اتقوا الله .. فيما تسطرون ، وتنقلون
تداول بعض الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي فريت أحدهم .. أن رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم ( لم يكن أمياً ) وإنما كان ( يعلم القراءة والكتابة ) واستدل على هذا الفهم المنحرف بقوله تعالى : ( الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ ) وفسر ( النبي الأمي - بالنبي المكي ) ودعم فريته حسب مكره بقول الله تعالى : ( هو الذي بعث في الأميين رسولا منهم ) وفسر ( الأميين ) بأنهم ( أهل مكة ) الذي يكون رسول الله منهم !!! مع أن التفسير الواضح والصريح لهذه الآية أن الأميون هم : ( العرب ) .
معني كلمة أمي : قال الإمام الطبري رحمة الله : يعني بالأميين .. الذين لا يكتبون ولا يقرءون ، ومنه قول النبي صلى الله عليه وسلم .. إنا أمة أمية لا نكتب ولا نحسب .. ) .
أما الإمام الشوكاني رحمة الله تعالى فقد فسر الأمي بأنه : منسوب إلى الأمة الأمية .. التي هي على أصل ولادتها من أمهاتها ، لم تتعلم الكتابة ولا تحسن القراءة للمكتوب ) .
وهنا نستدل بقول الله تعالى : ( وَمَا كُنْتَ تَتْلُو مِنْ قَبْلِهِ مِنْ كِتَابٍ وَلا تَخُطُّهُ بِيَمِينِكَ إِذاً لارْتَابَ الْمُبْطِلُونَ ) ( العنكبوت : 48 ) فهذه الآية الكريمة تببن وتوضح وتصرح بأن محمداً صلى الله عليه وسلم .. لم يقرأ قبل القرآن كتاباً بسبب أميته .. ولو كان يكتب ويقرأ لارتاب الذين في قلبهم مرض ... وظل عليه الصلاة والسلام أمياً لا يقرأ ولا يكتب .. حتى توفاه الله تعالى .
ففي صلح الحديبية .. وأحداث كتابة الوثيقة بين المسلمين والمشركين .. ما يدل صراحة على أمية الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام ... عندما دعى رسول الله علي بن أبي طالب رضي الله عنه ليكتب بينه وبين سهيل بن عمر بعد أن اتفقوا على عدة شرائط بينهم .. فقال له اكتب : هذا ما قاضى عليه محمد عبدالله ورسوله سهيل بن عمر .. فاعترض سهيل قائلا : لو كنا نعلم ونشهد أنك رسول الله لما قاتلناك ، أكتب اسمك واسم أبيك .. فقبل رسول الله ذلك ، وقال أكتب هذا ما قاضى عليه محمد بن عبدالله .. فأبى عليا أن يمسح كلمة رسول الله .. فقال له رسول الله دلني عليها .. فمسحها بنفسه ....
والشاهد هنا لو كان عليه الصلاة والسلام يعلم القراءة والكتابة ، لما طلب من علي رضي الله عنه أن يدله على مكان الكلمة ليمسحها بنفسه .
ثم خرج علينا آخر .. وادعى أن ٨٠ % من القرآن الكريم هو باللغة الآرامية .. وقام بتفسير الحروف المقطعة التي جاءت ببدايات السور في القرآن .. بعد تحويل الحروف العربية إلى الحروف العبرية المشتقة من الآرامية والسريانية ، ومن ثم استخرج لبعضها معنى كما يدعي !!!
وهنا نذكر بقول الله تعالى : ( إِنَّا أَنزَلْنَاهُ قُرْآنًا عَرَبِيًّا لَّعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ) يوسف : ٢
وقوله جل شأنه : ( وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَٰذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ - قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ لَّعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ ) الزمر : ٢٧ - ٢٨
وقوله تعالى : ( وَإِنَّهُ لَتَنزِيلُ رَبِّ الْعَالَمِينَ - نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الْأَمِينُ - عَلَىٰ قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنذِرِينَ - بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ - وَإِنَّهُ لَفِي زُبُرِ الْأَوَّلِينَ - أَوَلَمْ يَكُن لَّهُمْ آيَةً أَن يَعْلَمَهُ عُلَمَاءُ بَنِي إِسْرَائِيلَ - وَلَوْ نَزَّلْنَاهُ عَلَىٰ بَعْضِ الْأَعْجَمِينَ - فَقَرَأَهُ عَلَيْهِم مَّا كَانُوا بِهِ مُؤْمِنِينَ ( الشعراء : ١٩٢ – ١٩٩
عن موسى بن محمد بن إبراهيم التيمي ، عن أبيه قال : بينما رسول الله - صلى الله عليه وسلم - مع أصحابه في يوم دجن إذ قال لهم : " كيف ترون بواسقها ؟ " . قالوا : ما أحسنها وأشد تراكمها . قال : " فكيف ترون قواعدها ؟ " . قالوا : ما أحسنها وأشد تمكنها . قال : " فكيف ترون جونها ؟ " . قالوا : ما أحسنه وأشد سواده . قال : " فكيف ترون رحاها استدارت ؟ ". قالوا : ما أحسنها وأشد استدارتها . قال : " فكيف ترون برقها ، أوميض أم خفو أم يشق شقا ؟ " . قالوا : بل يشق شقا . قال : " الحياء الحياء إن شاء الله " . قال : فقال رجل : يا رسول الله ، بأبي وأمي ما أفصحك ، ما رأيت الذي هو أعرب منك . قال : فقال : " حق لي ، وإنما أنزل القرآن بلساني ، والله يقول : ( بلسان عربي مبين ) .
وقال سفيان الثوري : لم ينزل وحي إلا بالعربية ، ثم ترجم كل نبي لقومه ، واللسان يوم القيامة بالسريانية ، فمن دخل الجنة تكلم بالعربية . رواه ابن أبي حاتم .
وعلى نذلك نؤكد أنه عندما يذكر علمائنا الروايات الاسرائيلية .. فهي تكون للاستئناس بها فقط .. لا نصدقها ، ولا نكذبها .
رسالة أخيرة : أقول لمن أراد أن يتدبر ويتفكر ويتأمل بالقرآن الكريم ، واستعصت عليه بعض الكلمات .. فلا يبحث عنها في العبرية او السريانية او الآرامية .. وإنما فقط يحتاج إلى تدبر كتاب الله بروية وتأمل ، فقد جاء للعرب بلسان عربي مبين .. وسوف أضرب مثلا لذلك :
عندما تبجح أخينا الذي استخدم العبرية والسريانية لتفسير معنى كلمة ( كافر ، الكفار ) وتحجج بأنه لم يجد لها معنى في كتاب الله ، ولا في اللغة العربية .. فوالله قد كذب .. فلو تأمل كتاب الله بعناية لوجد جواب سؤاله ؟؟
فكلمة ( كافر ) : تعني الذي غطى الحقيقة .. وهذا المعنى مستخرج من كتاب الله نفسه .. حيث قال الله سبحانه وتعالى في سورة الكهف ( ١٠٠ – ١٠١ ) : ( وَعَرَضْنَا جَهَنَّمَ يَوْمَئِذٍ لِّلْكَافِرِينَ عَرْضًا - الَّذِينَ كَانَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي غِطَاءٍ عَن ذِكْرِي وَكَانُوا لَا يَسْتَطِيعُونَ سَمْعًا ) ... وفي آية أخرى وصف الله تعالى ( الزراع بالكفار ) لأنهم يكفرون الحبوب ، أي يغطوا حبوب الزرع بالتراب .
وقد ذكر ذلك ووضحه البروفيسور حامد بن أحمد الرفاعي في كتابه مسيرة الحوار الإسلامي – المسيحي .. وقد عرج عليها ، وغيرها .. عدة مرات في رسائله اليومية على مواقع التواصل الاجتماعي .
أمل أن أكون قد وضحت الكثير من الحقائق .. كما آمل أن تكون كلماتي مفاتح للبحث والتدبر في معنى كلمة ( نون ) في قوله تعالى ( ن ۚ وَالْقَلَمِ وَمَا يَسْطُرُونَ ( القلم : ١
وسوم: العدد 703