حينما تطعن الزوجة في زوجها الميت
معمر حبار
للإنسان حرمة وقداسة، حيا كان أو ميتا. وتُعرفُ المجتمعات من خلال تعاملها مع الإنسان لحما وعظما. وتكمن الرجولة في إحترام مشاعر الحي الذي فقد الحي، وفي الميت الذي فارق الحي.
أثناء العودة من بلدية بني حواء، بعد أداء صلاة الجمعة بمسجد الشهداء بتنس، تحدّث مرافقه عن زميلته في التدريس، فقال..
توفى زوجها، وترك وراءه 3 أبناء، أكبرهم في السنة الأولى ابتدائي. وصبرت واحتسبت، وبكت فراق الزوج بأدب، ودعت له بما يدعو الزوج لزوجه.
لم تكن الفاجعة من مصيبة الموت، وإن كان الفراق قاصيا على الزوج وأم الأبناء. لكن المصيبة الأشد والأقوى، تلك التي جاءتها من طرف أهل زوجها، حين اقتحم الدار أخوة الزوج، وطلبوا منها نقل الزوج الميت إلى دارهم، حيث كان يسكن مع أهله قبل الزواج، ليدفن هناك حيث تدفن العائلة أفرادها.
حينها، لم يتمالك صاحب الأسطر نفسه، وتدخل بقوة وهو يخط الطريق بسيارته، قائلا ..
إنه الظلم بعينه، وإنه استغلال النفوذ، وانفراد بالمجروحة، وكأن الزوج لم يكفها فراق زوجها، ليُخطفَ منها على أيدي "الرجال !"، ويُوسّد في التراب بعيدا عنها، وتُحرم الرقيقة من زيارة قبر زوجها، ويُحرم الأبناء من زيارة قبر أبيهم، لأن المقبرة التي حُوّل إليها الزوج عنوة، بعيدة وصعبة الوصول إليها، بالنسبة للزوج والأبناء.
كان على هؤلاء "الرجال !"، أن يقفوا إلى جانب زوج أخيهم، ويكفكفوا عنها الدمع، ويحملون عنها ثقل المصيبة، ويواسونها في فقد الزوج الغالي، ويضمون أبناء أخيهم إلى صدورهم وهم الأعمام .. فينالون بذلك، أجر المعزي، وثواب المواسي، وفضيلة أخ الزوج، ومنزلة العم، و شهامة رجل وعزّته في الوقوف إلى جانب إمرأة ضعيفة، تحتاج لليد الأمينة، و أيتام متعطشون للصدر الدافئ.
ليست المروءة في خطف الزوج من زوجه، إنما المروءة في الجمع بينهما. ومن تمام الجمع واللقاء، أن يُدفن الزوج حيث الزوجة والأولاد. وإن التي تعتد 4 أشهر وعشرا، ومن أجل فراق زوجها، تحرم نفسها زينة الحياة، وهي في أكمل عقلها وعطاءها، لهي أحق وأولى بدفن زوجها بالقرب منها ومن أبناءها.