أزمة أصحاب المشروع الإسلامي

أزمة أصحاب المشروع الإسلامي

أي مشروع ؟!

زهير سالم*

[email protected]

( الدولة الإسلامية )  العنوان الجاذب والجميل والبراق الذي يرتبط به اليوم  الملايين من المسلمين . ( الدولة الإسلامية ) أو ( دولة الخلافة ) أو ( الدولة الراشدة على منهاج النبوة الأولى ) أو ( الدولة الإسلامية المدنية بمرجعيتها الشرعية ) عنوان كثيرة ينبني عليها تصورات أكثر كلها تدندن حول دعوة واحدة بمفاهيم متعددة لايكاد يحصيها عاد ..

وإذا أسقطنا الحاملين لهذه المفاهيم على مدرج زاوية مستقيمة من 180 درجة ، سنجد في الحقيقة على كل سن من أسنان هذه الزاوية ، مفهوما وقائلين به ومدافعين عنه .

بعض هؤلاء يدافع عما يؤمن بالتي هي أحسن من الحجاج والحوار ، وبعضهم يدافع بأخوات التي هي أحسن إما من التكفير والتبديع والتضليل والتجهيل وإما بالعصا والسيف وما قارب السيف والعصا ..

حتى سنوات قليلة كان بإمكاننا أن نضع على المسنن في أقصى يمين المسطرة مثلا أسامة بن لادن أو أيمن الظواهري ، قبل رحيل الشيخ أسامة  برزت على الساحة ظاهرة أبو مصعب الزرقاوي الذي وضعه البعض على يمين بن لادن ، بل وقبلها كان كثيرون يقولون إن أيمن الظواهري يقف على يمين ابن لادن ، وأن الحلف بينهما ذو طابع تكتيكي . كثيرون ممن عرفوا أسامة بن لادن قالوا بأن الرجل لم يكن جريئا على الدماء جرأة من كان معه أو من خلفه ، بل صدر عنه في أكثر من رسالة تنبيهات على  ضرورة الاحتياط والحذر في أمر الدماء .

اليوم يبدو واضحا للمتابعين أن هناك فرقا عديدة تقف في فهمها وممارستها على يمين أيمن الظواهري نفسه . من هؤلاء على ما يبدو البغدادي وفريقه من أصحاب مشروع دولة العراق والشام . حتى روي عن الجولاني صاحب النصرة في سورية  أن إعلانه البيعة للظواهري لم يكن إلا موقفا تكتيكيا تهرب به من التبعية للبغدادي .

الأزمة  التي نطرحها هنا ليست أزمة اختلاف تصورات أو مفاهيم هذه الشريحة من حملة المشروع فقط ؛ بل إن المشكلة نفسها تظل قائمة كلما تقدمنا على مسننات المسطرة إلى الأمام . وعلى كل المستويات

في النماذج العملية هناك دول عديدة تقدم نفسها أنها تمثل تجارب لدولة إسلامية !! أو لدولة تقوم على الشريعة وقرآنها ودستورها . من هذه الدول إيران ، ومنها بعض دول الخليج ، ومنها السودان ، ومنها تجارب بعض الأحزاب الإسلامية في دول الربيع العربي ولا ندري إن كنا نستطيع أن نشير إلى تجربة إخوان مصر القصيرة أيام حكم الرئيس الأسير مرسي .

هل يمكن لأحد من حملة المشروع في سورية مثلا أن يتبنى المشروع في أي دولة من الدول المذكورة ؟!  ومن يعلن أنه سيتبنى المشروع الإسلامي المطبق في العربية السعودية مثلا ، هل سيتبناه كما يطبق في جدة أو في حائل والقصيم ؟! هل في هؤلاء من يريد تبني المشروع الإسلامي كما يطبق في السودان أو في طهران ؟ سنرى أن الإجابة على الأسئلة بالعمومات البراقة مما لا يجدي كثيرا في هذا المقام .

ثم على الصعيد النظري ما تزال  التصورات الأولية لحقيقة الدولة الإسلامية المنشودة متفاونة حتى لدى أبناء ( الدائرة الإسلامية الواحدة ) في سياق التيار الإسلامي العريض .

بعض أبناء التيار الإسلامي في دوائره المختلفة لا يزالون يؤمنون بأنموذج ( تاريخاني ) للدولة ، والأخطر من التصور التاريخاني للدولة ، تصورهم التاريخاني للمجتمع .

إن القصور المتفشي عن إدراك ما أدركه عمالقة الفقهاء من أبي حنيفة ومالك  والشافعي إلى ابن خلدون لا يزال محبطا جدا بالنسبة للكثيرين من حملة المشروع الإسلامي والمبشرين منه ممن لا يملكون عنه غير عناوين مقدسة .

أي عظمة كانت لدى الإمام مالك بن أنس صاحب الموطأ حين رفض عرض السلطة السياسة في النصف الأول من  القرن الثاني الهجري لحمل الناس على رأيه وكتابه واجتهاده . يقول للخليفة أبي جعفر المنصور : إن أصحاب رسول الله قد انتشروا في البلاد ومع كل واحد منهم علم . وهو الذي كان قد  اعتبر عمل أهل المدينة مصدرا من مصادر فقهه .

التغير المجتمعي المكاني في العصر الواحد  في فقه أولئك القوم كان أكثر حضورا من التغير المجتمعي الزماني خلال أكثر من ألف عام عند بعض حملة المشروع الإسلامي والمبشرين به اليوم !!

وكلما اقترب حملة هذا المشروع من استحقاقاته العملية الواقعية ، ودخلوا في التفصيلات الجزئية برزت في وجوههم معالم أكبر للاختلاف فيما بينهم  في الرؤى والتصورات والتطبيقات والآليات والأساليب .

إن إدراك طبيعة هذا التباين من قبل حملة المشروع أنفسهم مقدمة ضرورية لاحتوائه والتعامل الجاد  معه . ومقتضى الموقف المبادرة للتوافق ضمن دائرة أوسع من العاملين على ملامح مشروع متكامل بعناوينه ومضامينه بكلياته وجزئياته .

وإذا كانت المراحل السابقة قد احتملت كثيرا من سياسات الاستصحاب للمكاثرة في وجه المستبدين فإن استحقاقات المرحلة القائمة بأبعادها لم تعد تحتمل التماهي مع أي مشروع مناقض أو مخالف لما يتفق عليه الراشدون مهما كان عنوانه براقا ، ومهما ظن البعض أن التماهي مع مخالفيهم وإن بالدرجة يمكن أن يكسبهم قوة أو عددا . ..:

تقول العرب إن البيان يطرد الشيطان . الشيطان الذي يكمن في التفاصيل . لا بد من بيان واضح  لمشروع إسلامي يؤمن حملته به ، ويستعدون للتضحية في سبيله ، والأهم من ذلك يواصلون ويفاصلون عليه : بلا مناورة ولا مراوغة ولا خداع ولا ختل ..

التحدي المفروض ليس سهلا . وطرح المشروع الإسلامي للدولة الإسلامية المدنية الحديثة المنتمية إلى القرن الحادي والعشرين القائمة على إرادة مجتمع ينتمي إلى القرن الحادي والعشرين  يحتاج إلى الكثير من الفقه وإلى الكثير من الحكمة والبصيرة والكثيرة من الشجاعة والجرأة ..

ثلاث سنوات من الحوار استغرقها مناقشة مسودة المشروع السياسي لجماعة الإخوان المسلمين وذلك كان في جملته مجرد عناوين .  وستظل إعلانات  مثل : الإسلام المعتدل ، والإسلام الوسطي ، والدولة المدنية ذات المرجعية الإسلامية  ، مجرد عناوين مبهمة حتى يتم التعبير عنها بمرتسماتها النظرية التفصيلية . وكل إعلان إيجابي يجب أن يقترن بإعلان سلبي . هذا من رؤيتنا وذاك لا يعنينا وهو مردود على أهله.

               

* مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية

*مدير مركز الشرق العربي للدراسات الحضارية والاستراتيجية