قدوة القيادة في الإسلام 22

قدوة القيادة في الإسلام

الحلقة الثانية والعشرون : بناء العلاقات

د. فوّاز القاسم / سوريا

من الأولويات الهامة التي حرص عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم في بداية هذه المرحلة الجديدة  كذلك ، إحكام بناء الصف الداخلي لمجتمعه المؤمن ، وتمتين لحمة الوحدة الوطنية للمجتمع المدني عموماً من جهة ، وبناء علاقات مودة ، وحسن جوار ، بين الدولة المسلمة ، وبين القبائل العربية المسالمة لها ، من جهة أخرى ..

فلقد كان المجتمع المدني إبان هجرته الشريفة صلى الله عليه وسلم يتألف من ثلاثة أصناف من السكان:

الصنف الأول : وهم المؤمنون ، الذين يتألفون من المهاجرين والأنصار ومن تبعهم ولحق بهم من أهل القبائل ..

الصنف الثاني : وهم المشركون من أهل يثرب ، الذين لم يدخلوا بعد في هذا الدين ، وهم قلة قليلة لا تخلو من أهواء وأغراض شخصية .

والصنف الثالث : هم اليهود ، الذين كانوا يساكنون أهل المدينة مدينتهم ، وهم أكثر عدداً من المشركين وأشد خطراً منهم ، لما كانوا يتمتعون به من مكر وحقد وأنانية

ولقد كان من أهم أعماله ، وأولى أولوياته صلى الله عليه وسلم ، هو رصّ الصف الداخلي للمؤمنين ، وتمتينه ، وتنظيمه ، وتحصينه ، ضد أية خروقات أو شرذمات قد تهدده ، وتهيئته للدور الجهادى العظيم الذي ينتظره . ثم بناء علاقة مواطنة وحسن جوار ، بين سكان المجتمع المدني عموماً بجميع فئاته وطبقاته .

ثم بناء علاقات مودة وسلام ، بين الدولة المسلمة الوليدة ،وبين كل القوى المسالمة لها ، وغير المعتدية عليها . ولقد حقق رسول الله صلى الله عليه ، أهدافه على أكثر من دائرة كما ذكرنا .

أ _ دائرة العلاقة بين المسلمين أنفسهم .

المؤاخاة بين المهاجرين كما ورد سابقاً .

المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار .

المؤاخاة بين مسلمي المدينة ، من المهاجرين والأنصار ، ومن لحق بهم ، وجاهد معهم ، من مسلمي القبائل الأخرى .

أما المسلمون الذين لم يهاجروا ، ولم يلتحقوا بالرسول صلى الله عليه وسلم في دولته الجديدة ، فقد كان لهم حكم خاص ، ففي الوقت الذي كافأهم فيه الإسلام على إسلامهم ، فجعلهم ضمن دائرة المسلمين ، إلا أنه عاقبهم على تخلفهم عن الهجرة إلى دار الإسلام الجديدة ، وجعلهم أقل حرمة ، إذا تنافست المصالح ، من أصحاب العهود من المشركين ، قال تعالى :

(( والذين آمنوا ولم يهاجروا ، ما لكم من ولايتهم من شيء حتى يهاجروا ، وإن استنصروكم في الدين فعليكم النصر ، إلا على قوم بينكم وبينهم ميثاق ، والله بما تعملون بصير  )).الأنفال (72)

ب_ العلاقة بين المسلمين وبين مواطنيهم من أهل المدينة المنورة .

لقد كان واحداً من أهم أهداف الدستور الذي وضعه الرسول صلى الله عليه وسلم ، فور وصوله أرض المدينة المنورة ، هو تنظيم العلاقة بين سكان المدينة ، من المسلمين ، واليهود ، والمشركين ،  وتمتين الوحدة الوطنيّة بينهم ، وذلك كخطوة أولى ، استعداداً لمواجهة الأعداء المتربصين في الخارج .

قال ابن اسحق : وكتب رسول الله صلى الله عليه وسلم كتاباً بين المهاجرين والأنصار ، وادع فيه يهود ، وعاهدهم ، وأقرّهم على دينهم وأموالهم ، وشرط لهم واشترط عليهم .

ولقد رأينا أكثر من فقرة في الدستور ، تخص اليهود .

وكذلك كانت العلاقة بين المسلمين وبين المشركين من أهل المدينة _ الذين لم يشرح الله صدورهم للإيمان _ علاقة موادعة ، ومسالمة ، وتعاون ، بشرط أن لا يتعاونوا مع الأعداء ، وأن تكون الكلمة الأولى في المدينة لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، فقد جاء في الدستور :

(.. وإنه لا يجير مشركٌ مالاً لقريش ولا نفساً ، ولا يحول دونه على مؤمن … وإنكم مهما اختلفتم فيه من شيء ، فإن مردَّه إلى الله عزَّ وجل ، وإلى محمدٍ صلى الله عليه وسلم … وكل مـا كان بين أهل هذه الصحيفة من حدث أو اشتجار يخــاف فسـاده ، فـان مرده إلى الله عز وجل ، وإلى محمد رسول الله صلى الله عليه وسلم ) . هشام1(504)

ج_ العلاقة بين المسلمين وبين المشركين ، من غير سكان المدينة المنورة .

لقد  كان المشركون خارج المدينة المنورة ، يقسمون بالنسبة للرسول  صلى الله عليه وسلم ، إلى قسمين رئيسيّين :

مشركين محاربين : وهم مشركو مكة ، ومن تحالف معهم .

وهؤلاء هم العدو الأول بالنسبة للرسول صلى الله عليه وسلم ، الذين بدأ يضع الخطط لمجاهدتهم ومحاربتهم ، لأنه كان قد استنفذ معهم كل فرص النصح والدعوة والتبليغ بالحكمة والموعظة الحسنة، من جهة.

ولأنهم هم الذين اعتدوا عليه وعلى أصحابه ابتداءً ، فعذّبوهم ، وآذوهم ، وفتنوهم في دينهم ، وأخرجوهم من ديارهم بغير حق ، إلا أن يقولوا ربنا الله ، من جهة أخرى ..

ومشركين غير محاربين : وهم الذين لم يتعرّضوا للمسلمين بأذى أو اعتداء ، فهؤلاء لم يكن للرسول صلى الله عليه وسلم حاجة في حربهم في هذه المرحلة ، بل كان  يسالمهم ، ويوادعهم ، كلما وجد إلى ذلك سبيلاً ، كما فعل مع قبائل :

خزاعة ، وبني ضُمرة ، و بني مُدلج ، وغيرهم  ..

ألا فما أروع هذا الفقه ، وما أعظم هذا القائد ، وحريٌّ بكل من ابتلي بمهام قيادية في ثورتنا السورية المباركة ، أن يقتدي به ، ويسير على نهجه ، وينسج على منزاله.