رواية النساء للحديث الشريف

د. محمد مطيع الحافظ

وعلو الأسانيد عندهن

د. محمد مطيع الحافظ

من المعروف أن لطرق نقل الحديث وتحمّله أقساماً عدة منها: الإجازة بأنواعها. ومنها: المناولة، ومنها: المكاتبة، ومنها السماع والتلقي، سواء من الشيخ أو القراءة عليه وهما أعلاها.

كل هذه الطرق كانت بالإسناد، والإسناد خصيصة لهذه الأمة، وسنة بالغة من السنن المؤكدة، وطلب العلو فيه سنة أيضاً، ولذلك استحبت الرحلة – كما قال الإمام النووي -.

قال الإمام أحمد بن حنبل رحمه الله: طلب الإسناد العالي سنة عمّن سلف، وعلوه يبعده من الخلل المتطرق إلى كل راو.

والعلو المطلوب في الحديث الشريف خمسة أقسام:

أجلُّها:    القرب من رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم بإسناد صحيح نظيف.

الثاني:   القرب من إمام من أئمة الحديث، وإن كثر العدد من ذلك الإمام إلى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم.

الثالث:   العلو بالنسبة إلى رواية البخاري ومسلم أو أحدهما في صحيحه، أو غيرهما من أصحاب الكتب المعتمدة.

الرابع:    العلو بتقدم وفاة الراوي.

الخامس: العلو بتقدم السماع.

ولهذا سعى العلماء طلباً لعلو السند، ورحلوا الرحلات الواسعة والبعيدة لتحصيل ذلك. ومنهم الحافظ ابن عساكر، والإمام الموفق، والحافظ الضياء، والحافظ ابن حجر ... (إرشاد طلاب الحقائق للنووي 120، 135، 175).

وأوّلُ سِنٍّ يصح فيه سماع الصغير كما قال القاضي عياض خمس سنوات، وهذا هو الذي استقر عليه عمل أهل الحديث المتأخرين، فيكتبون لابن خمس سنين (سمع) ولمن دونها (حضر) أو (أُحضر). (إرشاد طلاب الحقائق للنووي ص120).

ولم يقتصر الأمر في ذلك على الرجال فقط، بل إن النساء شاركن في ذلك منذ عصر الصحابة كالسيدة عائشة التي روت عن رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم كثيراً من أحاديثه، ونقلت إلينا علماً جماً، وغيرها كثير. ونورد فيما يلي بعضاً من الراويات للحديث الشريف اللاتي كان لهن الفضل في التحديث والسند العالي، ولذلك قُصدتْ الرحلة إليهن، وطُلبَ بعضهن إلى مصر وغيرها لرواية الحديث بالسند العالي، فمن هؤلاء النسوة الشيخات اللاتي تميزن برواية الحديث الشريف بالسند العالي والتفرد:

- تقية بنت غيث الأرمنازية الصورية (505-579هـ)

صحبت الحافظ السلفي، وأثنى عليها في تعليقاته (وفيات الأعيان 1/290).

- فاطمة بنت سعد الخير الأنصارية البلنسية (522-600هـ) شيخة صالحة مسندة بأسانيد عالية. اعتنى بها والدها فسمعت حضوراً ولها سنتان وشيء من فاطمة الجوزدانية، وقدم بها أبوها بغداد في سنة 525هـ فسمَّعها حضوراً من أبي القاسم ابن الحصين وزاهر الشحامي ... بالغ والدها في إفادتها حتى أسمعها الخبر الواحد من الشيخ الواحد ثلاث مرات. بكّر بها وهي صغيرة – كما قلنا – ثم علَّت سنها والشيخ حيٌّ فأعاد لها سماعه.

وبلّغه الله تعالى فيها ما قصده، ونشرت علماً كثيراً، وحدّثت بدمشق والقاهرة. (تاريخ دمشق لابن عساكر، تراجم النساء 287).

- ست الكتبة نعمة بنت علي بن الطراح (524-604هـ) من بيت العلم والحديث. حدّثت هي وأبوها وجدّها وجدّ أبيها وأخوها محمد وأختها عزيزة، وأختها جوهرة.

سمعت من جدها يحيى عدداً من تصانيف الحافظ البغدادي. ومن عمر البسطامي.

حدّث عنها الحافظ الضياء وابن خليل الدمشقي، وعبد العظيم المنذري وجماعة آخرهم عبد الرحمن بن أبي عمر المقدسي والفخر علي ابن البخاري. قال الفخر ابن البخاري: (قدمت علينا في جمادى الأولى سنة 601هـ دمشق). فسمع عليها جماعة. وحدّثت بدمشق والحجاز وبغداد وغيرها. (سير أعلام النبلاء 21/434).

- لؤلؤة بنت عبد الله (000-619هـ) مولاة أزهار بنت عبد الله الحرة.

وهي عتيقة الإمام الصائن هبة الله ابن عساكر.

سمعت من الحافظ ابن عساكر وروت عنه. (التكملة لوفيات النعلة 3/92).

- جهمة بنت المفرج بن مسلمة الدمشقي (548 تقريباً – 638هـ)

شيخة صالحة مسندة معمّرة، صاحبة سند عال.

روى عنها المجد ابن الحلوانية، ونصر الله وسعد الله ابنا النابلسي، وأجازت للشيخ البهاء ابن عساكر، وللحافظ المنذري. (تاريخ الإسلام 14/266).

- كريمة بنت عبد الوهاب القرشية الزبيرية (546-641هـ)

شيخة صالحة مسندة أصيلة، مسندة الشام، معمّرة.

سمعت الحديث من ابن الحبوبي (ت555هـ) وغيره، وأجاز لها كثيرون. وتفرّدت في الرواية عن كثيرين ممن سمعت منهم. أخذ عنها الكثير من الحفاظ والأئمة منهم: الحافظ الضياء المقدسي، وزكي الدين المنذري والبرزالي وابن الصابوني، وأبو شامة المقدسي. كانت امرأة صالحة جليلة طيبة، طويلة الروح على الطلبة، لا تمل من الرواية، وحدَّثت بالكثير. (التكملة لوفيات النقلة 3/623).

- صفية بنت عبد الوهاب القرشية الزبيرية (000-646هـ)

شيخة مسندة معمّرة صالحة. طال عمرها، وتفردت بإجازة جماعة، واحتيج إليها، فقصدها الطلبة. (سير أعلام النبلاء 23/270).

- مدللة بنت محمد ابن الشيرجي (000-670هـ)

شيخة كبيرة، مسندة، روت الكثير بالإجازة عن جماعة، ولها أربعون، أخرجها لها ابن الصابوني عن الخشوعي وطبقته. (المقتفي 1/254).

- الخاتون بنت الملك المحسن أحمد الأيوبي (597-678هـ)

جدّها: السلطان صلاح الدين الأيوبي. شيخة مسندة معمّرة، قال الحافظ الذهبي: كانت جليلة عالية الإسناد.

سمعت الحديث من ابن طبرزد، وحنبل، وست الكتبة وجماعة روى عنها كثيرون. (تاريخ الإسلام 15/365).

- فاطمة بنت علي بن القاسم ابن عساكر (599-683هـ)

شيخة كبيرة، مسندة، معمّرة أصيلة. عالية الإسناد، مُعرقة في الحديث. سمعت من ابن طبرزد، وحنبل في الخامسة من عمرها وسمعت بعدها الكثير. روى عنها الدمياطي، وابن الخباز، وابن العطار، والمزي، والبرزالي. (تاريخ الإسلام 15/503).

- ست العرب بنت يحيى الكِندية (599-684هـ)

شيخة جليلة، عالية السند، صالحة. سمعت من مولاها الإمام أبي اليمن الكندي (مشيخته) وغيرها.

روى عنها الشيوخ: ابن العطار، وابن الخباز، والمزي والبرزالي، وابن تيمية وغيرهم. (تاريخ الإسلام 15/519).

- ست الدار بنت عبد السلام ابن تيمية (000-686هـ)

شيخة صالحة مسندة، من بيت علم وفقه وحديث. حدّثت عن ابن روزبه، والموفق

عبد اللطيف البغدادي.

روى عنها ابنا أخيها: الإمام أبو العباس أحمد بن عبد الحليم وأخوه أبو محمد، والبرزالي، وابن مسلم الزيني الصالحي قاضي القضاة. (تاريخ الإسلام 15/570).

- آسية بنت أحمد بن عبد الدائم المقدسي (000-687هـ)

شيخة صالحة، حافظة للقرآن، معمّرة، راوية للحديث الشريف بأسانيد عالية.

أجاز لها كثيرون سنة 606هـ. كانت شيخة مباركة، تلقِّن النساء القرآن الكريم بدير المقادسة، وبيتها معمور بكثرة التلاوة والدراسة. قال الحافظ البرزالي: سمعنا عليها وعلى إخوتها الخمسة. (تاريخ الإسلام 15/589).

- زينب بنت أحمد بن كامل المقدسي (601-687هـ)

شيخة صالحة، معمّرة، مسندة.

حضرت لسماع الحديث على ابن طبرزد، ولها سماع أيضاً من ابن الزبيدي وروت عنهما وأجاز لها جماعة من بغداد وأصبهان. سمع منها جماعة: البرزالي وغيره.

- زينب بنت مكي الحراني (593-688هـ)

شيخة صالحة تقية، معمّرة، مسندة، عابدة.

سمعت على حنبل الرصافي (مسند الإمام أحمد) وروته كله عنه، وعلى عمر ابن طبرزد (جامع الترمذي) و (سنن أبي داود) و (الزهد) لابن المبارك و (مغازي الواقدي) و (كتاب النسب للزبير بن بكار) و (الغيلانيات).

قال الحافظ الذهبي: روت شيئاً كثيراً عن ابن طبرزد.

وسمعت على ابن الكرابيسي كتاب (عمل اليوم واليلة) لابن السني، وسمعت من ست الكتبة بنت الطراح في الخامسة من عمرها سنة 598هـ، وسمعت من أبي القاسم أحمد السلمي ولها إجازات كثيرة. روت الكثير، وطال عمرها. قال الحافظ الذهبي: (وكانت أسند من بقي من النساء في الدنيا).

سمع منها الحفاظ الأئمة: البرزالي، وابن الحاجب، والإمام أحمد ابن تيمية، وروت الحديث نيفاً وستين سنة، وازدحم عليها الطلبة.

قال الحافظ الذهبي: وكانت من النساء العوابد الفقيرات المتعففات، صاحبة أوراد ونوافل، وأذكار وتلاوة، وخشية واستغفار (رضي الله عنها). (تاريخ الإسلام 15/606-607).

- أم الخير بنت تمام السلمي (000-689هـ)

شيخة مباركة صالحة مسندة معمّرة. لها إجازة مؤرخة سنة 609هـ وفيها نحو مئتي شيخ، منهم ابن الحصين وابن غانم وأبو اليمن الكندي، وابن الحرستاني، وزينب الشعرية. عاشت نحواً من تسعين سنة.

- صفية بنت علي الواسطي (611-692هـ)

شيخة زاهدة مسندة. سمعت من الإمام الموفق المقدسي، ومحمد بن خلف بن راجح، والناصح محمد بن إبراهيم بن سعد. وغيرهم، وهي آخر من سمع على الناصح.

قرئ عليها الجزء الأول والثاني من الفوائد المنتخبة عن أبي شعيب الحراني. (المقتفي للبرزالي 2/343).

- ست الأهل بنت عبد المحسن التنوخي الحلبي (000-694هـ)

شيخة مسندة فاضلة. لها مشيخة خرَّجها لها ولدها يعقوب ابن الصابوني، سمعها عليها الحافظ البرزالي وغيره. (المقتفي 2/385).

- عائشة بنت عيسى ابن الإمام الموفق المقدسي (611-697هـ)

شيخة صالحة معمّرة، مسندة أصيلة. سمعت من أبيها، والشهاب ابن راجح، والعز محمد ابن الحافظ عبد الغني المقدسي وغيرهم.

وسمعت من جدّها الموفق، والبهاء عبد الرحمن المقدسي، وسمعت حضوراً سنة 614هـ وروت الحديث في سنة 652هـ وما بعدها. حدّث عنها ابن الخباز في حياتها، وسمع منها عامة الطلبة. وسمع عليها الحافظ الذهبي سنة 695هـ، وتفردت بأجزاء يسيرة. (تاريخ الإسلام 15/857).

- خديجة بنت يوسف البغدادية ثم الدمشقية (628-699هـ)

شيخة عالمة فاضلة واعظة، كاتبة قارئة، مسندة. قال الحافظ الذهبي: كان أبوها: قيّم حمام فحرص عليها لما رأى نجابتها، وأسمعها الحديث الكثير من الشيوخ، وعلّمها الخط والكتابة، والقرآن والوعظ.

كانت تعظ النساء وحجت. سمعت الحديث من ابن اللتي وابن الشيرازي وكريمة وغيرهم. وسمعت بمصر، وأعربت على النحاة. قال الحافظ الذهبي: قرأ لنا عليها البرزالي أبقاه الله (مقامات الحريري) وكانت قد تفرّدت بها بدمشق، قال البرزالي: قرأتُ عليها بدمشق، وبطريق الحجاز بالعلا وتبوك ومعان. (المقتفي 3/76).

- خديجة بنت عبد الرحمن بن أبي المقدسي (647-702هـ)

شيخة صالحة مسندة، روت عن خطيب مردا، وسمعت من اليلداني وأحمد بن

عبد الدائم وجماعة. قال الحافظ الذهبي: سمعتُ منها: انتخاب الطبراني لابنه على ابن فارس. (معجم شيوخ الذهبي 1/229).

- ست الأهل بنت علوان البعلبكية (000-703هـ)

شيخة مسندة معمّرة صالحة، أبوها من الصالحين الكبار. سمعتْ من البهاء عبد الرحمن المقدسي الكثير، وتفرّدت عنه، من ذلك كتاب (الزهد) للإمام أحمد في أربع مجلدات. سُمع عليها كتب وأجزاء كثيرة منها: كتاب فضائل القرآن لجعفر، والجزء الرابع من كتاب الفتن، وجزء فيه مسائل عن الإمام أحمد.

قال البرزالي: كانت من أهل الدين والصلاح والقناعة، لا تبالي بنفسها في مأكل ولا غيره. (المقتفي 3/236).

- فاطمة بنت سليمان الأنصارية (620-708هـ)

شيخة معمّرة مسندة بأسانيد عالية، صاحبة بر وصدقات، أسمعها أبوها من المسلم النصيبي وكريمة الزبيرية، وابن رواحة. قال الحافظ البرزالي: روت لنا عن أكثر من مئة شيخ، منهم بالسماع وبالإجازة.

قرأ عليها الحفاظ ومنهم الحافظ الذهبي: قرأ عليها قبل موتها بيوم، وحضر معه جماعة. وقال: تفرّدت وأكثر عنها الجماعة بالإجازات العالية. (المقتفي 3/390).

- زينب بنت مظفر الأدمي (636-709هـ)

شيخة مسندة، كاتبة، قابلت صحيح البخاري مع زوجها المحب عبد الله المقدسي.

سمعت الحديث من اليلداني، وخطيب مردا وطائفة. (معجم شيوخ الذهبي 1/257).

- فاطمة بنت إبراهيم البطائحي (625-711هـ)

شيخة معمّرة مسندة عابدة. سمعت على والدها، وعلى الحسين بن المبارك الزبيدي: صحيح البخاري بكماله، وسمعت عليه أيضاً (مسند الشافعي) و (جزء أبي الجهم)

و (الأربعين المطائية). وسمعت (صحيح مسلم) على ابن الحصيري الحنفي، وسمعت (الأربعين للسلفي) على ابن رواحة.

سمع الناس عليها ومن جملة ما قرئ عليها (صحيح البخاري خمس مرات، وحدّثت وروت الكثير. سمع منها الحفاظ: الذهبي والسبكي والبرزالي وجماعة. (المقتفي 4/12).

- هدية بنت علي البغدادية ثم الصالحية (626-712هـ)

شيخة معمّرة زاهدة، مسندة كبيرة. روت عن الحسين الزبيدي حضوراً (صحيح البخاري)، وسمعت من ابن اللتي، وسمعت كثيراً من الكتب والأجزاء من المحدث جعفر الهمْداني. روى عنها كثيرون منهم: الصلاح العلائي والحافظ الذهبي، والبرزالي وقال: قرأت عليها (مسند الدارمي) وروى عنها أيضاً: عبد الله بن أحمد المقدسي. والواني. (معجم الشيوخ 2/362).

- ست الوزراء (وزيرة) بنت عمر ابن المنجى التنوخي (624-716هـ)

شيخة صالحة مسند الوقت، معمّرة، من بيت مشهور بالعلم والصلاح والفضل. اعتنى بها والدها، وأسمعها الحديث، فسمعت عليه ثلاثة مجالس من أمالي الخطيب البغدادي، والجزء الخامس من فوائد أبي القاسم عبد الرحمن الدمشقي، وكذلك الجزء الثالث عشر منها.

وسمعت صحيح البخاري من مسند الوقت الحسين الزبيدي.

قال الحافظ الذهبي: روت الكثير وعمّرت دهراً. وكانت آخر من حدّث بمسند الشافعي. قرأتُ عليها (الصحيح) و (مسند الشافعي).

حدّثت بصحيح البخاري بروايتها عن ابن الزبيدي أكثر من عشر مرات، منها ثلاث بقراءة البزالي بدمشق، وبالديار المصرية خمس مرات. وروت مسند الشافعي مرات عديدة قال الصفدي: (وطُلبت إلى مصر سنة 715هـ أقدمها أرغون نائب مصر، فسمع عليها الصحيح) سمع عليها كثير من الحفاظ والأئمة. قال الحافظ الذهبي: وقد روت يوم وفاتها وفاجأها الموت. (أعيان العصر 2/398، المقتفي 4/235).

- زينب بنت عبد الله ابن الرضي المقدسي (000-718هـ)

شيخة مسندة، صابرة، معمّرة. سمعت من الحافظ الضياء وتفرّدت عنه بأكثر من عشرة أجزاء، وسمعت من اليلداني، ومن عمها مجد الدين ابن الرضي وغيرهم. (المقتفي 4/338).

- فاطمة بنت علم الدين القاسم البرزالي (707-731هـ)

شيخة صالحة مسندة شابة، عابدة، كاتبة، حاجة.

أحضرها والدها لسماع الحديث وعمرها ثلاثة أيام، وسمعت الحديث الكثير، وسمعت (صحيح البخاري) على ست الوزراء. وحفظت القرآن العظيم، وكتبت ربعة شريفة،

و (الأحكام) للمجد ابن تيمية، وصحيح البخاري وكمّلته قبل موتها بأيام قليلة قال الصلاح الصفدي: ونسختها هذه بدمشق من النسخ التي يعتمد عليها وينقل منها.

سمعت من الشيوخ مئة وخمس وثمانين شيخاً وشيخة. (تاريخ حوادث الزمان 2/477).

- ست العرب بنت عبد الحافظ الكوري (669-731هـ)

شيخة مسندة صالحة. سمعت من القاضي عبد الرحمن بن أبي عمر (جامع الترمذي) ومشيخته، وسمعت أيضاً من الفخر بن البخاري وحدّثت. (تاريخ حوادث الزمان 2/497).

- فاطمة بنت عبيد الله المقدسي (660-732هـ)

شيخة مسندة من بيت علم وصلاح. سمعت (صحيح مسلم) من الإمام ابن عبد الدائم بقراءة أبيها، وسمعت أيضاً على عدد من المقادسة، وحدّثت. (معجم الشيوخ للذهبي 2/11، 1/251).

- أسماء بنت محمد ابن صصرى التغلبية (639-733هـ)

شيخة صالحة معمّرة مسندة، متفردة. سمعت من السديد مكي ابن علان: خمسة أجزاء، وحدّثت بها مرات، وتفرّدت بثلاثة منها.

قال البرزالي: قرأت عليها مجلس رمضان من أمالي الحافظ ابن عساكر في رمضان سنة 683هـ. وقرأته عليها قبل موتها بأربعة أيام فبين التاريخين أكثر من خمسين سنة. (أعيان العصر 1/491، تاريخ حوادث الزمان 3/655).

- زينب بنت يحيى ابن العز بن عبد السلام السلمية (648-735هـ)

شيخة مباركة مسندة. حضرت في الخامسة من عمرها على عثمان ابن خطيب القرافة (مسند الإمام أنس بن مالك) وغيره وسمعت على آخرين. وتفرّدت بـ (المعجم الصغير) للطبراني، عن ابن خليل. وازدحم عليها الطلبة.

سمع عليها الحافظ الذهبي، والصفدي، والواني والبرزالي.

قال البرزالي: قرأت عليها أكثر من أربعين جزءاً، دخل عليها الطلبة يوم موتها وسمعوا عليها وانصرفوا من الميعاد عدة أجزاء وهي مريضة.

كانت شيخة صالحة محبة لسماع الحديث الشريف وإسماعه. (تاريخ حوادث الزمان 3/820).

- عائشة بنت محمد بن المسلّم الحرانية (647-736هـ)

شيخة صالحة مباركة خيرة، مسندة، معمّرة.

حضرت على بعض المشايخ سنة 650هـ، وسمعت بإفادة أخيها وبنفسها. فسمعت (صحيح مسلم) و (اليقين) لابن أبي الدنيا، و (الذكر) لجعفر الفريابي. وغير ذلك من الأجزاء والكتب. وتفرّدت وروت الكثير. سمع منها الحافظ المزي والحافظ الذهبي، والحافظ البرزالي. (أعيان العصر 2/639).

- زينب بنت أحمد بن الكمال عبد الرحيم المقدسية (646-740هـ)

شيخة متواضعة خيّرة، معمّرة، صاحبة الأسانيد العالية التي تفرّدت بها، مسندة الشام، رحلة الدنيا. اعتنى بها أهلها فأحضرت لسماع الحديث منذ صغرها سنة 648هـ على الشيخة حبيبة بنت أبي عمر المقدسي، وسمعت من الإمام أحمد بن عبد الدائم، وخطيب مردا، وسبط ابن الجوزي وآخرين. وروت عن شيوخها بالإجازة كثيراً من الكتب والأجزاء.

سمع منها الحافظ المزي، والحافظ الذهبي والحافظ البرزالي، والواني، والسبكي وتكاثر عليها الطلبة. (معجم الشيوخ للذهبي 1/248).

- نارنج بنت عبد الله الرومية (000-741هـ)

عتيقة الحاج مفلح. شيخة صالحة مسندة معمّرة. سمعت بعض صحيح مسلم عن ابن عبد الدائم في سنة 659 وسمعت سنة 660هـ عليه حديث أبي الشيخ. سمع منها البرزالي وتاج الدين السبكي. (معجم شيوخ السبكي 628هـ).

- فاطمة بنت إبراهيم بن عبد الله المقدسي الصالحية (656 أو 654-747هـ)

شيخة صالحة عابدة زاهدة، مسندة، خاتمة المسندين. أحضرت لسماع الحديث سنة 657هـ على إبراهيم بن خليل الدمشقي، وتفردت بالسماع منه، وأخذت عن آخرين منهم والدها وعم والدها وتفردت بالرواية عنهم وحدثت مراراً. سمع منها الحافظ الذهبي والبرزالي وقال: امرأة صالحة من خيار النساء. (أعيان العصر 4/26).

- نفيسة بنت إبراهيم ابن الخباز (663-749هـ)

شيخة معمّرة مسندة. سمعت بإفادة أخيها النجم إسماعيل على الإمام أحمد بن

عبد الدائم وسمعت من آخرين، وأجاز لها كثيرون. سمع عليها الواني والبرزالي والذهبي وابن رافع السلامي. (معجم شيوخ الذهبي 2/356).

- زينب بنت إسماعيل ابن الخباز (659-749هـ)

شيخة مسندة كبيرة، صاحبة أسانيد عالية، مسندة الشام.

أسمعها أبوها شيئاً كثيراً من الإمام أحمد بن عبد الدائم، وسمعت من الإمام يحيى ابن الشيرازي ومن المجد ابن عساكر. قال القاضي تاج الدين السبكي: سمعتْ على ثمانية وعشرين شيخاً سماعاً وحضوراً، سمع منها الحفاظ والأئمة. (أعيان العصر 2/391).

- ست العرب بنت محمد بن علي المقدسية (687-767)

شيخة مسندة عالية السند، معمّرة، مكثرة. حفيدة الفخر بن البخاري. أحضرت على جدها فكان عندها من حديثه الشيء الكثير، وحدّثت وانتشر منها حديث كثير، سمع منها الحافظ العراقي والهيثمي، وابن رجب وغيرهم. (تاريخ ابن قاضي شهبة 2/288).

- فاطمة بنت محمد ابن المنجى (712-803هـ)

شيخة أصيلة، مسندة وقتها، معمّرة. قال الفاسي: تفرّدت في الدنيا بإجازة القاضي سليمان بن حمزة، وابن عبد الدائم والمطعّم، ووزيرة بنت المنجى، وغيرهم. وروت كتباً كثيرة.

قال الحافظ ابن حجر: قرأت عليها: (الأوائل) لابن أبي شيبة، و (الأطعمة) للدارمي. و (فضائل الصحابة) للبرداني. وكثير من الكتب غيرها. (تاريخ ابن قاضي شهبة 4/213).

- فاطمة بنت محمد بن عبد الهادي المقدسي (719-803هـ)

شيخة محدثة، أخت عائشة. أُسمعت الكثير على ابن الشحنة الحجار (صحيح البخاري) وغيره، وأجاز لها كثيرون.

قرأ عليها الحافظ ابن حجر، وعلى أختها عائشة كثيراً من الكتب والأجزاء. (المجمع المؤسس لابن حجر 2/368).

- خديجة بنت إبراهيم البعلية (قبل 720-803هـ)

شيخة مسندة معمّرة، مكثرة. حدّثت بالكثير، سمع منها الأئمة، وأكثر عنها الحافظ ابن حجر. (المجمع المؤسس 1/572).

- عائشة بنت محمد بن عبد الهادي المقدسي (723-816هـ)

شيخة صالحة مسندة الدنيا، معمّرة. سمعت على الحجار أوائل الرابعة من عمرها (صحيح البخاري) وغيره، وسمعت على كثيرين وسمعت على والدها (صحيح مسلم) وأجاز لها كثيرون.

قال الحافظ ابن حجر: وهي آخر من حدث عن شيوخها بالسماع والإجازة، ونزل الناس بموتها درجة في جميع الآفاق.

وهي آخر من حدث بـ (صحيح البخاري) عالياً سماعاً، ومن الاتفاق العجيب أن ست الوزراء بنت عمر بن أسعد بن المنجى التنوخية كانت آخر من حدث من النساء عن ابن الزبيدي في الدنيا وماتت سنة 716هـ، وعائشة هذه ضاهتها في وفاتها سنة 816هـ، وزادت عليها بأن لم يبق من الرجال أيضاً من سمع على الحجار رفيق ست الوزراء في الدنيا غيرها، وبين وفاتيهما مئة سنة سواء، حدثت بالكثير من مسموعاتها، وأخذ عنها الأئمة والحفاظ، سيما الرحالة فأكثروا، وكانت سهلة في الإسماع، لينة الجانب. (المجمع المؤسس 2/350).

- عائشة بنت إبراهيم ابن الشرائحي (760-842هـ)

من بيت علم وفضل وصلاح ورواية للحديث الشريف. أُسمعت الكثير من أصحاب الفخر بن البخاري وغيرهم بدمشق والقاهرة وبعلبك فسمعت من ابن أميلة سنة 769هـ (سنن أبي داود) و (سنن الترمذي) و (مشيخة ابن البخاري). وسمعت من آخرين، وحدّثت بالكثير، سمع منها الحافظ ابن حجر وغيره. (المجمع المؤسس 3/210).

- ست القضاة بنت أبي بكر المقدسي (ابن زُريق) (797-864هـ)

مسندة جليلة، أحضرت لسماع الحديث في السنة الأولى من عمرها، وأسمعت على البالسي وغيره، وأجاز لها كثيرون. وحدّثت سمع منها الفضلاء: منهم الحافظ السخاوي وقال: لقيتها بصالحية دمشق فحملتُ عنها أشياء، وكانت صالحة خيّرة، محبة للحديث وأهله، من بيت رواية وعلم. (الضوء اللامع 12/56).

- فاطمة بنت خليل الحرستاني (000-874هـ)

سبطة الشيخ تقي الدين عبد الله بن خليل الحرستاني، شيخة مسندة صالحة. أحضرت على جدها وغيره (الشمائل) سنة 803هـ، وحدّثت بها. قرأ عليها الإمام يوسف بن عبد الهادي كتباً وأجزاء كثيرة. (أعلام النساء الدمشقيات 842).

وفي كتب التراجم نساء كثيرات اعتنين بعلم الحديث وروايته ونشره، وللتوسع انظر كتاب أعلام النساء الدمشقيات لمؤلفه محمد مطيع الحافظ، وغيره من كتب التراجم ككتاب أعلام النساء للأستاذ عمر رضا كحالة.

وفي القرن الرابع عشر الهجري تلقت بعض النسوة الحديث الشريف وروايته بإسناد عال مثل: سعدية بنت إبراهيم الكزبري، والشيخة إنعام الحمصي والأخيرة تلقت الفقه والحديث الشريف على الشيوخ: عبد الوهاب الحافظ (دبس وزيت) والشيخ محمد سعيد البرهاني، والشيخ أبي اليسر عابدين الذي أجاز لها برواية الحديث والفقه والعلوم إجازة مكتوبة بخطه.

وفي دمشق قامت نهضة نسائية لحفظ صحيحي البخاري ومسلم وروايتهما بالأسانيد المتصلة العالية بإشراف عدد من الشيوخ المتخصصين بعلم الحديث كالشيخ نور الدين العتر، والدكتور محمد عجاج الخطيب.

ممّا سبق نجد أن المرأة قد ساهمت كثيراً بنقل الحديث وروايته، والاعتناء به، وكان لكثير منهن الفضل في علو السند، والتفرُّد برواية كتب كثيرة عالياً كالبخاري ومسلم ...

وممّا يدل على النهضة العلمية عند المرأة، أنها بفضل أهلها أو من حولها أُسمعت حضوراً منذ صغرها حتى في الأيام الأولى بعد ولادتها ونجد أيضاً اعتناء الأزواج بهن، وممّا يفتخر به أيضاً أن نجد بعض الإماء المعتقات شاركن في هذا المجال.

وممّا يُلاحظ أيضاً أن رواية الحديث الشريف قد تراجعت كثيراً بعد الهجوم التتري سنة 803هـ عند الرجال وعند النساء سواء.

جزى الله هؤلاء النسوة على ما بذلن وقدمن وسهرن الليالي الطويلات في سبيل التلقي ثم الرواية.

هذا بالنسبة لرواية الحديث، أمّا تلقي القرآن والعلوم الأخرى فيحتاج إلى بحث آخر.

والله الموافق. والحمد لله رب العالمين.