دعم الحكومة اليمنية في مواجهة الحوثيين المدعومين من قبل ايران و وضع حد لكل هذه التطاولات الايرانية و إلا في حال استطاعت ايران أن تنتصر على هذه الجبهات فعندئذ لن تبقى دولة عربية في مأمن من هذا التوسع الايراني على أراضيها و تقوم ايران بابتلاعها واحدة تلو الأخرى و يصدق المثل عليها الذي يقول ((أكلت يوم أكل الثور الابيض)) فنذكرهم هنا بالحكمة ((درهم وقاية خير من قنطار علاج)).