نصوص القرآن والحديث تعين المتعلمين على التمكن من استعمال لغة الضاد
نصوص القرآن والحديث تعين المتعلمين على التمكن من استعمال لغة الضاد خلاف ما يزعم الذين يطالبون بحذفها من كتب مادة اللغة العربية
على الذين يزعمون أن سبب ضعف أرصدة المتعلمين في اللغة العربية هو وجود نصوص القرآن الكريم والحديث الشريف في كتب اللغة العربية أن يقدموا دليلا على ذلك ،فإن لم يفعلوا ،ولن يفعلوا ، وما ينبغي لهم ،وما يستطيعون ، فإليهم دليل على عكس ما يزعمون لا يستطيعون رده ، وهو دليل من بين عدد كبير لا يحصى من الأدلة التي يمكن سردها إذا اقتضى الأمر ذلك خلال السجال معهم . والدليل الذي أسوقه هنا يتعلق بحرف الباء، وهو من حروف المعاني الذي لا يعرف عنه المتعلمون عندنا من المرحلة الابتدائية إلى المرحلة الجامعية مرورا بالمرحلة الإعدادية والتأهيلية سوى أنه حرف يدخل على الاسم فيجره ، ومتى صادفوه في النصوص التي يحتكون بها في الكتب المدرسية لم يزد علمه بحرف الباء على أنه حرف لصيق بالاسم يجره . وإذا طلب من المتعلمين إعرابه لم يزد كلامهم عن كونه الباء حرف جر، والاسم الذي يليها اسم مجرور به ، وعلامة جره الكسرة التي تكون ظاهرة أو مقدرة لاستثقالها أو تعذرها ، وتنتهي حكاية حرف الباء هنا ، وتتساوى عند المتعلمين الجمل التي يرد فيها هذا الحرف في مختلف السياقات بالرغم من اختلاف معانيها بسبب هذا الحرف المتضمن لمعان يشارك فيها حروف معاني أخرى، وينوب عنها أو يتقارض معها ،وهو ما لا يعلمونه ،ويكون ذلك سببا في سوء استيعابهم لمعان الجمل التي يرد فيها عذا الحرف ، كما يكون ذلك سببا في سوء استعماله الذي يتسبب في ركاكة تعبيرهم نطقا ورسما ، وسببا في ضعف أرصدتهم في اللغة العربية . ولو ضمنت الكتب المدرسية نصوصا من القرآن والحديث لفتحت للمتعلمين آفاقا واسعة للتمكن من لغة الضاد، وبيان ذلك كالآتي :
إذا ما عدنا إلى مصنف الحسن بن قاسم المرادي رحمه الله المعروف بالجنى الدنى في حروف المعاني ، نجده يقدم حرف الباء وهو ثاني حرف أحادي بعد الهمزة من خلال نصوص القرآن والحديث للكشف عن معانيه . فإذا كان هذا الحرف عنده يختص بالاسم ، وهو ملازم لعمل الجر، فإن له ثلاثة عشر معنى إذا كان غير زائد ، وله ستة مواضع إن كان زائدا .
أما معانيه الثلاثة عشر إذا كان غير زائد فهي كالآتي :
1 ـ الإلصاق : ويكون حقيقي كقول القائل :" أمسكت الشيء بيدي" ، كما يكون مجازيا كقول القائل : " مررت بزيد " والمعنى هنا مررت على زيد ، والشاهد على ذلك من القرآن قوله تعالى : (( وإنكم لتمرون عليهم )) أي بهم ، وقد نسب المرادي ذلك لابن مالك حكاية عن الأخفش .
2 ـ التعدية : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( ذهب الله بنورهم )).
3 ـ الاستعانة : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( بسم الله الرحمن الرحيم )).
4 ـ التعليل أو السببية : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( إنكم ظلمتم أنفسكم باتخاذكم العجل )) أي لاتخاذكم أو قوله : (( فكل أخذنا بذنبه )) ، وهنا تنوب الباء عن اللام.
5 ـ المصاحبة أو الحال : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( قد جاءكم الرسول بالحق )) أي مع الحق أو محقا ، وهنا تنوب الباء عن مع .
6 ـ الظرفية : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( ولقد نصركم الله ببدر )) أي في بدر ، وهنا تنوب الباء عن في .
7 ـ البدل : والشاهد على ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم : " ما يسرني بها حمر النعم " أي بدلا عنها .
8 ـ المقابلة أو العوض : والشاهد على ذلك قول الله عز وجل : (( وشروه بثمن بخس دراهم معدودة )) أي مقابل أو عوض .
9 ـ المجاورة : والشاهد على ذلك قول الله عز وجل : (( فاسأل به خبيرا )) أي اسأل عنه ، وقوله تعالى : (( سأل سائل بعذاب واقع )) أي عن عذاب واقع ، وهنا سدت الباء مسد عن .
10 ـ الاستعلاء : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( ومن أهل الكتاب من إن تأمنه بقنطار )) أي على قنطار ، وقوله : (( وإذا مروا بهم )) أي عليهم ، وهنا عوضت الباء على .
11 ـ التبعيض : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( يشرب بها عباد الله )) أي منها ، وهنا عوضت الباء من .
12 ـ القسم : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( وأقسموا بالله جهد أيمانهم )).
13 ـ النيابة عن إلى : والشاهد على ذلك قول الله تعالى : (( قد أحسن بي إذ أخرجني من السجن )) أي أحسن إلي ، وهنا نابت الباء عن إلى .
وإذا كانت الباء زائدة في الفاعل فهي إما لازمة والشاهد على ذلك قوله تعالى : (( أبصربهم واسمع )) أو جائزة كقوله تعالى : (( كفى بالله شهيدا )) ، أما في المفعول فكقوله تعالى : (( ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة )) ، وأما في الخبر فكقوله تعالى : (( أليس الله بكاف عبده )) .
هذا شأن حرف الباء الذي يكتفى بتقديمه للمتعلمين في دروس اللغة العربية على أنه حرف جر فحسب . ولا يعرف المتعلمون أنه ينوب عن حروف معان أخرى منها : اللام ، على ، مع ، في ، عن ، من ، إلى ، وهي حروف تختص بمعان كالتعليل أو السببية ، والإلصاق ، والمصاحبة ، والظرفية ، والمجاورة ،والاستعلاء ، والتبعيض ، ولها معان أخرى تتبادلها فيما بينها ،فضلا عن اختصاص حرف الباء بمعان كالبدل ،و المقابلة أو العوض ،و القسم .
إن المتعلم إذا ما صادف على سبيل المثال بعض هذه النصوص القرآنية المشتملة على معاني حرف الباء في كتب اللغة العربية التي يتداولها ، فإنه سيستوعب تلك المعاني بشكل جيد ، ويتعرف على طبيعة المعاني التي يشتمل عليها هذا الحرف الأحادي الذي يكون مجرد حرف أبجدي إذا انفصل عن الكلام، ويكون جزءا منه إذا ضم إلى حروف أبجدية أخرى، بينما يكون له تحكم في معاني الجمل إذا التصق باسم وراد فيها كما ظهر ذلك في الشواهد القرآنية أعلاه.وحين يستوعب هذا المتعلم معاني هذا الحرف ، فإنه يحسن الفهم والتعبير والإنشاء بطرق سليمة ، ومن ثم يتمكن من لغة الضاد .
وقد يقول قائل إن معاني هذا الحرف توجد أمثلة عليها في غير نصوص القرآن والحديث ، نقول له أجل ، ولكن الاستشهاد بشواهد القرآن والحديث يقدم على الاستشهاد بغيرهما من الشواهد والأمثلة . وإذا كان احتمال ورود اللحن والخطإ أو الاضطرار كما هو الشأن في الشعر في هذه الأخيرة ، فإن ذلك يستحيل في نصوص القرآن والحديث وهما كلام الله عز وجل ، وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الذي لا ينطق عن الهوى .
والمطلوب في كتب اللغة العربية أن تشتمل على نصوص القرآن والحديث خصوصا في دروس اللغة لتكون ضابطة لما يقدم في هذه الدروس من قواعد تمكن المتعلم من الاستعمال الصحيح لها ليتمرس باللغة العربية نطقا وتعبيرا وإنشاء .
وأخيرا أتحدى مرة أخرى الذين ينادون بشطب نصوص القرآن والحديث من كتب مادة اللغة العربية أن يقدموا بين يدي زعمهم المتهافت أدلة على ما يزعمون . و إن كان الواضح من دعوتهم أنهم يريدون الحيلولة دون تعرف الناشئة على نصوص القرآن والحديث من جهة ، كما يريدون من جهة أخرى الحيلولة دون تمكنهم من لغة القرآن حتى يتم تحقيق هدفهم الأول وذلك لملازمة اللسان العربي للوحي فلا يفهم أحدهما إلا بمعرفة الآخر . وعلى حراس العقيدة وحراس اللغة العربية أن يتعقبوا هؤلاء بتسفيه مزاعمهم بأدلة وحجج دامغة من نصوص القرآن والحديث وهي أدلة تزخر بها أمهات كتب علوم اللغة العربية منذ صار كلام الله عز وجل وكلام رسوله صلى الله عليه وسلم الشغل الشاغل لهذه الأمة.
وسوم: العدد 707