الطائفية شر ووبال على الأمة الإسلامية

 الطائفية نسبة إلى الطائفة ،وهي الجماعة  التي لها مذهب أو رأي أو توجه أو نشاط ... يميزها عن غيرها . وقد تكرر ذكر  لفظة "طائفة" في كتاب الله عز وجل ، وكلها تدل على جماعة من الناس اجتمعوا على أمر ما أو جمعهم أمر ما قد يكون خيرا وقد يكون شرا . فالله عز وجل سمى اليهود والنصارى طائفتين في قوله تعالى : ((  وهذا كتاب أنزلناه مبارك فاتبعوه واتقوا لعلكم ترحمون أن تقولوا إنما أنزل الكتاب على طائفتين من قبلنا )). وسمى الله المنافقين طائفة في قوله تعالى : (( فإن رجعك الله إلى طائفة منهم فاستأذنوك للخروج فقل  لن تخرجوا معي أبدا ولن تقاتلوا معي عدوا إنكم رضيتم بالقعود أول مرة فاقعدوا مع الخالفين ولا تصل على أحد منهم مات أبدا ولا تقم على قبره إنهم كفروا بالله ورسوله وماتوا وهم فاسقون)). وسمى الله صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم طائفة فقال : (( إن ربك يعلم أنك تقوم أدنى من ثلثي الليل ونصفه  وثلثه وطائفة من الذين معك)). وقد تكرر وصف الصحابة بالطائفة في آيات أخرى . وسمى الله عز وجل الجماعة من المسلمين المشتغلة بفقه الدين بالطائفة فقال : (( وما كان المؤمنون لينفروا كافة فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة ليتفقوا في الدين ولينذروا قومهم إذا رجعوا إذا رجعوا إليهم لعلهم يحذرون )). وتحدث الله عز وجل عن طائفتين داخل الكيان  أو الجسم الإسلامي فقال جل شأنه : (( وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا فأصلحوا بينهما فإن بغت إحداهما على الأخرى فقاتلوا التي تبغي حتى تفيىء إلى أمر الله فإن فاءت فأصلحوا بينهما بالعدل وأقسطوا إن الله يحب المقسطين إنما المؤمنون إخوة فأصلحوا بين أخويكم واتقوا الله لعلكم ترحمون )) . وهذا النص القرآني يؤكد أن الطائفية المفضية إلى الاقتتال ممكنة  وحاصلة بين المؤمنين وهم إخوة ، كما يؤكد أن سبب هذه الطائفية هو البغي الحاصل من إحدى الطائفتين  ورد الفعل عليه. والله عز وجل إذ يأمر الأمة في كل عصر ومصر أن تقوم بدور الإصلاح بين طائفتين من المؤمنين يقع بينهما قتال بسبب خلاف ، و أن تقوم أيضا بدور ردع الطائفة الباغية  ثم الإصلاح مرة أخرى بعد الردع بالعدل والقسطاس  لتستمر الأخوة بين الطائفتين المتقاتلتين لأن الأصل ألا يحصل القتال بين طائفتين من المؤمنين ، وإن حصل فهو استثناء  سببه  بغي طائفة من الإخوة على الأخرى . والمطلوب في الطائفة الباغية أن ترجع  عن بغيها بفعل الصلح أو بفعل الردع  الذي يليه الصلح أيضا . فقد يكفي الصلح بين الطائفتين ليحصل الرجوع عن البغي ، وقد لا يحصل ذلك إلا بقتال الأمة للطائفة الباغية  والذي يردعها عن بغيها .  

والملاحظ في الأمة الإسلامية اليوم أن صارت مهددة  بوباء الطائفية  أو طوفانه أكثر من ذي قبل عبر تاريخها الطويل ، والسر في ذلك تدخل الأغيار في هذه الطائفية  لقدح زنادها، والنفخ في شرارتها لتحرق الأخوة الإسلامية حرقا مدمرا. ولقد تنبه أعداء الإسلام إلى خطورة الطائفية في تدمير وحدة الأمة الإسلامية فنفخوا في رمادها لتستعر نارها ، وكان ذلك مع الغزو الأطلسي لأرض العراق ، وهي أرض تتميز جغرافيتها البشرية بالطائفية المذهبية التي كان منطلقها اختلاف الأمة في الزمن الأول بسبب قضية سياسية محضة تعود إلى قضية خلافة رسول الله صلى الله عليه وسلم ، حيث رأت طائفة أن الخلافة شورى بين المسلمين ، بينما رأت طائفة أخرى أنها  منحصرة في آل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى قيام الساعة ، وكان ذلك سببا في اقتتال الطائفتين منذ ذلك العهد إلى يومنا هذا .  وأخرج الصراع بسبب الخلاف في موضوع الخلافة من إطاره السياسي  المحض إلى إطار عقدي  قضى على الأخوة الإسلامية  قضاء مبرما بين طائفتين حيث  تنكرت كل طائفة لهذه الأخوة، وأحلت محلها العداوة  والبغضاء ، وصارت كل طائفة تؤثم الأخرى بل تحول التأثيم بسبب الغلو إلى تكفير . ولم تضطلع الأمة  بمهمة الإصلاح  بين الطائفتين، ولا بمهمة ردع الطائفة الباغية  والإصلاح بالعدل والقسطاس،  بل انقسمت الأمة على نفسها مائلة  أو منتصرة أو متعصبة  لهذه الطائفة أو تلك ، أو منخرطة أو متورطة في الاقتتال بينهما  بدعم أو تأييد أو تجهيز ...  ،ولا زالت الطائفية كما بدأت أول الأمر سببها الصراع السياسي ،  ومبرراتها  وذرائعها عقدية  مختلقة ومبتدعة مع أن الله عز وجل جعل الأمة واحدة ربها واحد ،ورسولها واحد ، و كتابها واحد ، وقبلتها واحدة ، والتحق  رسول الله  صلى الله عليه وسلم بالرفيق الأعلى بعد أن أدى الرسالة التي أكملها الله عز وجل  والأمة الإسلامية طائفة واحدة تجمع بين أفرادها أخوة الدين . ولا شك أن الذي جعل الاقتتال بين أنصار الخلافة  من طائفة السنة  وأنصار الإمامة من طائفة الشيعة  هو العناصر الغريبة عن الدين الإسلامي والمخترقة للأمة قديما وحديثا . ولقد  كان العنصر اليهودي عبر التاريخ خلف هذا الاختراق حيث بدأ أول الأمر على يد اليهودي عبد الله بن سبأ الذي  عمل ما في وسعه وبالخبث المعروف في بني إسرائيل على نقل الصراع من طابعه السياسي المحض إلى طابع عقدي مفبرك ، فروج للغلو في التعامل مع الإمامة التي لم تعد مجرد إمامة المسلمين الإمامة العظمى  سواء كان من يتولاها من آل البيت أم من غيرهم، بل صارت إمامة غيبية تخرج الإمام من طبيعته الناسوتية إلى طبيعة لاهوتية وتحيطه بالخوارق . وكان افتراء ابن سبأ  على آل البيت سببا في تناسل الخرافات والأوهام  والأساطير المنسوبة لآل بيت رسول الله صلى الله عليه وسلم. ولقن دعاة هذه الخرافات والأوهام والأساطير لأتباعهم في كل زمان التعصب لها ، والانطلاق منها كعقيدة لممارسة البغي ضد الطائفة التي لا ترى  خلافة رسول الله خلافة  وشورى لا إمامة مورثة . ونظرا لتغلل العقيدة الشيعية الطائفية أو بالأحرى العقيدة السبئية إذا أردنا الدقة واصطباغها بالعصبية العمياء عسر على الأمة الإصلاح بينها وبين غيرها، ولم يجد ردع أصحابها بل زادهم الردع تعصبا لها وتشبثا بها ،لأن دعاتها يلقون في قلوبهم  مع تعطيل عقولهم أنهم على الحق المبين  وأن غيرهم في ضلال مبين . ولقد عمدت السبئية الماكرة إلى كتاب الله عز وجل بالتأويل  الباطذني الباطل ، وفسرت آيه على خلاف ما نزل به الوحي ، ولوت بأعناقها ليا  ليساير النظرة السبئية الضالة المضلة ، وصار الواحد من المفتونين بالسبئية لا يجد حرجا في تفسير قول الله تعالى على سبيل المثال لا الحصر (( التين والزيتون )) هما الحسن والحسين، ولا يخجل من نفسه بل يحدث بذلك حديث الواثق من نفسه  ورافضا ما تواتر من تفسير لقول الله تعالى . والقرآن الكريم عند السبئية  له ظاهر وباطن ، والمعتمد عندها هو الباطن ، ولا عبرة بالظاهر ، وكأن الله تعالى توخى بكلامه الإلغاز والتعمية . ويتحول القرآن عند السبئية إلى طلاسم لا يفك ألغازه إلا كهانها . ولا يخجل السبئي من الزعم بأن الإمام علي كرم الله وجهه وقد لقبه رسول الله صلى الله عيه وسلم بأبي تراب وهو يبسط معه يوما حين رآه مضطجعا على التراب هو أبو البشر عوضا عن آدم لأن آدم خلق من تراب ، وعلي هو أبو تراب . بمثل هذه الخزعبلات تشحن أدمغة طائفة الشيعة ، ويؤلبون على كل من لا يقبل خزعبلاتهم. ولقد عاودت السبئية كرتها من جديد  في عصرنا ، فعمدت إلى نار الطائفية تسعرها بين السنة والشيعة في العراق والشام واليمن  وغيرها ، ووقع الاقتتال بين الطائفتين ولا من يصلح بينهما ، ولا من يردع الطائفة الباغية،  بل انخرطت الأنظمة في البلاد العربية والإسلامية في الصراع الطائفي تأييدا أو دعما أو تورطا مسلحا . ولم تصغ الأنظمة إلى علمائها الربانيين الذين يبذلون الجهود لإطفاء نار الفتن المستعرة بين طائفة الشيعة وطائفة السنة . وينشط المحتل الصهيوني وحلفاؤه في تعميق الهوة بين الطائفتين من أجل بث الوهن في جسم الأمة الإسلامية ليحقق هذا المحتل الماكر حلمه بإنشاء الوطن القومي الكبير . والطرف الرابح في الصراع الدامي بين السنة والشيعة هو  بطبيعة الحال هذا المحتل الخبيث الذي وجد ضالته في مكر جده ابن سبأ ، فأحياه من جديد ، وتبنى التحريش بين المسلمين لصرفهم عن احتلاله والنهوض بالقضاء عليه ،وتحرير الأرض المقدسة المحتلة التي باركها الله عز وجل وبارك ما حولها . ولقد انتشرت عدوى السبئية في طول وعرض الوطن العربي والإسلامي ، وانبرى لها دعاة الفتنة الذين حملوا فيروسها إلى  هذا الوطن لاقتحام الأدمغة المتخلفة والمؤهلة لحمل  هذا الفيروس الخبيث  واحتضانه . وأخطر سلاح نجح أعداء الإسلام في استخدامه هو النفخ في النعرة الطائفية الممزقة للحمة الأخوة الإسلامية . ولقد جعل أعداء الإسلام اليوم ينبشون في ماض الطائفية ، ويجعلون السبئية الرافضية يرون أنفسهم مكلفين نيابة عن آل البيت  ـ وهم منهم براء ـ بالثأر لما يسمونه مظلمة آل البيت ، وقد حملهم التعصب الأعمى والجهل المعشش في أدمغتهم  المستغلقة على اعتبار سنة اليوم حفدة من يعتبرونهم مغتصبي الخلافة  من آل البيت ، ومن ثم  شرعنوا استباحة أرواح ودماء وأعراض وأموال من يعتبرونهم حفدة مغتصبي الخلافة بل حملهم تعصبهم على تحميلهم مسؤولية هدر دم سبط النبي الحسين  بن علي رضي الله عنهما مع أن شعار دين الله هو : (( لا تزر وازرة وزر أخرى)) إلا أن الفكر السبئي يوقف التاريخ كما يحلو له ،  وحيث يشاء ، ويصنع به ما يشاء من أجل أغراض سياسية مكشوفة وعلى رأسها التمكين للكيان الصهيوني الغاصب ، وتحقيق حلم الدولة الصفوية في إيران، والتي لا زالت عقدة الشعوبية تلازمها منذ سقوط الأمبراطورية الفارسية المجوسية والتي لم يستسغ أهلها الخضوع لدين الإسلام الذي جعله الله عز وجل في أمة العرب التي كانوا يستعبدونها قبل البعثة النبوية المباركة . ويزعم الصفويون الجدد أنهم أولى بالنبي وآله من غيرهم وأنهم ورثة ولاية فقه تنوب عنهم إلى غاية نزول الإمام الذي يزعمون أنه رفع كما رفع المسيح عليه السلام مع فارق وهو أن المسيح توفاه الله ثم رفعه ، في حين أن إمامهم المزعوم لم يمت وهو حي مرفوع يدير أمور الخلق  في السماء  مع رب العزة تعالى عما يصفون  في انتظار النزول إلى الأرض . ولا وجود لعقيدة ولا دين وراء الصراع الطائفي المستعر التي تديره السبئية  باسم الدين ، بل كل ما الأمر هو أطماع وأغراض سياسية مكشوفة لا تخفى على ذي لب  حصيف لا تخدعه الذرائع والمبررات الواهية  والمكشوفة . وأخيرا نكرر القول  بأن الطائفية المحسوبة على الدين وهو منها براء  شر ووبال عليه وعلى الأمة الإسلامية  ،  ولن تنهض هذه الأمة ولن تستعيد مجدها الضائع حتى تتخلص من داء الطائفية العضال  ، نقول هذا ل كل من ألقى السمع وهو شهيد.  

وسوم: العدد 702