مستقبل الكبار الثلاث وتحالفاتهم القادمة

باسم حسين الزيدي

مركز المستقبل للدراسات والبحوث

في أي حديث عن مستقبل العملية السياسية في العراق، لا يمكن تجاهل اللاعبين الأساسيين فيها، وهم في الغالب من يدير عجلة أي حكومة قادمة، نحو الامام او الخلف، كونهم يسيطرون (على الأقل سياسياً) على المكونات الكبيرة التي يتشكل منها فسيفساء العراق (الشيعة، السنة، الكرد)، وعلى أيديهم تجري التحالفات والتفاهمات التي تحكم العراق للدورة البرلمانية القادمة، وربما للدورة التي ستليها ايضاً.

المالكي، النجيفي، البارزاني، توليفة غريبة لكنها حقيقية، تسيدت المشهد الحالي، بعد تبادل الأماكن مع من لم يحالفه الحظ بالبقاء من الصقور القديمة، لمرض او فشل او مؤامرة؟ من يدري؟

المهم ان الأمور تسير باتجاه بقاء هذه الوجوه مؤثرة للسنوات القادمة، على الرغم من ارتفاع أصوات الجميع للمطالبة بالتغيير، والغريب انهم كانوا اول المبادرين في الدعوة الى التغيير؟

في قراءة بسيطة لطبيعة العلاقة التي تجمع (الكبار الثلاثة) مع بعضهم، نجد ان الخلاف حول المصالح وعدم الانسجام هو المتحكم بينهم راهناً.

لكن إذا انطلقنا من مبدأ ان في أي عمل سياسي لا توجد صداقة دائمة، ولا عداوة دائمة ايضاً، بل هناك مصالح دائمة، فانه ليس من الغريب ان تتغير المواقف بين "الأعداء والأصدقاء" بعد ان تعلن النتائج الانتخابية الى الملأ، حيث سيتم وضع اللمسات الأخيرة حول التفاهمات التي تجري وتيرتها الماراثونية حالياً، خلف الأبواب المغلقة، لترى النور قريباً.

وقد انقسم المحللون والمتابعون للشأن العراقي الى فريقين، الأول يرى ان التحالف مع المتصارعين (مثل النجيفي والمالكي او الأخير مع بارزاني) ممكن، وان التصريحات الأولية التي أطلقوها حول الخطوط الحمراء، جاءت منسجمة مع فرضية رفع سقف المطالب في حال تمت أي تحالفات مستقبلية بينهم.

فيما أشار الفريق الثاني، الى استحالة إعادة هذا النوع من "التحالفات الهجينة"، مستندين على فشل التجارب السابقة، وانسجاماً مع عملية "التغيير" المفترضة، سيما وان الكلام يدور حول تحالف يقوده السنة "متحدون" لإقصاء المالكي عن تجديد ولايته الثالثة من خلال حكومة الأغلبية، في حال توصل الاتفاق الى "حلف هجين" من نوع اخر ربما يجمع "الاكراد" والناقمين على تحالف المالكي من "الشيعة".

المالكي والاغلبية

إذا عدنا الى السيد نوري المالكي، واخذنا عينة من التسريبات او التوقعات المنشورة في اغلب المواقع (مع/ ضد/حيادية) حول نتائج الانتخابات التي سيحصدها، فان الملاحظ ان الجميع يتفق بأنه سيتربع في المركز الأول بفارق مريح عن منافسيه، وان كان هذا التقدم لا يعني بالضرورة عدم حاجته الى الاخرين، في حال أراد تشكيل حكومة الأغلبية، لكن السؤال الأهم هو مع من سيتحالف؟ إذا أراد المالكي تشكيل حكومته المفترضة بعيداً عن الضغوط، وما هو حجم التنازلات التي ستقدم بين المتحالفين؟

ويبدو ان رفع القيود والخطوط الحمراء بين المتحالفين سيتم بوتيرة أكبر بعد اعلان النتائج، خصوصاً داخل "البيت الشيعي"، الذي من الممكن ان يلبي طموحات الأغلبية لدى المالكي فيما لو تمت هذه التفاهمات في إطار العملية السياسية، إضافة الى التأثيرات الإقليمية والخارجية التي مارست وتمارس ضغوطها للدفع بهذا الاتجاه، لتجنب المنطقة المزيد من المفاجآت التي قد تعيد حسابات الكثيرين، سيما الفاعلين منهم.

النجيفي والتحالفات

السيد النجيفي امام مهمة أصعب، فعليه اولاً اقناع العديد من الأطراف بضرورة التغيير، وفوائد التغيير، خصوصاً وان الشراكات الاستراتيجية لا تقتصر على إزاحة المالكي او تشكيل الحكومة وما الذي سيحدث بعد ذلك؟ وكيف سيدار البلد؟ وما الذي سوف يعطيه للمتحالفين؟ او بالأحرى من سيقود هذا التحالف؟

وفي حال أراد ان يشكل تحالف قوي يتصدى لتحالف المالكي، فعليه اولاً اقناع شريكين أساسيين (الاكراد والشيعة) للدخول ضمن لعبة التحالفات مع "متحدون"، فيما ستكون لديه مهمة أخرى، لإقناع السيد اياد علاوي وصالح المطلك، وكسبهم في صف التحالف الذي، في حال تحوله من الفرضية الى الحقيقة، ستكون ولادته صعبة جداً، او ربما سيكون من باب "حلف اليوم الواحد"، لينفرط عقده بعد ان تنجز مهمته.

الاكراد والتربص

التربص او اختيار الأقوى "البقاء للأصلح، البقاء للأقوى"، الطريق الذي دأب الاكراد على سلوكه، بما ينسجم ومصالحهم القومية، سيما وان دورهم غالباً ما يكون حاسماً في تغيير موازين لعبة التحالفات داخل البرلمان، لذا لن يواجه الاكراد أي مشكلة في التحالف مع الطرف الأقوى، شرط حل الخلافات المتعلقة مع الحكومة المركزية، واهمها مسالة تصدير الطاقة وعائداتها.

الخاتمة

هناك مسالة مهمة تتحكم في إطار مستقبل الكبار الثلاثة، وهي قدرة كل فرد منهم على إدارة دفة المفاوضات، والموازنة بين المصالح وحجم التنازلات، واحداث التأثير المطلوب في جذب الكتل الأخرى.

طبعاً هي ليست بالعملية السهلة، لكنها ليست مستحيلة، واغلب الظن ان من سيضع في نيته، البحث عن شريك استراتيجي وليس شريك آني او لحظي، هو من سيكسب الجولة القادمة، وربما سيحافظ على تماسك تحالفه الذي قد يوصل بالنتيجة الى تشكيل حكومة اغلبية ائتلافية، وليست حكومة اغلبية لائتلاف واحد فقط.