16 هللة أنقذت نفْساً
د. محمود نديم نحاس
رغم أني كتبت مقالتين سابقاً عن أعجوبة الزمان، وبقية السلف الصالح، الدكتور الطبيب عبد الرحمن السميط، رحمه الله، فإني لا أملُّ الحديثَ عنه، فقد كان أمةً في رجل، أو هو رجل بأمة.
حديثي عنه اليوم مأخوذ من محاضرة له في جدة منشورة على اليوتيوب، تحدث فيها عن بعض أعماله الإغاثية والطبية في أفريقيا. ففي أحد الأيام جيء إليه بطفل عمره سنتان من شمال كينيا، وكان عنده نقص شديد في كل شيء، ووزنه 44% مما يجب أن يكون. يقول الدكتور: مهنتي في الطب تقول بأنه لا أمل أن يبقى على قيد الحياة. ورغم أن إطعامه اليومي كان يكلف 16 هللة فقط، وهي لا شيء بالنسبة لمن سمعوا المحاضرة، لكن بالنسبة للدكتور الذي أمامه عشرات الآلاف من الأطفال فإن هذه الهللات تعني الكثير. فقال لمساعديه: لا نستطيع أن نتبنّى إطعامه، فمن لديه أمل في الحياة أَوْلى منه. ولما انتهى من عمله وخرج وجد الطفلَ ملقى على الأرض ووجهه مليء بالتراب وأمه تبكي عنده! فأخذه الطبيب ونظّف وجهه، وتغلّبت العاطفة على العقل والعلم، وأراد أن يخصص له وجبة في اليوم، وهي تكلفه 16 هللة، لكنه خشي أن يخون الأمانة إذا خصص له هذه الوجبة لأنها ستؤخذ من حصة طفل آخر عنده أمل في الحياة أكثر من هذا الطفل! ويعلّق الدكتور بأن من يخون في 16 هللة يمد يده إلى 16 مليون! ثم إنه طلب من المساعدين أن يقبلوا الطفل وأن يسجلوا كلفة وجباته عليه ليدفعها من جيبه أو جيب عياله.
وبعد 12 سنة وصلت للدكتور صورة ذلك الطفل وكان قد حفظ القرآن الكريم، وكان الأول على مدرسته. ويضيف: إن ذلك الطفل لم يرَ المصحف في حياته، ولكنه تعلم من المعلم بالطريقة القديمة، وهي طريقة الكتابة على اللوح، ولم يكن تعليمه داخل مبنى، ولكن تحت شجرة.
نعم 16 هللة في اليوم عملت كل هذا! ويقول الدكتور: يموت سنويا في أفريقيا مليون طفل بسبب الملاريا لأن أهاليهم ليس لديهم 11 هللة لشراء الدواء المناسب! ويموت مليونا طفل من الإسهال الذي كلفة علاجه 26 هللة. كما يُصاب مائة ألف طفل بعمى دائم بسبب نقص فيتامين أ الذي قيمة الحبة الواحدة منه هللة واحدة. ويكمل بأنه يمكنه أن يمضي ساعات يذكر ماذا تفعل الهللات البسيطة في علاج أولئك الأطفال.
كلامه عن أفريقيا يدمي القلب فالفقر والعوز هو السائد بين أولئك القوم الذين تحدث عنهم الدكتور. لكن اليوم أُضيف إليهم قوم كرام آخرون هم إخوتنا السوريون الذين كانوا في بحبوحة من العيش، فاضطروا تحت خطر الموت الذي تقذفه الطائرات، وخطر الاعتداء على الأعراض الذي يقوم به الشبيحة، إلى الهرب من ديارهم للعيش لاجئين أو مشردين، فصاروا في حاجة لمن يعطف عليهم ويقدم لهم المساعدات، بل إنهم في حاجة لمن يسمعهم الكلمة الطيبة ويعلّم أولادهم.
فمن أراد أن يفعل ذلك فليبحث عن الجهات المرخصة المعتمدة، وليستفسر منها كيف توصل المساعدات، لأنني قرأت مؤخراً أن ما يتم توزيعه من معونات عن طريق الأمم المتحدة إنما يذهب إلى الطرف الرسمي، وليس إلى منظمات الإغاثة العاملة في أماكن تواجد المشردين واللاجئين.