أريد زوجاً
كرّرت اتصالها 5 مرات برقم طوارئ الشرطة 911 خلال ساعة واحدة.
لم تطلب منهم في اتصالاتها الخمس إلا هذا الطلب: (أريدكم أن تحضروا لي زوجاً).
كانت الموظفة التي تستقبل اتصالات الطوارئ تسألها لتتأكد من أنها تعني ماتطلب: أتريدين زوجاً؟! فتجيبها دائماً: نعم، أريد زوجاً.
ما كان من الموظفة، في الاتصال الخامس، إلا أن تُحذِّر المرأة المتصلة بقولها: هل تعلمين أنكِ قد تُعتقلين لاتصالك بخدمة الطوارئ دون سبب؟!! فردّت عليها المرأة: إذن اعتقلوني.
أيّاً كانت جديّة المرأة في طلبها زوجاً فإني أحب أن أقف قليلاً عند حاجة فطرية في الإنسان، رجلاً كان أم امرأة، إلى الزواج الذي يسكُن فيه إلى آخَر، قال تعالى: " وَمِنْ آَيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُمْ مَوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ ". الروم (21).
ولقد زارني يوماً، في مركز الاستشارات الذي أعمل فيه، فتاة ومعها أبوها، أو أب ومعه ابنته، لاأعلم من أقنع الآخر للاحتكام إليّ في خلافهما.
تسألونني: علام يختلفان؟ وأقول: على حق الفتاة في الزواج الذي ترى أن والدها لايُعينها عليه، ولايوافق على من يتقدّم لخطبتها.
وقد دافع والدها عن نفسه بقوله إن من تقدّموا لخِطبتها قليلون، وجميعهم ليسوا كفؤاً لها.
ردّت الفتاة بأنها ارتضت أحدهم ورأته مناسباً لكن والدها وَجَدَه غير مناسب.
وسواء كان هذا الأب استجاب لطلب ابنته في الاحتكام إليّ، أو كان هو من اقترح عليها ذلك، فهذا يُشير إلى حِرصِه على إنصاف ابنته، وعدم ظُلمها بعَضْلِها، أي: منعها من الزواج، لأن كثيراً من الآباء لايكترثون ببناتهم، بل إن بعضهم لايسمح لابنته بالتصريح برغبتها في الزواج ويرى ذلك عيباً.
وإذا كانت الحكومات تسعى إلى بناء مساكن للناس؛ فإن عليها أيضاً أن تسعى في تزويج الرجال والنساء عبر تذليل عوائق الزواج أمام غير قليل منهم.
ولايغيب عنّا ماتقوم به جمعيات في تيسير سُبُل الزواج أمام الشباب والبنات، ونجاحها في ذلك بقدْر طيّب مبارك، لكن الحكومات بما تملك من قدرات مادّية ومعنوية أكبر كثيراً، تستطيع أن تحقّق نتائج أفضل، وأكبر، وأسرع.
ولعلّ حكومات دول مجلس التعاون الخليجي سبقت كثيراً من الدول الأخرى في تحقيق ذلك عبر منحها القروض للمتزوّجين وعَلاوات على الزوجة والأولاد، وبناء مساكن لهم بأقساط مُريحة.
لكن الأزمة تبقى قائمة، مع ارتفاع نسبة غير المتزوّجين، وخاصّة بين النساء بسبب ارتفاع المهور وزواج كثير من مواطنيهن من نساء عربيّات وأوروبيات وسواهن.
ولاتكفي كلمات هذا المقال القصير لبحث هذا الأمر الجليل، فلابدّ من اهتمام به أكبر، عبر عقد الندوات والمؤتمرات، وإجراء البحوث والدراسات، واقتراح الحلول المناسبة لمُختلَف مايتعلّق بهذا الأمر من مشكلات.
من جانب آخر فإني أرجو من الأزواج والزوجات أن يشكروا الله تعالى على أن يسَّر لهم الزواج، هذه النِّعمة التي يفتقدها كثيرون وكثيرات، رغم عِلمنا بمعاناة غير قليل من الأزواج والزوجات من كثرة النّزاعات التي حُرِموا بسببها من استقرار الحياة.
لهذا فإن علينا أيضاً أن نُعين المتزوّجين على الوِفاق، ومعالجة مابينهم من نزاع وشقاق، حتى نُقلِّل مااستطعنا من وقوع الطلاق، ومايعقُبُه من خسائر مادِّية ومعنوية كثيرة وكبيرة وخطيرة.
فإذا كان هناك كثيرات يصرخن: أريد زوجاً؛ فإن هناك من المتزوّجات من تصرخ: أعيدوا لي زوجي.
وسوم: العدد 708