اللوبي اليهودي

د. عبد السلام البسيوني

وإذا كانت الصورة التي ترسخها وسائل الإعلام مشوهة بسبب سيطرة اللوبيات الإعلامية اليهودية عليها، أو بسبب وجود عقليات عنصرية متطرفة استغلت أحداث سبتمبر لكي تفرغ ذلك المكبوت، من أجل تفعيل تشويه صورة الإسلام، فقد كانت هذه الأحداث فرصة مواتية أيضاً لبعض السياسيين الغربيين والدينيين لكي يمرروا خطاب العنصرية والاستعلاء.

فمن الدعوة إلى هدم الكعبة، إلى وصف الإسلام بأنه دين شيطاني جديد على لسان القس البروتستانتي المعروف فرانكلين غرام، إلى بيرلسكوني الذي راح يؤكد على أن الغرب يجب أن يثق في أن حضارته أرقى من الحضارة الإسلامية، وهو يضع استراتيجيته لقمع ما وصفه بالإرهاب! كلها تنويعات على تشويه صورة الإسلام.

وهي مواقف تمتد لتصل إلى الكاتبة والصحافية الإيطالية أوريانا فالاتشي، التي راحت تؤكد على أن الغرب يعيش حرباً صليبية بالفعل! حرباً يسمونها جهاداً. حرباً لا تريد أن تغزو أراضينا بل أرواحنا، حرباً تريد القضاء على خيراتنا وعلى حضارتنا!

في فرنسا: أما رئيس تحرير مجلة لوب وان الفرنسية فيقول في مقالة افتتاحية له بعد أحداث سبتمبر: إنه من ضمن الملاحظات العديدة التي نخرج بها من هذا الحدث هو أن الإرهاب المستشري أكثر في العالم اليوم يتعلق بالتطرف الإسلامي!

مضيفاً أن الغرب يجهل القوة الصامتة للحركات الإسلامية وللمسلمين كافة؛ لأن هناك ملياراً منهم في العالم، وإنه حتى لو كان هذا المليار لا يساند الإرهاب فإنهم لا يعارضون الانخراط في أعمال الجهاد والحرب المقدسة!

بريطانيا: أما في بريطانيا فقد نشرت جريدة الصنداي تليغراف مقالاً بعنوان: هذه الحرب ليس موضوعها الإرهاب بل الإسلام!

أمريكا: أما الصحافة الأمريكية فحسبما يشير المؤلف فقد أثبتت دراسة بشأنها أنها بدأت في الهجوم المباشر على الدين الإسلامي؛ باعتباره ديناً يحض على العنف والانتقام، وكان هذا النمط من المعالجة الصحافية متوازياً مع الهجوم على المسلمين.

كما لجأت الصحافة الأمريكية والبريطانية إلى تخصيص مساحات واسعة لشخصيات ذات تأثير في المجتمع، للإدلاء بشهادتها المعادية، والداعمة للأهداف التي كانت تعمل من أجلها في هذه المرحلة، وهو ما نراه في أقوال صامويل هنتنغتون بأن المسلمين يشكلون 20% من سكان العالم وهم وحدهم مسؤولون عن 80% من الصراعات والاضطرابات في عالم اليوم!

في هولندا: أما في هولندا فقد نشرت مجلة هاخسابوت مقالاً دعا فيه كاتبه إلى مراجعة جذرية للوجود الإسلامي في هولندا، وإلغاء مدارس المسلمين، مضيفاً أن الوقت حان للتأكد من إمكان التعايش مع الدين الإسلامي. بوصفه ديناً يحترم القيم الديمقراطية للدول الغربية، والنظام الدستوري والقانون!

صورة الإسلام بعد أحداث نيويورك

ويؤكد الكاتب السوري منتصر حمادة - من خلال كتاب البشارى أيضاً - أن تفجيرات 11 أيلول (سبتمبر) 2001 كانت مناسبة جديدة لأن تعبر العديد من وسائل الإعلام الغربية - سمعية بصرية أو مقروءة - عن صورتها المبطنة اتجاه الإسلام والمسلمين، وذلك من خلال قراءة الصفحات الأولى من المجلات والجرائد الغربية، أو من خلال قراءة محتوى الافتتاحيات والمقالات والمتابعات، سواء أكانت صحافية أم أكاديمية، حيث كانت صورة الإسلام والمسلمين في العديد من هذه المتابعات تخضع للتشويه والتحريف..

وكان الأمر الشاذ فيها هو أن نجد متابعات منصفة، قليلة جداً ونادرة. مقارنة مع ما كان سائداً في هذه المتابعات، ونذكر من هذه المتابعات المنصفة ما كان ينشره الصحفي البريطاني روبرت فيسك في جريدة الأندبندت - ولا يزال - أو الباحث الفرنسي فرانسو بورغا، أو المفكر الإيطالي إمبرتو إيكو على سبيل المثال، وهناك أيضاً بعض الباحثين الآخرين، الذين لم يحظوا بنفس الاهتمام الذي حظي به العديد من المستشرقين والكتاب الغربيين، معروف عنهم إصدار تصريحات وتحاليل غير منصفة، في القضايا والملفات التي تهم العالم الإسلامي أو الوطن العربي.

وقد تفرعت أصناف تشويه صورة الإسلام والمسلمين، بين التصريحات الأكاديمية والسياسية والإعلامية، وإذا كانت الصور التي ترسخها وسائل الإعلام مشوهة بسبب سيطرة اللوبيات الإعلامية اليهودية عليها، أو بسبب وجود عقليات عنصرية متطرفة استغلت أحداث نيويورك وواشنطن لكي تفرغ ذلك المكبوت من أجل تفعيل تشويه صورة الإسلام، فقد كانت هذه الأحداث فرصة لبعض السياسيين الغربيين، والدينيين لتمرير خطاب العنصرية والاستعلاء، وهذا ما جاء في تصريحات جورج بوش الابن، والتي أثارت جدلاً شديداً عندما استخدم عبارات مثل الحروب الصليبية التي أعادت للذاكرة ذكريات المواجهة بين الإسلام والمسيحية، وقد أحسن صنعها الرئيس الأمريكي عندما تراجع عن تصريحاته، وكذلك حينما قام بزيارة مسجد واشنطن والاجتماع مع ممثلي المسلمين الأمريكيين.

صحيح أنه صدرت بعض المبررات في الصحف العربية تشير إلى أنه في الغرب، يبقى المعنى الحرفي لكلمة Crusade  هو حملة صليبية عن العرب والمسلمين، لكن استخدامها اليوم في الدول الغربية الناطقة بالانجليزية لا علاقة له بأصل الكلمة، فهي تستخدم في وصف أي حملة شديدة مثل حملة مكافحة المخدرات أو تنظيف الشوارع أو حتى حملة لتحسين الوضع الشخصي... إلخ، ولكن، يضيف المؤلف، ذلك لا يعفينا من التنبيه إلى خطورة صدور هذه التصريحات على لسان مسؤولين سياسيين كبار، أي أن هذه التصريحات قد تستغل في حال عدم التراجع عنها من أجل تمرير خطابات إعلامية وأكاديمية مليئة بالحقد والعنصرية، والإرهاب الفكري.

وسوم: العدد 704