الناس والتخطيط

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على سيدنا محمد رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين وبعد .

إن للناس أمام التخطيط والبرمجة مواقف متعددة ومتغايرة. ومن خلال التأمل والملاحظة نرصد أنماط التفكير التالية كنماذج واقعية لنصل من ورائها إلى الموقف الحق في هذه القضية الهامة.

1- فمن الناس من يتخذ التخطيط والبرمجة حرفة له وصنعة يتعيش بممارستها ويشعر بالسعادة والراحة كلما انتهى من مشروع خطةٍ لعمل ما، ولا يهم بعد ذلك أن يرى مشروعه النور أم لا.

2- ومنهم من يتخذ التخطيط وأهله مجالاً للنقد والسخرية المبطنة ويعتقد أن التخطيط ملهاة للناس وتخدير للمشاعر وعبثية ما أجدت الأمة شيئاً ذا بال منذ زمن طويل.

3- ومنهم من يتخذ من ضعف التخطيط –حسب زعمه- وسيلة للهجوم على أي جماعة لا تحترم نفسها ولا تمارس التخطيط بمفهومه الحضاري الراقي الذي يغير الحال ويوصل إلى الهدف بأقرب وقت وأقصر طريق.

4- وصنف آخر من الناس يفرح من قلبه ويستبشر خيراً عظيماً عندما يرى تخطيطاً نظرياً على درجة من القبول ويظن هؤلاء أن الدنيا بخير طالما يوجد فيها من يفكر بمثل هذا التفكير الذي يتطلع إلى مستقبل أفضل.

5- وهناك من يؤمن بضرورة التخطيط وأهميته ويعتقد أن غيره يقوم بهذا الدور ويعفي نفسه من أي تبعة تجاه ذلك تخطيطاً وتنفيذاً.

6- والحق أن كل هذه الأنماط من التفكير وجميع هؤلاء الأصناف من الناس إنما هم أعباء وعقبات على أي جماعة يوجدون فيها لأن أحداً منهم لم يقدم خطوة عملية تساهم في تحسين الواقع والارتقاء به إلى الأفضل. وكأن هؤلاء ليس عندهم إلا ما يُتسلى به في المجالس وتُقضى به الأوقات ويُقتل به الفراغ دون هدف ولا طائل.

7- والحق في هذه القضية: أن التخطيط والبرمجة والمنهجية الواعية أساس النجاح في أي عمل وأن العفوية والارتجال مفسدة وضياع للجهد والوقت معاً.

 ولكن الحاجة إنما تشتد إلى رجلٍ له إرادة وعزيمة وكفاءة وعمل دءوب وحركة لاتعرف الهدوء، رجل قد وهب نفسه ووقته وحياته لدعوته وللمبدأ الذي يؤمن به.

ومثل هذا الرجل هو الذي يحتاج إلى تخطيط وبرمجة ومنهجة لأهدافه ووسائله وترتيب لأولوياته، وهو بحاجة أيضاً إلى النقد والمراجعة والتقويم لترشيد مساره ولمعرفة أين هو من أهدافه التي يسعى إليها.

فهل يندب أحداً منا نفسه ليكون ذلك الرجل الرباني الصادق؟ إننا يوم نكون كلنا كذلك فعندها تبدأ مسيرتنا ويبدأ العد التنازلي للوصول إلى الهدف بإذن الله.

وكل وقائع التاريخ تدل على ذلك وتؤكده، فما عرف التاريخ مصلحاً ولا قائداً غيّر مجرى التاريخ بمجرد نظريات ومخططات خيالية لا وجود لها إلا في تلافيف الأفكار أوفي بطون الأوراق السرية اللهم إلا إذا كان هناك من يريد إعادة بناء جمهورية أفلاطون المثالية !

ونختم هذه الخاطرة بالتأكيد على العودة إلى البدهيات الحركية الإصلاحية التي يعبر عنها علماؤنا ومفكرونا بمثل قولهم:

- الإسلام فكرة وحركة وانقلاب.

- الإسلام علم وعمل وجهاد، الإسلام حالة وليس فكرة ومقالة.

- الإسلام عقيدة وشريعة ومنهاج حياة.

- جند الله ثقافة وأخلاقاً، وجند الله تخطيطاً وتنظيماً وتنفيذاً.

 فمرحباً وأهلاً بخطة ومنهاج يتحول إلى حركة وحياة وأخلاق يراها الناس ويحسون بآثارها دون بحث وتنقيب وتمحيص، ولا خير في مخططات ومراسيم لا ترى النور ولاتحيي مواتاً ولا تحرك ساكناً في الناس.

هذا والله أعلم

وصلى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.

هيئة التأصيل الشرعي لجماعة الاخوان المسلمين في سورية

الأحد 15 محرم الحرام 1438هـ الموافق  16/10/2016م    

وسوم: العدد 705